السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليس دفاعا عن الخشت: الفيلسوف المستنير والإداري البارع والأستاذ المرموق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أيام قليلة من صدور قرار تعيين الدكتور محمد عثمان الخشت رئيسا لجامعة القاهرة في الأول من شهر أغسطس عام 2017، شنت عليه حملة شعواء غير مبررة، تتهمه بالفكر المتشدد والتعصب، وعدم قبول الآخر، وحينها طلبت منه ألا يلتفت للمهاترات، وألا تنال منه الأحقاد، وألا يجعل ما حدث يثني عزيمته عن المُضِيّ قدما لتحقيق الإنجازات التي وعد بها في برنامجه الذي تقدم به لرئاسة الجامعة، ولجعل جامعة القاهرة إحدى جامعات الجيل الثالث ومنارة التنوير في وطننا كما كانت عبر تاريخها الطويل.
فلماذا تم توجيه هذا الاتهام للرجل في بداية توليه إدارة الجامعة؟ وعلى أي أساس بنى المغرضون والحاقدون افتراءاتهم، وهو الفيلسوف المستنير صاحب المدرسة الفكرية التي تتبنى العقلانية النقدية منهجا للتفكير والبحث، وأسس في الوقت نفسه رؤية جديدة للعالم والحياة والمستقبل على أسس عقلانية وروحية معا، وذهب إلى ضرورة صياغة خطاب ديني جديد لمجتمعنا الإسلامي والعربي، وليس مجرد تصحيح الخطاب الديني السائد حاليا، لاعتقاده بأنه لم يعد مناسبا لواقعنا، ولا صالحا لعصرنا بما نعايشه من تغيرات هائلة أفرزها النظام العالمي الجديد، وما أوصلتنا إليه العولمة، وأثرت تأثيرا مباشرا وغير مباشر في سلوك الناس، مما أصاب معاييرنا المجتمعية وشوه قيمنا الخلقية.
هذا فضلا عن دور فكره التنويري في إبراز صورة الإسلام الحضارية، ومناهضة التطرف والعنف والإرهاب على كافة المستويات، فهو يرى أنه من الأهمية تطوير العقل المصري وتغيير طريقة التفكير عند المواطن، وبناء شخصية مسئولة.. واعية.. حرة.. ناقدة.. وقادرة على استثمار ذلك كله ومراجعته وتطويره من أجل نهضة حقيقية عميقة الجذور متأصّلة المنبت. 
وقد تمخض عن هذه الجهود اختياره عضوا في العديد من الهيئات العلمية والدينية المحلية والدولية منها، انتخابه عضوا دائما بلجنة العلوم والابتكار بجامعة "شنغهاي جياتونج"، وعضوا بمركز حوار الأديان بالأزهر الشريف، وعضوا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وغير ذلك، مما يعزز مكانة الرجل، ويثمن فكره المستنير، الذي يهدف من ورائه إلى استقرار الوطن، ومحاربة التطرف والعنف والإرهاب.
والآن وبعد مرور قرابة العامين على توليه المنصب، تظهر الحملة الثانية الممنهجة والشرسة التي لم يكن هدفها النيل من الرجل نفسه، بقدر ما كان إثارة البلبلة واللغط بين قطاعات كبيرة من المجتمع قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وانطلاق الوطن لتحقيق طموحات أبنائه في الاستقرار والتقدم والازدهار. وهو ما لم ولن ينجح فيه أعداء الوطن أبدا. 
فقد جاءت نتائج المشاركة في الاستفتاء لتؤكد وعي هذا الشعب العظيم بواقعه، وحرصه على إفشال كل محاولات الهدم وبث الروح السلبية، والوقوف بصلابة في وجه كل هذه المحاولات التي لن تنال من عزيمته. 
وما حققه الخشت في إدارته للجامعة على أرض الواقع خلال الفترة الماضية يعد إنجازات غير مسبوقة على كل المستويات، تتجاوز بكثير رؤيته وخطته الاستراتيجية، مما يؤكد أننا بصدد إداري مرموق قادر على السير قدما بالجامعة لتحقيق طموحات الوطن والمساهمة في تطوره ونهضته المأمولة. 
وهنا لن أفند الافتراءات والأكاذيب التي تم تناقلها عبر منصات الجماعة الإرهابية في الداخل والخارج ومن خلال قنوات التواصل الاجتماعي، لأن الجميع يدرك هدفها المشبوه. وللأسف شارك فيها كثير من الأشخاص الذين اعتادوا على نشر ما يسمعون أو يقرأون دون تمحيص نقدي، ودون وعي بالآثار السلبية التي تتمخض عنها، ليس على شخص من تقدم ضده هذه الافتراءات ولكن على الوطن واستقراره وأمنه. 
وكأن الرجل قد أدرك مبكرا كل ذلك، فكانت مبادرته الوطنية لتطوير العقل المصري، واللجوء للتفكير النقدي سبيلا لهذا التطوير، من خلال مقرر للتفكير النقدي درسه كل طلاب جامعة القاهرة هذا الفصل الدراسي، وكانت الجامعة في ذلك أسبق من الاتحاد الأوروبي الذي أكد قيمة التفكير النقدي وأهميته في مقاومة الحروب النفسية والشائعات التي تهدف للنيل من الأوطان من قبل جماعات مارقة لا تعرف إلا الإرهاب سبيلا لتحقيق أهدافها الحقيرة في هدم الأوطان وتشريد الشعوب. 
وكانت تجربة جامعة القاهرة في هذا الجانب ناجحة بكل المعايير، وسوف تقتدي بها كل الجامعات المصرية الأخرى.
وأخيرا يبرز البعد الثالث لشخصية الخشت بكونه أستاذا مرموقا، فسيرته الذاتية تحوي إنتاجه العلمي الغزير والقيم والمتكامل، فقد تجاوز عدد مؤلفاته الأربعين كتابا، مؤلفا ومترجما عن أكثر من لغة أجنبية، وحقق أربعة وعشرين كتابا من التراث الإسلامي، وله عشرات البحوث النظرية والتطبيقية المنشورة في المجلات الدولية والإقليمية والمحلية، منها خمسة عشر بحثا منشورا باللغتين الإنجليزية والألمانية. 
وترجمت بعض أعماله إلى لغات أخرى منها الألمانية والإنجليزية والإندونيسية. وجارٍ ترجمة بعض أعماله إلى لغات أجنبية أخرى. 
وقد صدرت أربعة كتب عن فكره الفلسفي، وإسهاماته العلمية والفلسفية باللغتين العربية والإنجليزية، كتبها عشرات من أساتذة الجامعات المصرية والعربية ومحررون أجانب، كما صدر عنه وحول فكره الفلسفي وأطروحاته العلمية والمنهجية أكثر من 78 بحثا علميا محكما. 
وشارك في ثمانية وأربعين مؤتمرا علميا محليا ودوليا بأوراق بحثية، وإدارة جلسات، ومتحدثا رئيسيا، ونظم وشارك في تنظيم خمسة مؤتمرات دولية. 
وغير ذلك من أعمال قيمة تستحق التقدير كان آخرها رسالة ماجستير حول فكر الخشت التنويري.
وبذلك تتكامل جوانب شخصية الخشت الثلاثة فيما بينها، لتجسد قيمة الرجل الفلسفية والعلمية والإدارية لمن لا يعرفه، وهذا ليس دفاعا عنه ضد ما واجهه من مهاترات وأكاذيب وافتراءات، وما تعرض له من محاولات تشويه، بقدر ما هي محاولة للإنصاف. فقد كان الرجل خلال هذه الحملة المغرضة صلبا كعادته، ولم يهتز، ولم يتوقف يوما عن مواصلة تحقيق الإنجازات. 
والمتابع للواقع يجد أنه تم إنجاز أكثر من اثني عشر حدثا ونشاطا علميا وثقافيا وأدبيا متميزا خلال الأيام القليلة الماضية بعد الحفل الذي أصاب البعض بالصدمة، لما حققه من التفاف وتكاتف لشباب مصر الواعي عندما هتف السبعون ألف شاب: "تحيا مصر". 
وإحقاقا للحق إنني لم أتردد في كتابة هذا المقال، رغم علمي بأنني لن أسلم من القيل والقال، ولكن وجدت لزاما عليّ أن أُعبِّر عن رأيي بكل صدق وأمانة؛ لأننا أصبحنا في زمن من يقول رأيا مختلفا يكون مطبلاتيًا، أو مُغرضًا، وهو ما يجب ألا يثنينا عن قول الحق كما نراه وندركه. وتحيا مصر حُرّة أبيَّة رغم أنف الحاقدين والمغرضين من المتاجرين بالدين وَمَنْ على شاكلتهم.