الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مصر تقدم للعالم تجربة فريدة في تشييد الصروح المعرفية والمدن الثقافية

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تقدم مصر تجربة ثقافية فريدة وملهمة للعالم في بناء الصروح المعرفية والمكتبات العامة والمدن الثقافية والفنية الجديدة في وقت باتت فيه تلك القضايا موضع اهتمام متعاظم من جانب المثقفين في كل مكان وعبر ثقافات متعددة.
وتتبنى مصر توجهات داعمة لدور المكتبات في ترسيخ قيمة المعرفة وهي التي تدعم مكتبة الإسكندرية كنموذج عالمي ومنارة للعلم والثقافة كما تمضي قدما في إقامة صروح معرفية وثقافية جديدة على امتداد مصر مثل مدينتي الثقافة والفنون في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة. 
وفي سياق لقاء مؤخرا مع مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بدور المكتبة والجهود التي تبذلها لنشر العلم والثقافة والمعرفة محليا وإقليميا ودوليا "وهي الجهود التي تتكامل مع تلك التي تقوم بها الدولة وتجسدت في تشييد مدينتي الثقافة والفنون في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وكذلك مشروع المتحف المصري الكبير والمشروعات الكبرى الأخرى في مجال المعرفة والثقافة والتعليم العالي".
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي "محورية دور المكتبة في تعزيز المحتوى العلمي والثقافي لتلك المنشآت وتعظيم دورها في المجتمع المصري" فيما وجه مدير مكتبة الأسكندرية الدكتور مصطفى الفقي الشكر للرئيس السيسي على الدعم الذي يقدمه للمكتبة منوها بأن مكتبة الإسكندرية قدمت الدعم لمكتبتي العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين ووضعت خبراتها الفنية والإدارية في خدمة هذين المشروعين التنويريين المهمين.
ويشكل هذا التوجه الثقافي المصري نموذجا مضيئا على مستوى العالم في وقت تتعاظم فيه نداءات المثقفين حول الكرة الأرضية للاهتمام بالمكتبات العامة والمنشآت المعرفية والكيانات الثقافية فيما تصدر كتب جديدة حول المكتبات العامة بعناوين دالة في الثقافة الغربية مثل:"قصور للشعب" بقلم ايريك كلينينبيرج و"كتاب المكتبة" لسوزان اورليان وتدلي السينما أيضا بدلوها في هذا الموضوع كما يتجلى في فيلم "بطاقة كتاب" للمخرج الأمريكي فريدريك وايزمان.
والموضوع ذاته موضع اهتمام كبير من مجلات ودوريات ثقافية مرموقة مثل "نيويورك ريفيو" كما يشكل هما لمثقفين كالباحثة والناقدة الثقافية والقاصة الأمريكية سوي هالبيرن التي تتبنى قضايا الدفاع عن المكتبات العامة في بلادها وتبدو حريصة على رصد واقع ووضعية تلك المكتبات حتى في البلدات الصغيرة بالولايات المتحدة ونظرة رجل الشارع للمكتبات العامة في العصر الرقمي.
وفي طرح بعنوان: "في مديح المكتبات العامة" تؤكد سوي هالبيرن من واقع تجربة ميدانية أن المكتبات العامة مازالت قادرة على جذب الأشخاص العاديين لعالم القراءة وتشكل بخدماتها الثقافية المجانية نوافذ بهجة ومعرفة للأطفال على وجه الخصوص لتسهم بدور فاعل في "صنع مزيد من الأجيال الجديدة الصديقة للكتاب".
وتنوه سوي هالبيرن أيضًا بأهمية "أندية القراءة في البلدات الصغيرة والمناطق النائية" وما تشهده هذه الأندية من نقاشات حول الكتب الجديدة لافتة - من واقع تجربتها الميدانية - إلى أن المكتبات العامة الصغيرة وأندية القراءة في تلك البلدات والمناطق النائية تسهم بصورة إيجابية في رفع المستويات المعرفية والتعليمية للطلاب كما أن تجهيزاتها التقنية المتعلقة بالاتصالات تساعد هؤلاء الطلاب حتى في أداء واجباتهم المدرسية.
وتتفق هذه المثقفة الأمريكية مع عالم الاجتماع ايريك كلينينبيرج عندما وصف المكتبات العامة بأنها "قصور للشعب" حتى أنه اختار هذا الوصف كعنوان لكتابه الذي يؤكد فيه أن هذه المكتبات تعزز قيم المواطنة والمساواة وروح الجماعة والمشاركة فيما يبدي هذا العالم الأمريكي اهتماما بحثيا "بالطرق التي يمكن أن تسهم بها أماكن الحيز المشترك مثل المكتبات العامة في إصلاح أوجه الخلل المجتمعي".
وإذ يعتبر ايريك كلينينبيرج في كتابه الجديد المكتبات العامة "الحيز المشترك الأكثر فاعلية بين أماكن الحيز المشترك لتعزيز القيم المجتمعية الإيجابية" فإن سوزان أورليان صاحبة "كتاب المكتبة" لا تقل عنه حماسا لدور المكتبات العامة "التي ترحب بالجميع في أجواء تتميز بالحميمية دون أن تكبدهم أي تكاليف مالية".
وثمة دور مجتمعي مهم لرجال الأعمال في تقديم الدعم المالي للمكتبات العامة والصروح الثقافية والمعرفية، وذلك مثل ما فعله رجل الأعمال والملياردير الأمريكي ستيفن شوارزمان الذي تبرع بـ100 مليون دولار لمكتبة نيويورك العامة.
وفي الفيلم الوثائقي "بطاقة كتاب" الذي يمتد لأكثر من ثلاث ساعات يعرض المخرج الأمريكي فريدريك وايزمان منظومة المكتبات العامة في نيويورك ويعمق بتقنيات "الفن السابع" الفكرة التي طرحها عالم الاجتماع كلينينبيرج حول هذه المكتبات باعتبارها "قصور الشعب" كما يترجم بالصورة ما ذكرته سوي هالبيرن بشأن دور هذه المكتبات في رفع وتطوير المستويات التعليمية والمعرفية للطلاب وإزالة الحواجز بين رواد المكتبات القادمين من خلفيات متنوعة والإسهام في عمليات التنمية الشاملة للمجتمعات المحلية. 
ورغم الأزمات التي تلاحق المكتبات العامة في بلدان شتى حول العالم جراء نقص التمويل في المقام الأول فإن اتجاهات المواطنين في تلك الدول تبقى إيجابية حيال هذه المكتبات وأدوارها المعرفية والثقافية كما أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام من بينها استطلاع نهض به "مركز بيو للأبحاث" في الولايات المتحدة وأكدت فيها نسبة تتجاوز الـ90 في المائة من العينة البحثية على اتجاهات إيجابية بشأن المكتبات العامة كما يقول كلينينبيرج في كتابه "قصور للشعب".
ولا ريب أن مصر التي تمضي قدما على طريق تشييد الصروح المعرفية والثقافية في كل ربوعها تقدم تجربة فريدة ومثالا مضيئا يترجم على أرض الواقع الكثير من المعاني ومقولات المثقفين في كل مكان حول العالم مثل معنى ما يقوله عالم الاجتماع الأمريكي ايريك كلينينبيرج عن أهمية "البنية الأساسية الثقافية الاجتماعية التي تقدم خدماتها للجميع". 
وعلى سبيل المثال فالمدينة الثقافية والفنية أو "مدينة المعرفة" بالعاصمة الإدارية الجديدة تجسد ما تشهده مصر الآن من "ثورة معرفية جديدة" تتسق مع رسالتها الحضارية وتتناغم مع حقيقة أن المعرفة باتت عماد الحياة في العالم المعاصر وبناء الدولة العصرية. 
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أكد أهمية توفير كل الإمكانيات اللازمة للارتقاء بالمنظومة المعلوماتية في هذه المدينة الجديدة والتي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات المتطورة في كل قطاعاتها كما توظف قدرات وإمكانات الشباب في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق النهضة المأمولة ومراعاة الأبعاد البيئية وصولا لنقلة نوعية في مستوى الحياة للمواطن المصري. 
وتتوالى تجليات هذا التوجه المصري فيما تغير مفهوم القوة بالفعل مع العولمة وثورة المعلومات واقتصاد المعرفة وتتوالى طروحات ثقافية حول ما يسمى "بالقوة الذكية" كمحصلة للتفاعل بين عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة التي تعد الثقافة قوامها وأساسها. 
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اكد خلال لقائه مع أعضاء مجلس أمناء مكتبة الأسكندرية على أهمية الأخذ في الاعتبار بتنامي انتشار التكنولوجيا البازغة في العصر الحالي "الذي يشهد ثورة صناعية رابعة" أصبحت تمثل تحديا كبيرا أمام الدول التي تسعى للحاق بركب التقدم والتنمية.
وفي عالم رقمي جديد تربطه شبكة معلوماتية جبارة لم يعد هناك موضع لانغلاق كما أن السؤال الذي طرحه طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة" حول ما إذا كانت مصر من الشرق أو الغرب قد تتراجع أهميته بعد أن أسقطت شبكة الانترنت حواجز المكان وطرحت تحديات جديدة وأسئلة مغايرة بشأن مستقبل الثقافة.
فهذا عالم يندفع بإيقاع شبكة الانترنت نحو مستقبل تحكمه عوامل المعرفة وقدرات الإبداع والابتكار.
وإذ تقدم مصر للعالم تجربة فريدة في تشييد الصروح المعرفية والمدن الثقافية والفنية فإنها تدرك أهمية المشاركة في "الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم حاليا وتعتمد على العلوم والتكنولوجيا"ومن هنا تتجلى أهمية التوجه الرسمي المصري لتطوير البنية الأساسية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومد خدماتها إلى مختلف أنحاء البلاد من أجل "تنمية مجتمعية مستدامة".
ومشروع معرفي عملاق كبنك المعرفة المصري لا يتوقف عند حدود إتاحة المحتوى المعرفي والعلمي وإنما يمتد ليشمل التعاون مع كبار الناشرين الدوليين لإعداد دراسات في مختلف مجالات البحث العلمي فيما يعد مشروع بنك المعرفة المصري أكبر مكتبة رقمية في العالم وهو في جوهره يقدم خدمة ثقافية مجانية.
ومن هنا فقد رحب به كل المثقفين فيما وصف بأنه "ثورة معرفية وعلمية جديدة للاستثمار في المواطن المصري" ويجد فيه كل باحث ومتطلع للمعرفة أحدث ألوان المعرفة الإنسانية في جميع المجالات.
إنها حقا مصر الخالدة والمتجددة في ثورتها المعرفية الجديدة والمتسقة مع رسالتها الحضارية لتبدد الظلمات وتطلق برق مصابيح العقل الإنساني في رحلة الإجابة عن أسئلة وعناوين المستقبل..إنها حقا تجربة فريدة وملهمة وثورة معرفية إنسانية تفتح كتاب الزمان والمكان على كلمات جديدة وفضاءات أمل مضيئة للإنسانية كلها.