الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أوروبا والعالم الإسلامي "8"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع ثلاثة من أشهر مؤرخى فرنسا، هنرى لورنس وجون تولان وجيل فينشتاين، فى كتاب ضخم بعنوان «أوروبا والعالم الإسلامى.. تاريخ بلا أساطير»، والذى نقله إلى العربية بشير السباعى، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، بقولهم: «وخلال مرحلة الانتقال نحو الاستقلال، حاولت الدولة الاستعمارية تعديل العلاقة الإمبراطورية بتحديدها على أنها «جماعة»: فرنسا ما وراء البحار، الجماعة الفرنسية، الكومونولث المفتوح أمام غير البيض مع انضمام الهند وباكستان إليه. وكان الطموح هو بناء علاقة جديدة بالاعتماد على وجود تاريخ مشترك طويل إلى هذا الحد أو ذاك وعلى وجود لغة مشتركة. ويرى المسيطر السابق فى ذلك وسيلة للحفاظ على نفوذ يسمح له بالتأثير على شئون العالم. بينما يرى المسود السابق فيه مدخلًا إلى أشكال مختلفة للتعاون ولنقل القدرات التقانية. وينجم عن ذلك، على نحو مفارق، أنه فى اللحظة التى تحدد فيها الاستقلالات حدودًا جديدة، لم يكن انتقال البشر على هذه الدرجة من الكثافة فى أى وقت مضى. فالأمل فى حياة أفضل يدفع جزءًا من الأهالى السابقين إلى الرحيل فى هجرة تسمى «هجرة العمل»، والتى تفضى فى أغلب الأحيان إلى إقامة نهائية. ويسهل من هذه الهجرة وجود هذه البنى المسماة بـ«البنى الجماعاتية»، والتى تجعل من المستعمر السابق أجنبيًا ذا وضعية ممتازة فى ما يصبح بالنسبة له متروبولًا بالفعل. فيمكن الحديث عن «مواطنة إمبراطورية» قائمة بعد انتهاء وجود الإمبراطورية نفسها. والحال أن الاحتياجات إلى اليد العاملة، وهى احتياجات مرتبطة بالنمو الاقتصادى السريع الذى عرفته الأعوام الثلاثون المجيدة، إنما تفسر إلى حد بعيد هذه الظاهرة من زاوية الطلب كما من زاوية العرض (توافر مهاجرين قادمين من أوروبا، وبخاصة من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال يقل تدريجيًا). أما خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؛ فإن قيودًا مهمة بشكل متزايد باطراد قد فُرضت على هذه الهجرة التى كانت مقصورة من الناحية النظرية على لم الشمل العائلى وعلى تدابير «تنظيمية». وهكذا فإن تعداد عام ١٩٧٥ فى فرنسا يحصى ٧١٠٠٠٠ جزائرى و٢٦٠٠٠٠ مغربى و١٣٩٠٠٠ تونسى، ناهيك عن أولئك الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية. وبحكم غياب إحصاء للزيجات المختلطة، فمن المستحيل تحديد الوزن الفعلى للسكان المسمين فى فرنسا. وفى بريطانيا العظمى؛ فإن تعداد عام ٢٠٠١، الذى يشتمل على بُعد يتمثل فى بيان الانتماء الدينى، إنما يشير إلى وجود ١.٦ مليون مسلم، يرجع أصل أغلبهم إلى الدول التى حلت محل إمبراطورية الهند البريطانية. أما الهجرة التركية إلى أوروبا فهى متأخرة أكثر ولا تتخذ بُعدًا ضخمًا إلا اعتبارًا من ستينيات القرن العشرين. وعندئذ تلعب ألمانيا دور المتروبول. وقد جرى فى عام ١٩٨٣ تعداد ١٥٥٢٠٠٠ تركى فى جمهورية ألمانيا الاتحادية و١٥٤٠٠٠ فى هولندا و١٤٤٠٠٠ فى فرنسا و٦٣٠٠٠ فى بلجيكا. وقد أدت ثورة عام ١٩٧٩ الإيرانية أيضًا إلى خلق دياسيورا مهمة فى مجمل أوروبا. 
وإلى أرقام هؤلاء القادمين من الشرق الأوسط أو من العالم الإسلامى، يجب أن نضيف الحصة المتزايدة لمسلمين قادمين من أفريقيا السوداء. وفى تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادى والعشرين، أصبحت إسبانيا وإيطاليا بدورهما أراضٍ للهجرة المسلمة. وهذا الانقلاب فى تدفقات الهجرة فى سياق نزع الاستعمار يسمح بتكثيف العلاقات البشرية بين أوروبا والعالم الإسلامى فى إطار الثورات الجديدة لوسائل النقل والمواصلات. 
وإذا كان المهاجرون الأوائل لم يطمحوا إلا إلى إقامة مؤقتة، فإن الاستقرار إنما يصبح مقيمًا. وقد اختلفت سيرورة «اكتساب الطابع المتروبولى» من بلد أوروبى إلى الآخر. تبعًا لحقائقها الواقعية الأنثروبولوجية. والحال أن الهجرة المسلمة إلى أوروبا قد تعلقت فى المقام الأول ببروليتاريين ريفيين وحضريين، حتى وإن كانوا جامعيين قد شاركوا فيها أيضًا، بشكل موازٍ وبشكل متزايد، وإذا كان الدافع الاقتصادى هو الدافع الأول، فقد تعلقت الهجرة أيضًا بجماعات مرفوضة بوصفها متواطئة مع الإمبريالية، وبأفراد سعوا إلى العثور فى أوروبا، على إمكانيات تحقيق إنجازات مهنية وشخصية من المستحيل تحقيقها فى المجتمع الأصلى. 
والحال أن «الجيل الأول» قد مكث بالأحرى فى سيرورة ابتعاد عن مجتمع الاستقبال، وذلك بحكم خارجيته وأسطورة العودة نفسهما. وتبدأ مشكلة التثاقف مع «الجيل الثانى» من خلال سيرورة تمايز اجتماعية، وتطور اقتصادى يميل إلى العمل على اختفاء الطبقة العاملة كنموذج مرجعى و«إضفاء طابع إثنى» على عدد معين من السلوكيات الاجتماعية. وفى سياق مصاعب اقتصادية مقيمة، أحيل أبناء المهاجرين إلى هوية أصلية كانوا مدعوين فى الوقت نفسه إلى الخروج منها. والحال أن التفرقات العديدة التى كانوا ضحايا لها إنما تحبسهم فى شراك هوياتية مخيفة. ويتمثل الخطر فى أن تظهر «طبقات إثنية» (الخلط بين التحديد الاجتماعى والتحديد الإثنى، بل الدينى). وسوف يتحقق الحل عبر قبول الهويات المتعددة فى داخل كل فرد (الأصل الإثنى والدينى والانتماء الإقليمى والقومى والأوروبى) وعبر النضال ضد التفرقات وعبر الصعود الاجتماعى (ظهور طبقة متوسطة من أصول مهاجرة). 
وللحديث بقية..