الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان من غياب الرؤية إلى تفكك التنظيم «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جماعة الإخوان المسلمين لا تمتلك مقومات البقاء وهي على مشارف المائة عام من عمرها، غير أن وجودها مرتبط بقدرة الآخرين على فهمها، وبمن يزعمون أنهم يتصدون لأفكارها، فإذا بهم يواجهون «التنظيم»، بينما أفكاره ما زالت حيّة بين الناس وقادرة على التجنيد، فكلما واجهوا فريقًا منهم ظهر فريق آخر أكثر صلابة وقوة ومنعة، صراعات لا تقضي على «الجماعة» وإنما كانت لها بمثابة عنصر قوة، نجحت الحركة في استثمار ما تعرضت له، فتعاطف معها عشرات الآلاف على مر التاريخ.
مواجهة «الإخوان» تركزت على أطرافها بينما تركت الفكرة حيّة في قلوب أصحابها ومريديها، وتم دعمها وأصحابها بين الوقت والآخر، ولعل ذلك أحد أهم الأسرار الكامنة وراء بقاء «التنظيم» طيلة العقود التسعة المنصرمة، واجهت الحكومات «التنظيم» ولم تنشغل مطلقًا بالفكرة ولم تسع لتفكيكها، حتى من حاول أن يفعل ذلك فشل في تحقيق مراده، ليس لقدسية الفكرة المؤسسة لهذه الحركة وإنما لغياب رؤية من يتصدون للمواجهة.
وقع الباحثون والمراقبون والسياسيون في الفهم الخاطئ لحركة الإخوان المسلمين، فهناك من فهمها على نحو صحيح، وكثير أخطأوا في إدراك ماهيتها، وبالتالي وقعنا في براثن المواجهة الخاطئة، يُضاف لذلك الأنظمة السياسية التي رأت في وجودهم أهمية، فتعاملت معهم سياسيًا واستخدمتهم في معاركها السياسية، وكان ذلك على مستوى أنظمة سياسية وحكومات عربية!
لم يكن الفهم الخاطئ من نصيب السياسيين فقط، وإنما ترجمت بعض أجهزة الأمن في فترات سابقة «الجماعة» بشكل خاطئ، فتارة تراها ملاكًا وتسمح لها بالتواجد والعمل، وتارة تراها شيطانًا فتصفها بأوصاف لها علاقة بالعنف، وتارة ثالثة تستخدمها كمعادل سياسي، وهذا جوهر المشكلة.
فشل كثير من المراقبين في توصيف حركة الإخوان المسلمين، فهناك من رأها دعوة سياسية، وهناك من وصفها بحركة دعوية، وتاهت «الجماعة» نفسها في وصف نفسها، ولعلها في النهاية نجحت في وصف نفسها بأنها حركة دعوية لا تفصل بين الدين والسياسة، ووسط ذلك نجحت في أن تصنع لنفسها رقمًا في المعادلة السياسية وأن تجعل الآخرين يتعاملون معها من هذا المنطلق، ووظفت الدين في مهمتها لذلك.
لم يقترب أحد من التعامل مع أفكار الإخوان أو لعل البعض اقترب ولم يكن صاحب تأثير في هذه المواجهة، ولذلك ظلّت «الجماعة» على تأثيرها وقوتها وبقائها، بينما اختار المختلفون معها أن يكونوا مجرد ظاهرة صوتية غاب عنها التأثير الحقيقي.
دولة الإمارات العربية المتحدة من أهم الدول التي نجحت في مواجهة حركة الإخوان، مواجهة ذات تأثير، يمكن أن نصف تبعتها بأنه لم يعد للتنظيم أي وجود على أراضي الإمارات السبع، وهنا تعاملت مع الأفكار المؤسسة للتنظيم، فقط كشفت النقاب عن هذه الأفكار وعن سلوك قادتها، ثم قدمت البديل الحقيقي في التنمية وأغلقت أي أبواب حتى لا يتسلل «الإخوان» ولا غيرهم إلى عقول النّاس، فكانت تجربتهم ملهمة ومشجعة ودليلا على حجيتها ومغريةً لاستنساخها.
نجحت الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع «الفكرة» بالصورة التي دفعت «التنظيم» في الإمارات إلا أن يُعلن عن حل نفسه بعدما تأكد المؤمنون بها من فساد الفكرة المؤسسة للتنظيم، وفي نفس الوقت قدمت الإمارات كدولة بديلًا أو أصلًا لما يحاول «التنظيم» أن يصل من خلاله للنّاس، فحملت على عاتقها عبء «الدعوة» و«الخير»، فكانت الدليل للناس في فهم إسلامهم فهمًا صحيحًا، كما أنها كانت وما زالت داعمًا حقيقيًا لمواطنيها وكل قاطن على أراضيها، فهزمت المجتمعات البديلة التي كانت تخلقها هذه التنظيمات، فتجند العشرات والمئات والآلاف بسهولة شديدة.
تعيش حركة الإخوان المسلمين ارتباكًا شديدًا في المنطقة العربية بسبب ما حدث لها في مصر، ولكنه يبقى ارتباكًا بسبب صعودها للحكم في مصر ثم ثورة النّاس عليها، ولكن ما زالت الفكرة حيّة ومؤثرة وإن خفت بريقها بسبب ضعف المؤسسات المعنية بمواجهتها وتفكيكها بدءًا من المؤسسة الدينية وانتهاءً بالمؤسسة الثقافية ومرورًا بالمؤسسة التعليمية، وهنا تبقى الخطورة ممثلة في الأفكار بعدما اختارت بعض الأنظمة العربية مواجهة «التنظيم» مواجهة أمنية وعسكرية فقط.
تفكك «التنظيم» مرتبط بتفكك الفكرة في الأساس، ومخطئ من يتصور أن ذلك مرتبط بالمواجهة الأمنية والعسكرية التي تُعتبر مجرد حلقة فقط في مسلسل المواجهة، ولذلك لا يمكن اعتبار غياب رؤية التنظيم دليلًا على المواجهة الحقيقية ولا نجاحها، فالأهم في مواجهة الأفكار أن نقطع فيها أشواطًا كبيرة إذا أردنا مواجهة حقيقية للتنظيم العجوز.