الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سامى عياد يكتب: نقد الترانيم

القس سامى عياد
القس سامى عياد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نقد الترانيم، فى الحقيقة يشبه المشى على الشوك. ولما لا، فالترانيم الجزء الأساسى فى العبادة المسيحية، التى تحولت مع الزمن إلى نواميس وشرائع، كل من يقترب إليها بالنقد أو التحليل كأنما اقترب من نقد الذات الإلهية. 
ينشغل قلبى وفكرى من سنوات بتقديم نقد (يعنى تحليل) لاهوتى للعبادة المسيحية، وبالأخص الترانيم. شاركت إرهاصاتى الأولى فى هذا الأمر مع صديقى العبقرى، هانى رومانى، فكان رد فعله عبقريا بحجم عبقريته. قال لى، فى ظهورنا الأول فى برنامجٍ كهذا، نقوم بنقد ترانيمى أنا أولًا. 
مشروعٌ كبيرٌ ومعقدٌ يحتاج، كباقى المشاريع اللاهوتية الكبيرة المؤجلة فى حياتى لوقتٍ وإعدادٍ ومغامرةٍ، لا تخلو من خسائر...لا يهم، اعتدتُ الخسائر، التى لا أراها سوى مكاسبٍ تفوق كل ثمن...«بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَىءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّى، الَّذِى مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَى أَرْبَحَ الْمَسِيحَ» (فى٣: ٨).
دعونى هنا أقدمُ بعض الشذرات التى لا أستطيع الانتظار دون أن أشارك بها. 
يصنفُ أغلب علماء النفس قاطنى حوض البحر الأبيض المتوسط بأنهم شعب عاطفى. ليست هذه سُبةٌ والعياذ بالله، فأنا أيضًا أحدُ هؤلاء العاطفيين الذين تُدَغْدِغُ مشاعرَهم الموسيقى، الشرقية منها على وجه الخصوص. هذا يجعلنا لا نفكر كثيرًا فى كلمات ما نترنمُ به. بل إن الترانيم التى تهز أوتار قلوبنا هى التى تتلامس ألحانها مع شرقيتنا مهما كانت كلماتُها، صحيحة لاهوتيًا وكتابيًا أم خاطئة، عذبة تراكيبها الأدبية أم ركيكة.
فى هذا السياق، اختلط علينا مفهوم «التعزية». فالتعزيةُ عند كثيرين هى أن تُحَرِكُ الألحانُ مشاعرى بنشوةٍ عاطفيةٍ عاليةٍ تغيبُنى عن واقعى، أحزانى، ومشاكلى. مع تأكدى، أن كل شىء فى حياتى باقٍٍ كما هو. المهم أن مشاعرى خُدِرت (من كلمة المخدرات)...كلنا ندين كارل ماركس بشراسة لقوله إن «الدين أفيون الشعوب»، إنما ما قاله حقيقة سبقت الزمن نحتاج أن نتوقف أمامها كثيرًا. 
لم يَعدْ اللهُ فى كتابه أن يرفع من أمامى الجبال. وبالبرغمِ من أنَّ كلماتِ الترنيمة مميزةٌ جدًا، إلا أن المُرَنِمُ الجميلُ، الذى لا أعرف من هو، ربما صديقى الفذ ماهر فايز، بدأ الترنيمة بكلماتٍ رائعة، «بإيمانى هأشوف الخير فى ظروفى حتى الصعبة، غنى يا نفسى للقدير، بأعلن إيمانى شايف إلهى ليه السلطان... إلا أن جملة «من أمامى ينقل جبالى» لا أجد لها سندًا لاهوتيًا أو كتابيًا... وربما يسير بعضُ الناس وراء اللاهوت الشعبى الذى لا يخلو من خرافات أن سمعان الخراز نقل جبل المقطم». 
فى كثيرٍ من المواقعِ فى الكتاب المقدس، يتحدث الروح القدس عن أن الله يمشينا على مرتفعاتنا. وليس أروع مثلًا فى ذلك من اختبار «حبقوق» الذى أعلن بوضوحٍ، «اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِى، وَيَجْعَلُ قَدَمَى كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِى عَلَى مُرْتَفَعَاتِى» (حب 3: 19). 
جوهر حياتنا مع الله يُبنى على أساس العلاقة بشخصه، وليس بما يفعل، على إيماننا به وليس على أن تكون الظروف مواتية، على معيته لنا فى رحلة الحياة خطوة بخطوة فى الضيق والرحب، وليس على أن يستخدم سلطانه بطريقة سحرية لينقل الجبال ويزيل الآلام والصعوبات ونظل نحن فى «الأنتخة».
وَعَدَ اللهُ أنْ يُغَيِرَنَا لنرى العالم بعينيه وبصيرته.
ساعتها فقط، يمكننا أنْ نُغَيِرَ العالمَ بقوته وسلطانه.