الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في البحر سمكة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن أطفالنا قد شبّوا عن الطوق سريعًا، فهم في زمن سريع الإيقاع غريب الرؤى، فلم يعد الطفل المتخيل الذي كان يردد اللا معقول مقتنعًا بأن في الشجرة بقرة (يا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة، تحلب وتسقيني بالمعلقة الصيني)، ولم يكن هو الذي يعرف ويقتنع بتطور الأحداث واختلاف ما يراها أن في البحر سمكة، لنعرفه أن في البحر أسماكًا، لكن تعددت المعارف من فوق الأرض ليصعد بعقله في الفضاء ويصول ويجول عبر ألعاب إلكترونية، ومشاهد فيديوهات أخذته من عالم اللعب والأغاني إلى البحث والتحدي في عالم افتراضي يلعب معه، متكئًا على جانبه تاركًا حركة جسده تحرك في النشاط والتخيل الجماعي، فقد أصبح الطفل منعزلًا عن عالمه وأصبح ما يمسكه في يديه من تليفون في سن ثلاث سنوات جعله يرتبط به ويحتضنه احتضانًا فقد تبرمج ببرامجه وتشرنق بالشبكة العنكبوتية، فضاعت مواهبه وأصبح مستقبلًا طوال الوقت، فقديمًا كان الطفل يؤلف ويرسم ويتخيل، فوُلد المبدع والمثقف والفنان.
فلم تعد حكايات قبل النوم مُقنعة، ولم تعد مسلِّية؛ ليس لأنها حكاية قديمة تُحكى، لكن الحكايات المصورة احتلت مكانها، وأصبحت حكايات مجانية جاهزة، فانصرفت الأم عنها وودعتها في مثواها الأخير، فصرفت ابنها إلى الخوض في غمار ما يروق له وباتت هي في راحة وسكينة.
فماذا نجني من ثمار؟! غير قوالب جاهزة وعقول لا تعرف القيم من احترام الكبير لا نتعجب! فكل ما يشاهده أو شاهده صغيرًا من مشاهد عنف وعدم رحمة، جعله يخرج تصرفات في صورة تفصح عما تعلَّمه، فكل ما نراه في الشارع من تصرفاتٍ نضرب لها الكفوف تعجبًا مما صار من تغيير في المجتمع المصري، فهذا العقل المجمعي الذي تحول إلى التكنولوجيا أخذ منها مظاهرها فقط، ففي الغرب قد أدركوا قيمة هذا الخطر، فحدددت كل أسرة يومًا تصطحب فيه أولادها إلى الجمعيات الأهلية ودُور رعاية المسنّين؛ ليبثوا فيهم احترام الكبير ومساعدة المرضى وغير ذلك مما فُقد في الحياة اليومية، فقد نهضوا إلى سماع الحكايات من الكبار فعلت قيمة الانتماء للوطن، فما من صغير إلا ويعرف أبطاله وخرائط وطنه من التضاريسية والحربية والقومية، وما زلنا نحن نردد أغانيهم القديمة قبل ثورتهم عليها.
ومن ثم راح الطفل المصري ضحية أغانٍ شعبية ليس بها لون وطعم ولا رائحة، وما يعرف عن حرب أكتوبر سوى حي 6 أكتوبر، وما يعرف أبطالنا القوميين سوى محمد رمضان الذي يلعب بالسنجة وكيفية استخدامها في غيبة من الإعلام الذي يعلّب الأغاني والأفلام الجاهزة دون مجاهدة لصنع أفلام كرتونية عن أبطالنا القوميين وتاريخنا الفرعوني رائج الصيت والشهرة، فالغرب يعرف عنا أكثر ما يعرف الطفل عن تاريخه وقوميته.