الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"خمسونية المرأة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحث الخطى المعلمة خديجة الجهمى وتجهر بصوتها منادية «حيا على حقوقهن فى التعليم، ومُكنة العمل، نداءات إصلاحية مبكرة أطلقتها قياسا بالزمن وبسياق حياة أهل البلاد، وهى التلميذة المخلصة لمعلمتها حميدة العنيزي، بلد تلاحق على قرنه العشرين استعمار إيطالى، ثم إدارة استعمارية إنجليزية فرنسية، دولة تركة الفقر والجوع والمرض، فنهض العاملون عليها من الآباء المؤسسين المطالبين باستقلال البلاد ووحدتها، لسانهم الفاتق الناطق لسان حال خديجة، إذ ترفع صوتها فى مواجهة السفير البريطانى «أن غادر وطني»، خديجة ستطلق صوتها عبر الأثير من بنغازى ثم من طرابلس آخر الخمسينيات، تشع بـبرنامجها «أضواء على المجتمع»، الإصلاحية المجتمعية وبمصطلحات يومنا الناشطة الحقوقية، الاجتماعية، صوتها به نبرة مفعمة بالحلم والأمل بالمستقبل، صوتها بلسم لكل جراح شاكٍ «مظلومة ومظلوم»، فكلماتها لم تكن تخرج للنساء فقط كلماتها تخرج لمكونى أى مجتمع، الرجال والنساء لذلك أينما توجهت فى مشروعها التنموى المجتمعى سنرى من يعترف ويدين لها بالفضل من رجال ونساء الوطن.
وكلنا سندين لها كجيل بما سجلته فى تاريخ الصحافة الليبية وقبلها فاعليتها فى مجاورة لما يحصل فى جغرافيا قريبة وبعيدة عنا من خطوات تشرع فى تمكين النساء بدءًا من محو أميتهن إلى ولوج معبر الممارسة الديمقراطية من باب حق الاقتراع لهن (1964) بموازاة النضال النسوى عالميًا، ستؤسس خديجة لصحافة المرأة بمجلتها، بعد مشوار عقد من الزمن قضينه ناهضات الوطن فى صفحات الجرائد والمجلات، ستقود فريقا لأجل مشروعها مجلة «المرأة» 1965 م، تلميذاتها تعهدتهن بالتدريب والإعداد، مخرجات، مراسلات، كاتبات، مصورات، شهادات من قابلتُهن لاحقا لأجل التوثيق وحتى لا يخرج أبناؤنا جاهلين أو منكرين لحق المؤصلات المُؤسسات، منهن الصحفية والمصورة والمخرجة، تحدثن لى عن قائدة فريق حملت على عاتقها أن تكون القدوة التزاما، ومسئولية، وانشغالا برسم خارطة عمل بمدى قصير وطويل، ستنضم إلى الكتابة بالمجلة من تولين رئاسة صفحات المرأة بجرائد معروفة كشريفة القيادى ومرضية النعاس، كانت جلساتها ونقاشاتها معهن فيها من التواضع والود، والشدة والحزم، وتحميلهن رسالة المهنية الأخلاقية من خلال واقع وأجواء العمل، وفى ذلك حكايات موثقة كما مواقفها معهن كموظفات لتؤسس للحقوق المهنية فى المجال، وهن من يشهدن أن أعداد المجلة توالت بانتظام سنوات رئاستها وإدارتها فى مناخ مشجع، ما سيشهد عقبها تراجعًا فى محتواها، كما وعدم انتظام فى صدورها بل وانقطاعها لمرات لاحقًا. وقد ظهر حتى الآن كتابان يؤرخان ويكرمان هذه المرأة التاريخ.
خديجة المعلمة، الاذاعية، الصحفية، المصلحة النشطة مجتمعيًا، الشاعرة (الغنائية المتفردة كامرأة فى تاريخ كُتاب كلمات الأغانى الليبية) فى سيرتها نضال حياة طفولة وشبابا، خديجة المناضلة واجهت عقبات شداد حين لم يكن متيسر لها قروش تسد حاجتها وثوب غير ما ترتديه، ستعيش فى واقع حرب عالمية ثانية تخيط من مظلات طيران ثوب شتاء قارس للمحتاجين، وستخرج بحثا عن والدها إذ طال غيابه بمصر أربعينيات الحرب العالمية الثانية وقد ارتحلت وحيدة متلبسة مظهر امرأة عجوز، ومن سيارة ركاب إلى أخرى إلى أن وصلت الإسكندرية، وقادها حسها وذاكرتها المستعيدة لمشهد طفولتها حين كانت تتردد على مطبعة والدها وتسمع حديث رفاقه من المثقفين، ومنهم أحمد رفيق المهدوى الشاعر الليبي، فذهبت تسأل عن الشاعر بيرم التونسى، وبالفعل حالفها الحظ واستضافها مرحبا ببيته، وأبرزت خديجة موهبتها فى أشغال اليد، فخاطت فساتين جميلة لبناته الأربع وقد صرن صويحباتها، ستكون زيجتها من معلم مصرى، وستفقد توءمها فى حملها الوحيد، وحين تفتح البلاد عينها على الاستقلال مفتتح الخمسينيات وأول الخطو للدولة والكيان الوطنى ستكون المرأة الصادحة بما هو «العورة»، وما من واقع وقتها يناصرها من تجاوزت المألوف، لكنها نحتت فى صخر الظروف وآمنت بأن عليها أن تفعل ما تستطيع ولو صفقت بيد واحدة!، وأن تساند الفاعلين وتأخذ موقعها بينهم، وقد اعتبرتهم صنوها فى حلم صنع تاريخ البلاد بصفحته الجديدة.