السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

إبداعات.. كواليس المشهد الأخير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاب أنا لم أتجاوز ربيعى العشرين وبضع سنوات تزيد، لم يعد يهمنى لم أنا هنا، لن أزايد فى الأسئلة والاستفسارات، أنا فقط لا أريد الموت هنا، ثقل اللسان من كثر تكرار «أنا بريء» لا يهم الآن ماهية جرمى وكنهه، أنا فقط أريد الحرية، أنا المنسي؛ والمصير مؤجل لأجل غير معلوم
الموتى الأحياء، كنت فى صغرى أخشاهم، لأننى كنت أظنهم حقائق، لم يبدر بذهنى حينها أنهم خيالات، عندما كبرت قليلا أدركت أن أفكارى لم تكن جميعها خاطئة، إنهم خيالات واقعية، مبعثرة فى حياتنا لكن جذورها ممتدة من جيل لآخر.
أنا وأنت، وجميعنا، الآن نحن هنا، الغد لا أحد يدرى، هذا بات مصير الجميع، الموت لم يعد أكبر أعدائنا، بل بات المنقذ للكثيرين، أنا من تسلل الموت لى خلسة، أنا من صرخت بوجهه مزمجرا لا أخشاك فقد رأيت من الهول ما يفتك بالقلب مرارًا ومازلت صامدا، أنا المعتقل.
لا ترمقنى بنظرة استهجان، لا تصدقنى إن أخبرتك أننى برىء، أنا لا أعترف بالدلائل والإثباتات، أنا لن أعترف بأوراق وحبر وأنسى دموع أمى المنسكبة الحارقة، إنها خير دليل أننى لم أذنب!
شاب أنا لم أتجاوز ربيعى العشرين وبضع سنوات تزيد، لم يعد يهمنى لم أنا هنا، لن أزايد فى الأسئلة والاستفسارات، أنا فقط لا أريد الموت هنا، ثقل اللسان من كثر تكرار «أنا بريء» لا يهم الآن ماهية جرمى وكنهه، أنا فقط أريد الحرية، أنا المنسي؛ والمصير مؤجل لأجل غير معلوم، لأبقى يوما بعد يوم رهن جملة «يؤجل النطق بالحكم للجلسة القادمة» فهل عساى أحيا حتى تلك الجلسة المجهولة تحت هذا السقف اللعين!
اسمي؛ لا شأن لك باسمى الافتراضى الذى يتردد على الألسنة، أنا جميعهم، أنا فتاة جُردت من حجابها، ولُطمت وجنتيها، وانتزعت من أحضان العائلة وكنفها وكأننى السبية، لألقى الهوان الذى سيلجم لسانى للأبد!
أنا قلم خان صاحبه. الكاميرا التى أودت صاحبها للهلاك، الموت فى ثوبه الجديد، صرخة أم لمُصاب وليدها. دمعة تثور وتصطفق شرارها فى عين أب. جرح دام فى قلب زوجة من فُقد. حسرة وبكاء طفل على والد حُرم منه، والخبر عنه انقطع، أتعرفني؟؟ أنا أنت فى عالم موازٍ، لا أحد يسلم هنا، حتى وإن جلس بمنزله لا يفعل شيئًا، ادع لنفسك وللآخرين أن تنجو وحسب.
ذاك المفقود أنا، سنوات عمر تمر كالعلقم بل أمر، إنها سم فى فم الثعبان يقذفونها رغم عنك فى فيك، مرتاحى الضمير كأنهم أطعموك الشهد؛ إنه السم الذى لا مصل له، إنه الموت القريب، لكننى أقسم لكم أننى حاربت حتى لا أنهزم، حتى أرى النور من جديد، بيد أن البشرية أظلمت، أظلمت حينما لم تعترف بظلمنا، ولم تتكبد عناء الحفاظ على حقنا فى الحياة!
جدران لعينة اعتدت أن أمقتها، كيف لأربع جدران دونية أن تمنعنى عن الحياة، إنها تسلبنى كل شيء، يقذفون لى بعض الفتات الذى لا يُستساغ، تقاسمنى إياه بعض الجرذان، والحشرات التى أصبحت أصدقائى الوحيدين، المرض يفتك بي، أعضائى تموت تباعًا، أشعر بأننى سأنتهى وكأن كل الأشياء تتسابق أيها سيقتلك أولاً، بطريقة أسرع وجهد أقل!
يا أمي؛ لم يعد للحياة ذاك المذاق القديم، هذه الجدران الأربع اللعينة تلعب دور القبضة التى تعتصرنى كحفنة من الرمال، وهم يضغطون بقوة، لكن ما إن يجيء القضاء وتتخلى قبضتهم عن الرمال، لن يستطيعوا حينها قهر روحي، لأن روحى باختصار يا أمى هلكت مذ وطأت قدماى هذا المكان وظلت تحتضر وتحتضر حتى فارقتنى وتركتنى أبكيها عبثًا!
بالله لا تبكين يا روحي، أمى لا أريد أن تزورينى من جديد، أخشى عليكِ أن ترينى وقد خارت قواى وجفت روحى فيصيبكِ الغم، أمي! لعلكِ أقرب منى إلى الله! سلى الخلاص لي.
حبيبتي! سأراكِ فى وهمي، فرقتنا الأمنيات، لا أجد لصرخة روحى صدرًا يجفف عن شحوبها الذكريات، عزيزتى أنا متعب حقًا، وجرحى تفتقه الجهات، توقفى عن خديعة الأمل فى الحرية، نفتش عن زمن المجيء لكن هذا كله هباء!
ما عاد فى عينى دموع، توقفت عن عدّ الأيام التى أقضيها هنا، امتلأت جدرانى ولا يسعها المزيد، لكن جدران صحيفتى الجنائية مازالت تتسع للمزيد والمزيد!
الأرض توجعني، حتى الضجيج لدى حواسى غائب، لا صوت لى الآن، فجيعتى يزداد سوءها، أنين الليل يحفر بى ألف انكسار وانكسار، هذا الصبر انطفأت قناديله، لكننى مازلت لا أريد الموت هنا!
لا شيء يسترنى لأصنع منه ثوب الصبر سوى دموع روحى الحيرى ودعاء أمى بألا أفارق الدنيا قبل أن أحتضنها!
أسمع صوته يقترب، أتلمس رائحته فى كل دقيقة، الموت يحوم حولي، لا أدرى أيهما أسرع فتكًا بي، المرض أم السجن اللعين! لا تجعلونى طارئًا سهل العبور، اذكروني، لقد أفلتت الحياة يدى فى منتصف الطريق.. ألازلت لا تعرفني؟؟!
نص- دنيا سمحى