الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"دي سيلفا vs السيسي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
احلم معي عزيزي القارئ، تخيّل أننا في عام ٢٠٢٢ وأن السيسي هو رئيس مصر الذي أشرفت ولايته الرئاسية الثانية على الانتهاء، واستطاع خلال تلك السنوات الثمانية أن ينهض بمصر لتتحول إلى دولة زراعية صناعية تنعم برفاهية الديمقراطية السياسية، استطاع أن يرتقي بجودة التعليم الأساسي والجامعي والفني، والنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، لتتحول مصر من دولة عاجزة اقتصاديا إلى دولة واعدة بشكل كبير، "يعني من الآخر كل اللي بنحلم بيه عمله"، ولكن...
وآه منها تلك الكلمة التي تقطع الأحلام بما لا نشتهيه أبدا، لقد جاء الوقت الذي على السيسي الآن أن يسلّم فيه السلطة إلى خليفة له، في تداول للسلطة بشكل ديمقراطي ووفقا للدستور من خلال انتخابات رئاسية، والشعب لا يريد رحيله فهو المنقذ والرجل الذي وضع مصر على خريطة العالم، ليكون للمصريين مثل هوجو شافيز للفنزويليين، وأصبح المأزق إما أن يتم إدخال تعديلات دستورية على المادة المتعلقة بالترشّح للرئاسة وإما الرحيل.
التاريخ لم يذكر لنا وجود ما يسمى بالمستبد العادل، كل من حكموا من ذوي الخلفيات العسكرية كانوا مستبدين بالحكم، ووطنيين في نفس الوقت، الديكتاتورية لم تنف أبدا وطنية حكامها، والتاريخ مليء بأمثال هؤلاء في كل الممالك والدول والإمبراطوريات، بداية من الملك مينا موحّد القطرين، مرورا بالإمبراطوريات الفارسية والرومانية والإسلامية، نهاية بجمال عبد الناصر وفيدل كاسترو وأخيرا هوجو شافيز.
قد يتكرر سيناريو الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز في مصر، وقد يتكرر سيناريو الرئيس البرازيلي "لولا دي سيلفا"، ولكن هذه المرة سيكون باسم الفريق عبد الفتاح السيسي، وعليه أن يختار أن يكون وحدا منهما.
"شافيز" غيّر في دستور بلاده ليبقى في الحكم بدلا من مدتين ليتركها مفتوحة، واستمر في الحكم أربع فترات رئاسية، ليحكم شافيز قرابة ١٤ عاما منذ عام ١٩٩٩ حتى فارق الحياة في مارس ٢٠١٣، استبد فيها شافيز بالحكم برضا شعبه الكامل، أما الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا - والذي نهض بالبرازيل واستطاع أن يحقق خلال ثماني سنوات ما لم يحققه سابقوه - أعلن خلال فترة رئاسته لشعبه وبشفافية تامة كل ما يخص البرازيل وخططها ومواردها، فكسب ثقتهم ونجح في تسديد ديون البرازيل لدى صندوق النقد الدولي قبل عامين من الموعد المحدّد للتسديد، وبذل قصارى جهده لتحرير البرازيل من وطأة الديون الخارجية، حتى حرّرها تماما من ديونها كلها، وخلال ولايته الثانية استطاع أن ينتشل أكثر من عشرين مليون برازيلي من مخالب البطالة، بعدما أطلق برامج "تسريع النموّ" متحدّياً العقبات الروتينية التي كانت تقف في وجه المشروعات الاستثمارية، وسعى إلى الموائمة بين القطاعين العام والخاص، فدمجهما في سياسة الشراكة، حتى صار "دي سيلفا" رائدا للنهضة في البرازيل، ورمزا عالميا للفقراء، وليحجز دي سيلفا لنفسه مكانة مرموقة بين زعماء العالم، فكان ضمن قائمة الخمسين الأكثر نفوذا في العالم، وعندما انتهت مدة رئاسته رفض أن يعدل في الدستور، بالرغم من رفض 80 % من شعب البرازيل رحيله عن الحكم، رفض "دي سيلفا" تعديل الدستور قائلا إن "البرازيل أهم مني"، ليرسي مبدأ ديمقراطيّاً رغم الجموع المطالبة ببقائه، وبعد انتهاء مدة رئاسته وقف "لولا دي سيلفا" ليستدين المال من أصدقائه بعد مغادرته للقصر الرئاسي بأشهر، وراح يبحث عن من يسلّفه ليرمّم منزله الريفي، يكفي أنه بكى بحرقة في اليوم الذي غادر فيه القصر الجمهوري، ليس حسرة على مقعده الرئاسي، ولكن تأثرا بالمحبة التي غمرته بها الجماهير البرازيلية، والتي خرجت في ذلك اليوم عن بكرة أبيها للتعبير عن تمسكها به، والمطالبة بتجديد ولايته وبقائه في السلطة حتى لو تطلب الأمر تعديل مواد الدستور، فرفض "دي سيلفا" رفضا قاطعا، وودّعهم بالدموع مكتفيا بما قدمه لهم من إنجازات باهرة، وديمقراطية صحيحة انتزعها من قبضة الحاكم العسكري الظالم، فصارت البرازيل على يده دولة ديمقراطية قوية، بعد أن كانت دولة بوليسية ضعيفة، وأصبح كرسي الرئاسة الآن متاحا لكل برازيلي يجد في نفسه القدرة والكفاءة ليتبوأ المنصب بجدارة واستحقاق عن طريق صناديق الاقتراع.
شافيز والسيسي يتشابهان في كثير من النواحي، فكلاهما ذو خلفية عسكرية، وكلاهما جاء بعد انقلاب على حكم مستبد فاسد - مع فارق المسمّيات - كلاهما استطاع أن يعبر بشعبه من مرحلة الفقر إلى مرحلة النهوض والتقدم والاكتفاء الذاتي، كلاهما اكتسب حبّ شعبه دون منافس، في حين أن أوجه الشبه بين السيسي و"دي سيلفا" تكاد تكون منعدمة، إلا فيما يخصّ أوضاع بلد كل منهما المتدهورة سياسيا واقتصاديا، فالأول ذو خلفية عسكرية منذ التحاقه بالقوات المسلحة وهو شاب صغير، أما الثاني فهو حاكم مدني ذاق الأمرّين في العمل النقابي العمالي طيلة حياته، أما الثلاثة: شافيز والسيسي ودي سيلفا، فيتشاركون في قدرتهم على العمل على انتشال بلادهم من الفقر، وكسب ثقة وحب شعوبهم لهم، ليبقى السؤال... 
أيختار السيسي أن يكرر تجربة شافيز الذي غيّر في دستور بلاده ليستبد بالحكم نزولا على رغبة شعبه؟َ، أم يتحدّى إغراءات الكرسي والسلطة ويكون "دي سيلفا" المصري وتصبح مصر هي الأهم؟!.