السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

هنريك إبسن.. من بيت الدمية إلى بيرجنت

مسرحيات أبسن
مسرحيات "أبسن"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وصف النقّاد كل مسرحيات "أبسن"، بالقنبلة الموقوتة، فكل منها تفجّر قضية ما وتثير ردود فعل عنيفة، فقد اختار إبسن "تمزيق الأقنعة" كلها وكشف الزيف الاجتماعي داعيًا إلى الاعتدال والوسطية بعيدًا عن التطرف.
انتزع إبسن هذه المكانة بإخلاصه لإبداعه وابتكاره طريقه الخاص بالمسرح وعدم اكتفائه بالسير وراء مَن سبقوه وسعيه عبر مسرحياته لكشف الزيف والنفاق والعلاقات المريضة فى المجتمعات المختلفة.
أكد إبسن أنه يكتب مسرحياته ليطرح أسئلة وليس ليجيب عليها وقال عن نفسه: لقد كنت أكثر كشاعر وأقل كفيلسوف اجتماعى مما يظن الناس، ولد هنريك يوهان إبسن الذي تمر اليوم ذكرى وفاته فى 20 مارس 1828 ومات فى 23 مايو 1906 وترك 26 مسرحية.
تميز إبسن منذ صغره برهافة الحس ورفض الخضوع لما يكرهه، واهتم بالأدب، وكتب الشعر فى عام 1850، وكتب أولى مسرحياته (كاتالينا) وكانت مختلفة عما شاع بعصره، حيث كانت المسرحيات السائدة حينئذ تنتمى للميلودراما التى تقوم على التأثير على عواطف المشاهدين بالمبالغات البعيدة تمامًا عن الواقع، بعكس مسرحيته المعبرة بصدق عن الواقع بتناقضاته، ثم بدأت شهرته مع مسرحيته الثانية (عربة المحارب).
وفي عام 1879 عرضت مسرحية بيت الدمية والتي أثارت غضب المشاهدين فرموا الممثلين بالطماطم، معتبرين المسرحية إهانة تمس مكانة المرأة، وتهدد الطمأنينة العائلية إذ ترفض "نورا" الزوجة قليلة الخبرة أن تحيا حياة زائفة مع زوجها المثقف وتكتشف أنه لا يكنّ لها احترامًا حقيقيًّا ولا يؤمن بحقها في أن تفكر أو تتخذ أي قرار.
فنجد إبسن وقد مزق القناع عن حياة زوجية عاشت فيها الزوجة كاللعبة في البيت أكثر منها شريكة لزوجها الذي لم تدخر أي جهد لتسعده، في حين يتعامل معها هو كالدمية التي لا تفهم شيئًا، لتكتشف "نورا" خديعتها في زوجها وتجد أن ما كانت تعتبره سعادة كان وهمًا.
ونظرًا للجدل الذي أثارته المسرحية فقد استغلتها الحركات النسائية المتطرفة في العصر الحديث أسوأ استغلال في تفسير المسرحية بعيدًا عن مقاصد إبسن الحقيقية، ولمّا قوبلت هذه المسرحية، ولا سيما في ألمانيا، بعاصفة من الاحتجاج، اضطر "إبسن" أن يضع لها خاتمة؛ إرضاء للجمهور، ولا تزال المسرحية حتى اليوم تثير جدلًا بين النقاد المحدثين.
ورغم أن "إبسن" من أبرز الكتاب العالميين في ظهور الاتجاه الواقعي، فإنه أبدع مسرحيات تتسم بخيال خارق، فمسرحية "بيرجنت"، التي كتبها قبل مجيئه بعامين إلى القاهرة لحضور حفل افتتاح قناة السويس؛ تلبية لدعوة الخديوي إسماعيل، ينسج فيها أروع ألوان الخيال حيث يتتبع مسار بطله وهو فتى ريفي فقير ولكنه يملك خيالًا أسطوريًّا لاحدود له، يتضح عندما يروى على والدته مغامرات خيالية، كما يحلم بأن يكون امبراطورًا على العالم.
يقع البطل في غرام سولفيج، وفي الوقت نفسه يعشق أخريات أعطين أنفسهن للجن، لذلك يرفض بيرجنت أن ينتمي إلى عالم الجن المشوه من الإنسان، فيهرب إلى عالم آخر حيث يهجر حبيبته سولفيج ويسافر متنقلًا من بلد إلى آخر؛ في محاولة ليخلق عالمًا خاصًّا به، وأثناء مغامراته وسفرياته لا يختار بيرجنت إلا نفسه، وأثناء تنقله في بلدان العالم بحثًا عن ذاته يصل إلى القاهرة الكبرى ويقف أمام أبو الهول يسأله (من أنا؟)؛ في محاولة لمعرفة ذاته وهويته.
ويسافر ثانية ليعود إلى وطنه النرويج وأثناء ذلك يعانى كثيرًا، إلى أن يعثر على ذاته أخيرًا تحقيقًا لمقولة أبو الهول (اختر نفسك) فعثر بيرجنت ثانية على حبيبته سولفيج وبها يجد ذاته ويعثر على نفسه ويلملم أشلاءه، حيث ينتصر الحب في النهاية.