الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فوانيس بلمبة وشمعة.. ركود في الإقبال.. 10% زيادة عن 2017.. الأسعار تبدأ من 15 جنيهًا.. الموضة "خشب".. والزينة صور محمد صلاح

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الفانوس».. ككل حكايات المصريين، لها جذور تضرب فى عمق التاريخ، صفحاتها الأولى تختلط ما بين الحقيقة والأسطورة، ولكنها عَاشت وستَظل باقية لتكون الوجه المُبهج لذكريات شهر رمضان. يحمل كل مصرى «ذكرى خاصة» ترتبط بالفانوس الأول الذى حمله بين يديه مارًا فى الشوارع والأزقة أو بين العمارات الضخمة. ورغم تَعرض الفانوس فى الآونة الأخيرة، لخطر الاستيراد خاصة من الصين، الذى أفقده جوهره وروحه، لكن كان قرار وقف استيراده من الخارج بردًا وسلامًا على أولئك الذين توارثوا المهنة جيلا بعد جيل، وعلى ملايين المصريين والعرب، بعودة الروح للفانوس. لا توجد رواية حول طريقة ظهور الفانوس، لكن الفاطميين هم أول من أدخلوه إلى مصر، ذلك على الرغم من وجود عدة روايات تاريخية حول ظهور الفانوس فى مصر، أولها أن الخليفة الفاطمى المعزلدين الله الفاطمي، كان يخرج ليلة استطلاع هلال رمضان يحمل فانوسًا ومعه حاشيته يحملون أيضًا فوانيس، وكان الأطفال والعامة يتجمعون حوله، وأنه من هنا أخذ الفانوس طريقه إلى الانتشار، بحسب الدكتور رأفت النبراوى أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الآثار الأسبق. ويقول، إن الفانوس ظهر لأول مرة فى العصر الفاطمي، وأن رمضان عام 358 هجرية، كان البداية الحقيقية، كما ذكرت المخطوطات والوثائق التاريخية.



صراع المحلى والمستورد فى «تحت الربع»
البداية كانت من شارع «تحت الربع»، أهم شوارع حى الدرب الأحمر بمنطقة وسط البلد التاريخية، والأشهر فى صناعة وتجارة فانوس رمضان فى مصر.
بين فوانيس من الصاج وأخرى من الخشب وثالثة من الرخام، بالإضافة لكميات قليلة من الفانوس الصيني، جميعها؛ تملأ الورش والمحال من الداخل وتصطف خارجها فى أشكال تخطف أعين الزائرين فى انبهار، لتُعلن عن قدوم شهر رمضان وواحد من أهم طقوسه المصرية المتوارثة عبر مئات السنين وهو «الفانوس».
«الخامات غليت والأسعار غليت معاها».. بدأ بها هانى أبوالعدل، صاحب أحد محال بيع الفانوس، موضحًا أن هُناك ارتفاعًا فى أسعار الفانوس عن السنة الماضية، بنسبة لا تقل عن ١٠٪ نتيجة لارتفاع أسعار الخامات المُستخدمة فى الصناعة؛ الزجاج والصفيح ومادة اللحام.
وأضاف أبوالعدل، أن أسعار الفانوس تبدأ من ١٥ جنيها، للفانوس أبوشمعة، وحتى ٤ آلاف جنيه للفانوس المصنوع من الصفيح والزجاج، بطول ٤ أمتار، مُشيرًا إلى ركود فى عملية البيع للعام الحالى عن السنوات الماضية بسبب الارتفاع البسيط فى الأسعار وضيق يد حال العديد من الأُسر المصرية.
«أبوالعدل» يعمل فى مهنة؛ صناعة وبيع الفوانيس أبًا عن جد. يقول: «مُعظم المحلات لها ورش تصنيع، حيث نبدأ العمل فى تصنيع الفوانيس بعد عيد الأضحى مباشرة، لمدة تصل إلى ٨ أو ٩ أشهُر، بداية من الطباعة على الزجاج وتحديد الإسطمبات لأشكال الصاج ووصولًا بوضع اللمسات الأخيرة للفانوس، ثم نترك الورشة ونبدأ فى عرض المُنتج داخل المحل وفى الفرش، مع ضرورة وجود ورشة مُصغرة داخل كُل محل للتعامل مع عيوب التصنيع والإضافات التى تواجهنا أثناء عملية البيع».
وخلال سنوات عمل الرجل الأربعيني، يتذكر أفضل فترة لرواج الفانوس المحلى قائلًا: «أيام ثورة يناير.. كُل الناس قالت إن الإقبال على الشغل سيكون ضعيفًا لكن حدث العكس تمامًا، كان الإقبال على الفانوس رهيبًا، كُل المحال والورش باعت بلا استثناء، لدرجة؛ أن شارع؛ تحت الربع لم يكن به موطئ لقدم بسبب الزحام الشديد على شراء فانوس رمضان».
وعن الفانوس المستورد، يُضيف أبوالعدل: «بعض المحال هنا تبيع المستورد بجانب الفانوس المحلي، لكن أسعاره مُرتفعة، تصل إلى ٢٥٠ جنيها للفانوس الصغير، كما أن الفانوس المحلى يُعتبر الأكثر رواجًا وطلبًا، كون تلفه يكون بصعوبة مُقابل المستورد الذى لا يعيش أكثر من عدة أيام بسبب خاماته الرديئة المصنوعة من البلاستيك».

يلتقط طرف الحديث حمادة أبوالعدل، ليُضيف: «كُل سنة نجدد من مُنتجنا، إسطمبات جديدة بأشكال جديدة، صنعنا فانوسًا طوله ١٠ أمتار، بالطلب، بالإضافة للأشكال الجديدة كُل عام، كُل ذلك لمواجهة غرق السوق بالفانوس الصيني، وفى النهاية نجحنا».
ويُتابع حمادة: «بداية تغريق الفانوس الصينى للسوق كانت فى ٢٠٠٧، وقتها وجد رواجًا فى الشارع، لكن خلال ٥ أعوام تالية من وجوده استطعنا أن نقضى على هذا الرواج لصالح الفانوس المحلي، بعدما طورنا من تصميمات وأشكال الفانوس المصري».

الموضة فانوس خشب.. والزينة صور محمد صلاح
وبعيدًا عن الفانوس المصنوع من الصاج والزجاج، لوحظ وجود سوق للفانوس الخشبي، فى شارع تحت الربع، بمنطقة الدرب الأحمر، حيث يقف الزائرون أمام المحال التى تعرضه للفصال والشراء، خاصة وأنه يمتلك ميزة جديدة هذا العام؛ صورًا على جنباته للاعب المنتخب الوطنى ونادى ليفربول الإنجليزي، محمد صلاح.
يقول محمود جاد، أحد أصحاب محال بيع الفانوس الخشبي، إن الأسعار تبدأ لديه من ١٠ جنيهات للفانوس صاحب الحجم الأصغر، وتصل إلى ٥٠٠ جنيه للفانوس الكبير، وأن ارتفاع أسعار الخامات هذا العام يقف حائلًا أمام رواج بضاعته وتوزيعها.
ويوضح جاد: «أسعار الفانوس الخشب مرتفعة مُقارنة بالعام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار الخامات والأيدى العاملة بما لا يقل عن ٣٠٪، وحاولنا التغلب على ذلك بإضافة صور للاعب المنتخب المصري، محمد صلاح، للفانوس وللقضاء على الفانوس الصيني، فى نفس الوقت الذى غَرق السوق بفانوس للاعبنا الأشهر هذا العام، وبأسعار مُرتفعة جدًا».

فانوس رخام صُنع فى ورشة حمادة
نحو ١٠٠ خطوة تقطعها من باب زويلة فى الجهة المقابلة لمسجد الصالح طلائع، حتى تصل إلى ورشة حسن أبوحمادة، أشهر صانع فانوس رخامي.
دكان لا تزيد مساحته على ٤ أمتار، يمتلئ بأدوات التقطيع والتشكيل، فضلًا عن الكثير من قطع الرخام، يجلس على بابه المفتوح دائمًا شيخ وصل الشيب إلى قمة رأسه، وبدا بعض شعره الأسود كخطوط فاصلة.
يقول حسن أبوحمادة: «إن السبب الذى دعاه لصناعة فانوس رخامى هى ابنته التى حَل موعد زفافها، وكنت أريد أن أصنع لها شيئًا مميزًا، ولأننا أسرة تَمتهن فن صناعة التحف، فكان أن أشار عليّ ابنى محمد بصناعة فانوس رخامى لها».
ويتابع، أنه بعد سنوات قلائل، خاصة مع توقف حركة البيع والشراء فى مجال التحف إبان ثورة ٢٥ يناير ما تلاها من سنوات، بدأت أُعيد طرح الفكرة مرة أخرى، لافتًا إلى استعدادهم لذلك من خلال صناعة «فورم» معينة للفانوس على غرار تلك المعمول بها فى الفانوس الصاج.

«جودة».. الحرفة «سمكرى فوانيس» والأحلام: «ستر وعودة رمضان زمان»
داخل إحدى محال بيع الفانوس بشارع تحت الربع، يجلس عم محمد جودة، على كُرسى خشبى صغير، وبجواره؛ شُعلة بوتاجاز ومجموعة من الفوانيس القديمة وأخُرى جديدة بها عيوب صناعة، حيث يقوم بإعادتها إلى سابق عهدها لعرضها مُجددًا للبيع. «عم جودة»، فى الخمسين من عمره، بجسم ممتلئ، امتهن صنعة؛ سمكرى فوانيس، مُنذ ٤٠ عاما، أبًا عن جد. يقول: «إحنا بنسيب الورشة شهرين الشغل ونيجى هنا على الفرش علشان نشتغل شُغل لينا وشغل ناس تانى بره».
وأوضح جودة، أن عمله يتلخص فى؛ تصليح المكسور أو التالف من الفوانيس الخاصة بالمحل، وأيضًا بعض الزائرين يأتون بفوانيس قديمة أسعارها الحالية تصل إلى ١٥٠٠ جنيه ولكن تعرضت للتلف بحكم السنين، ليقوم بتجديدها مرة أُخرى مُقابل ٢٠٠ و٣٠٠ جنيه، حسب حالة تلف كُل فانوس. واختتم عم جودة حديثه لـ«البوابة» قائلًا: «الإقبال ضعيف.. الناس حالتها تعبانة ومعادتش تشترى فوانيس زى زمان.. الأسعار فى البلد مولعة، والخامات أسعارها غالية، والناس اللى بتشترى بقت قليلة.. مفيش أحسن من الحمد لله على كُل شيء».

شعبة لعب الأطفال: قرار وقف استيراد الصينى «أنقذ المحلى»
قال أحمد أبوجبل رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال باتحاد الغرف التجارية: «إنه فى الوقت الحالى لا توجد تقديرات حول حجم سوق الفوانيس المحلية، ولكن لا شك أنه يشهد انتعاشة مقارنة بالأعوام الفائتة».
وأضاف، أن استقرار السوق المحلية خلال العام الجارى بات جليًا، ذلك أن تأثيرات قرار التعويم الذى اتخذته الحكومة فى نوفمبر من العام ٢٠١٦ استقرت، لافتًا إلى أنه خلال الموسم الماضي، ارتفعت أسعار الفوانيس بنسبة تزيد على ٥٠٪ بسبب ارتفاع تكلفة مستلزمات الإنتاج من البلاستيك والصاج واللمبات والأسلاك وغيرها. ويشير إلى، أن الفوانيس المحلية استحوذت خلال العام الماضى على نحو ٨٠٪ من السوق المحلية؛ وهذا بسبب قرار وزارة الصناعة والتجارة فى العام ٢٠١٥ بوقف استيراد الفوانيس المستوردة. وكانت وزارة التجارة والصناعة، أصدرت فى ٢٠١٥، قرارًا حمل رقم ٢٣٢، يمنع استيراد المنتجات ذات الطابع التراثى والفلكلورى ومنها الفوانيس فى محاولة للتخفيف عن عبء توفير الدولار من جانب، وتشجيع الصناعة المحلية من جانب آخر.