الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حلف الشر يفسد علاقات "الصومال" بـ"الإمارات" لصالح قطر وتركيا

الرئيس الصومالي والإماراتي
الرئيس الصومالي والإماراتي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الأشهر الأخيرة فى حرب الممرات البحرية، المتعلقة بالموانئ والقواعد العسكرية، تصعيدا جديدا من حلف رباعى الشر، الذى يضم «تركيا، قطر، إيران وتنظيم الإخوان» ضد الحضور الإماراتي، فى دولة الصومال، بعد أن أقدمت حكومة الرئيس، محمد عبد الله فرماجو، على إفساد علاقتها بالإمارات، لصالح حلف «رباعى الشر» فى إطار مساعى ومخططات تركيا وقطر للسيطرة على الممرات البحرية لخنق العالم بالإرهاب. 

الأحد الماضي، قررت الإمارات، إنهاء مهمة قواتها التدريبية، لبناء الجيش الصومالى الذى بدأت منذ عام 2014، ويأتى القرار على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية، طائرة مدنية خاصة مسجلة فى الإمارات، يوم الأحد 8 أبريل الحالى فى مطار مقديشو الدولي، على متنها عناصر قوات الواجب الإماراتية.
وتفاجأت دولة الإمارات باحتجاز طائرتها، ومساعدات وأموال مخصصة للجيش الصومال، التى كانت بحوزة فريق التدريب الإماراتى المتواجد بالبلاد منذ عام 2013، حيث تدير دولة الإمارات العربية المتحدة معسكر «اللواء محمد غوردون» لتدريب القوات الصومالية فى مقديشو، والذى زاره الرئيس الصومالى محمد عبد الله فرماجو، فى سبتمبر 2017، وأشاد فيه بدور الإمارات فى دعم القوات المسلحة الصومالية، ولكن هذه الإشادة سرعان ما تحولت إلى طعن فى ظهر الإمارات، مع تأثير تركيا وقطر وجماعة الإخوان فى إنهاء العلاقات الإماراتية الصومالية.



وتتمتع الإمارات بسمعة جيدة فى تقديم المساعدات للدول فى مواجهة الإرهاب، ودعم الحكومات فى بناء الاقتصاد، إضافة للعمل الإنسانى والخيرى بأى دولة تتواجد، فيها المؤسسات الإماراتية، واحتلت الصومال خلال عام ٢٠١٣ المرتبة ١١ فى قائمة الدول الـ ٢٥ الأكثر تلقيا للمساعدات الخارجية لدولة الإمارات، إذ بلغت المساعدات الإماراتية المدفوعة للصومال ٩٢.٣٢ مليون درهم.
وعلى المستوى السياسي، استضافت الإمارات خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من ثلاثة مؤتمرات دولية وإقليمية لبحث قضايا تتعلق بالصومال، على رأسها مشكلة القرصنة، والاستثمار، وحل الخلافات بين الفرقاء الصوماليين.
كما وقفت «الإمارات» بقوة لدعم حق الصومال فى «ساحل كسمايو» المحاذى لكينيا، بعد نزاع مع دولة كينيا وصل إلى أروقة محكمة العدل الدولية بلاهاي، أما أتعاب هيئة الترافع عن الطرف الصومالي، فتدفعه دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما وقّعت «الإمارات» اتفاقية مع حكومة «أرض الصومال الانفصالية» فى فبراير ٢٠١٧، لتأسيس قاعدة عسكرية إماراتية فى مدينة بربرة شمال غرب البلاد، بعد موافقة «مجلس النواب» و«مجلس الشيوخ» فى «أرض الصومال الانفصالية».

تصريحات المسئولين الصوماليين، تجاه الإمارات، تحمل كل الشكر والتقدير على دور الإمارات فى دعم واستقرار الصومال بمختلف المجالات العسكرى والأمنى والاقتصادى والاجتماعى والإنساني، حيث قدم الرئيس الصومالى محمد عبدالله فرماجو، خلال لقائه السفير الإماراتى محمد أحمد عثمان الحمادي، فى مكتبه بالقصر الرئاسى بمقديشو، فى ٧ فبراير الماضي، شكره وتقديره لدولة الإمارات قيادة وحكومة وشعبا على دعمها المستمر للصومال فى كافة المجالات المختلفة، مؤكدا عمق العلاقات التاريخية التى تجمع بين دولة الإمارات والصومال.
كما ثمن وزير الدفاع الصومالى محمد مرسل شيخ، خلال زيارته لأبوظبى فى فبراير الماضي، دور الإمارات فى بناء الجيش الصومالي، وأشاد «شيخ» بالدور الكبير الذى تلعبه دولة الإمارات فى إعادة بناء الجيش الوطنى خاصة مجال تدريب أفراد القوات المسلحة.

إشادة أزمة

إشادات القادة الصوماليين، بالدعم الإماراتى الكبير، تحولت فى أسابيع قليلة إلى أزمة، وبحث عن «السيادة الصومالية»، حيث تم قلب وتزوير الحقائق، لكن كيف تم ذلك؟ الإجابة فتش عن قطر وتركيا وإيران وتنظيم جماعة الإخوان، باعتبارهم رعاة الإرهاب فى المنطقة.
حلف «رباعى الشر» بدأ مخططا كبيرا من أجل النيل من سمعة دول التحالف الرباعى العربي، وفى مقدمتهم الإمارات، من أجل إضعاف هذه الدول وسيطرة «الإسلام السياسي» على مقدرات الدول العربية، وكانت الصومال واحدة من محطات الصراع بين تحالف «رباعى الشر» والإمارات، عبر التأثير على مؤسسات الدولة الصومالية برئاسة «محمد عبد الله فرماجو»، وكذلك أذرعها فى الصومال وخاصة الجماعات المسلحة والإرهابية، وهناك تقارير أمريكية عديدة تشير لارتباط «قطر» بحركة الشباب الصومالية.
قبيل أزمة توقيف الطائرة الإماراتية، وقرار «أبو ظبي» بسحب قواتها المكلفة بالمهمة التدريبة للجيش الصومالي، لعبت قطر وتركيا، دورا من أجل قطع الأواصر الأخوية بين دولة الإمارات وجيبوتي، عبر أزمة محطة حاويات «دوراليه» فى جيبوتي، المملوكة لشركة «موانئ دبى العالمية» التى تولت تصميم وبناء المحطة وتشغيلها منذ عام ٢٠٠٦ بموجب عقد امتياز منحته حكومة جيبوتى لها فى السابق، من أجل تدمير العلاقات بين «الإمارات» والدول العربية والأفريقية.
ويرى مراقبون أن تركيا وقطر يحملان المشروع «العثمانى الإخواني» للسيطرة على الدول العربية، عبر مشاريع عدة، سواء بدعم الجماعات المسلحة أو محاربة الدول الصديقة، وجعل هذه الدول «رهينة» فى يدها، عبر صورة الدعم والمساعدات فى الظاهر، فيما هى تدير شبكات لا منتهية من الجماعات المتطرفة والمسلحة فى المنطقة من خلف الكواليس.
ولم يكن ما كشفته صحيفة «سونا تايمز» الصومالية، أخيرًا، عن ترتيبات تركية- قطرية- إيرانية، لتأسيس جماعة إرهابية جديدة فى الصومال، تتبع التنظيم الإخوانى العالمي، بالأمر المستغرب لخبراء سياسيين وأمنيين، حيث قطعوا بأن الحلف الثلاثى الجديد لن يتوان عن الإقدام على أى عمل، يمكّنه من السيطرة العسكرية والسياسية على منطقة القرن الأفريقى بأسرها قبل الصومال.

تشكيل إرهابى جديد

وذكرت الصحيفة الصومالية، أن اجتماعًا سريًا عقد أخيرًا فى تركيا، شارك فيه ضباط استخبارات قطريين وإيرانيين وممثلين لميليشيات «حزب الله» اللبنانية، بحضور المسئول الرفيع بالقصر الرئاسى الصومالى فهد ياسين، لتشكيل جماعة إرهابية فى الصومال، تتبع فرع جماعة الإخوان الإرهابية بالبلاد، تسير على طريق «حزب الله» الإرهابى فى لبنان، غير أن أجهزة استخبارات غربية، بحسب الصحيفة، فضحت المخطط الذى جرى بعيدًا عن الإقليم المستهدف، لتكشف عن تفاصيله لدبلوماسيين غربيين.

كما تم خلال الاجتماع تكليف فهد ياسين، بالعمل على زعزعة الاستقرار السياسى للحكومات المحلية فى الأقاليم الصومالية المناوئة للنظام القطري، إلى جانب «دق إسفين» بين الرئيس الصومالى محمد عبدالله فرماجو من جهة، والدول الداعية لمكافحة الإرهاب من الناحية الأخرى.
ويهدف التشكيل الإرهابى الجديد، حسب المسئول السابق فى الأمم المتحدة الدكتور أحمد إبراهيم، إلى تغيير حكومات الأقاليم المناوئة لسياسة قطر؛ وهى منطقتا «جوبالاند» التى تتمتع بحكمٍ شبه ذاتى فى جنوب الصومال، و«جلمدج» التى تحظى بصلاحيات مماثلة فى وسط البلاد، بجانب «بلاد بونت» فى شمال شرق الصومال، التى أعلنها زعماؤها دولة مستقلة من جانب واحد أواخر القرن الماضي.
الحديث عن الاجتماع الثلاثى وتاسيس جماعة إرهابية، يأتى تأكيدا لما كشفته وثائق مسربة نشرت على موقع «ويكيليكس»، أن المندوبة الأمريكية السابقة فى الأمم المتحدة سوزان رايس، كانت قد طلبت فى ٢٠٠٩ من تركيا وقطر وقف تمويل حركة الشباب، وقالت رايس حينها بحسب الوثيقة المسربة: إن التمويل كان يتم عبر تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق إريتريا.
واكدت تقارير صحفية صومالية، إن قطر لم تكتف بالتمويل المالى لحركة الشباب، وإنما ظلت تقدم لها السند الإعلامى بتقديم قادتها للرأى العام على فضائية «الجزيرة» وأنه منذ أواخر عام ٢٠٠٧ ظل قادة حركة الشباب يقدمون عبر شاشة الجزيرة مع كوفية تغطى جزءًا كبيرًا من وجوههم.
وأوضحت تقارير أمريكية أن حركة الشباب الصومالية المتطرفة، تلقت تمويلًا من رجل الأعمال القطرى المطلوب دوليًا عبد الرحمن النعيمي، بمبلغ ٢٥٠ ألف دولار، وتشير إلى وجود علاقة قوية كانت تربط بين النعيمى وزعيم الحركة «حسن عويس» المحتجز حاليًا لدى السلطات الصومالية.
ولكن لماذا تسعى قطر وتركيا ومن ورائهما إيران، للتمدد فى الصومال وطرد الحضور الإماراتى رغم ما يقدمه من دعم إلى الدولة الصومالية بمختلف أقاليمها، الإجابة عن ذلك تأتى فى «المصالح»، حيث تسعى قطر وتركيا ومعهما إيران من أجل السيطرة على الممرات التجارية والموانئ وأيضا ثروات الدولة الصومالية المنسية.

الصومال تمتلك أطول ساحل فى القارة الأفريقية بطول يُقدَّر بأكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر. ويطل أغلبه على المحيط الهندي، بينما تقع سواحله الشمالية على خليج عدن، وسواحله الشرقية على مضيق باب المندب، وبحسب مدير مشروع القرن الأفريقى فى مجموعة معالجة الأزمات الدولية رشيد عبدي، لوكالة الأسوشييتد برس: «لا يمكنك العثور على أى مكان استراتيجى للدول العربية أكثر من الصومال».
لذلك عملت «الإمارات» خلال السنوات الماضية على بناء الدولة الصومالية ودعم مؤسساتها فى مختلف المجالات، فى مقدمتها مجال الأمن، حيث ساهمت الإمارات فى إنهاء القرصنة بالبلاد، وجعل سواحل الصومالية آمنة من القراصنة، التى تشير تقارير غربية لوجود دور قطرى فى دعم القرصنة.

إنهاء القرصنة

سعت تركيا وقطر إلى مد نفوذيهما فى الصومال، وحصلت حكومة رجب طيب أردوغان، عبر شركة البيرق التركية، على حق إدارة ميناء مقديشو بعد أن منحتها الحكومة الصومالية الفيدرالية حق تشغيل الميناء لعشرين عامًا فى سبتمبر ٢٠١٤، على أن تعطى ٥٥٪ من عائداته السنوية لخزانة الحكومة الصومالية، كما دشنت أنقرة القاعدة التركية والمقامة على مساحة ٤٠٠ هكتار (١٧٣ فدانًا) بتكلفة بلغت ٥٠ مليون دولار، بهدف إبعاد الصومال عن الحلفاء الأساسيين مثل الإمارات، وتقع القاعدة التركية على ساحل المحيط الهندي، وتعمل بطاقة تدريب تصل إلى ١٥٠٠ جندى صومالي.
وكشف موقع «جاروى أونلاين» الصومالي، أن قطر تدفع للشباب الصومالى ٦ آلاف دولار للجندى بعد التدريبات العسكرية، مشيرًا إلى أنه من غير المعلوم ما إذا كانت الحكومة الفيدرالية فى الصومال على دراية بخطة تجنيد الشباب العاطل الذين يحصلون على جوازات السفر للمغادرة إلى قطر بعدما يتم «خداعهم» بواسطة عملاء قطريين، وأكد الموقع، على أن مدير مكتب القصر الرئاسى الصومالى والذى يدير عملية السفر، شخص يدعى «فهد ياسين» ويمتلك علاقة قوية مع قطر، وعمل لسنوات عديدة فى قناة الجزيرة القطرية التى تعد المنبر الإعلامى ولسان الدوحة.
العلاقات القطرية مع الحكومة الصومالية تسير باتجاه التقارب إذ كشفت صحيفة «فوربس» الأمريكية، عن محاولات قطر لمد نفوذها فى دول ساحل شرق أفريقيا، فى محاولة منها لمواجهة دول المقاطعة وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، وأشارت «فوربس» إلى أن قطر تعمل على ضخ استثماراتها فى دول الشرق الأفريقي، لتناطح بها الاستثمارات الإماراتية فى المنطقة من السودان إلى الصومال، لا سيما، بعد أن وافقت «الدوحة» خلال الأسابيع القليلة الماضية على خطة بقيمة ٤ مليارات دولار مع حكومة السودان لتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر.
وهناك زيادة فى عمليات مبادلة الجزر وتأجير الموانئ البحرية، وحتى قبل اندلاع الصراع فى اليمن، كانت جيبوتى قد كسبت مليارات الدولارات من خلال تزويد فرنسا وأمريكا والصين بقواعد عسكرية، كما استضافت أيضا دولة الإمارات، فى قاعدة فى ميناء عسرى الإريتري، بالقرب من جيبوتي، كموقع رئيسى للهجوم على مواقع الحوثيين فى اليمن.
دور إماراتى
كما وقّعت دولة الإمارات اتفاقية مع حكومة «أرض الصومال الانفصالية» فى فبراير ٢٠١٧، بتأسيس قاعدة عسكرية إماراتية فى مدينة بربرة شمال غرب البلاد، بعد موافقة «مجلس النواب»، و«مجلس الشيوخ» فى «أرض الصومال الانفصالية» بنسبة تصويت وصلت لـ١٤٤ نائبًا لإقامة القاعدة، مقابل رفض خمسة من أصل ١٥١ نائبًا حضروا الجلسة، وهى الاتفاقية التى أدت إلى اشتعال غضب حكومة الرئيس الصومالى محمد عبد الله فرماجو.
غضب «فرماجو» جاء بإيعاز من قطر وتركيا، حيث يمتاز موقع قاعدة الإمارات العسكرية، بخصوصية جغرافية عن القاعدة التركية؛ كون المدينة الصومالية المُنشأ عليها القاعدة الإماراتية تقع على ممر بحرى يربط ما بين قناة السويس، والبحر الأحمر، والمحيط الهندى (بحر العرب خاصة) والمساعى الإماراتية نحو تأسيس قاعدة عسكرية بجمهورية أرض الصومال تتعلق بسعى أبوظبى لتأمين الملاحة البحرية، كما وقعت دولة بونتلاند فى شمال شرق الصومال فى العام الماضى اتفاقا مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير مينائها، بوساسو، مما تسبب فى إزعاج الحكومة فى مقديشو.
وفى محاولة لتجاوز أهمية ميناء «عصب» الإريترى على البحر الأحمر الذى تديره «موانئ دبي»، عملت تركيا على تمويل الطريق الذى يربط شمال إثيوبيا بجيبوتى وهو طريق (تاجورة- مقلي)، حيث تتولى أنقرة تمويل الجزء الذى يقع داخل الأراضى الإثيوبية، فى حين تمول الهند الجزء الذى يقع داخل الأراضى الجيبوتية.
وبتمويل هذا الطريق تكون تركيا قد مكنت إثيوبيا من تجاوز أهمية ميناء «عصب» لها، فالطريق سيوجد اتصالًا مباشرًا لواردات إثيوبيا وصادرتها من أقاليمها الشمالية عبر منفذ جيبوتي، بدلًا من الميناء الإريتري، الذى سوف تتضاءل أهميته الاستراتيجية بالتأكيد.
ونتيجة الحضور «القطري- التركي» فى الصومال، رضخت الحكومة الصومالية، بإقرار قانون يمنع شركة «موانئ دبي» من العمل فى البلاد، بما يشمل جمهورية «أرض الصومال» التى توجد فيها الشركة، وأعرب الصومال بالمقابل عن ثقته بالولوج التجارى إلى أوروبا عبر تركيا، الذى وقع معها عقودًا عديدة.