رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أمهات تحت نار الشمس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سمر أحمد: زوجي لا يساعدني فى نفقات المنزل.. وشركات النظافة تسرق قوتي

أم مريم: علمت أبنائي من بيع «الطعمية والفول» فى السوق.. وبقى عندي بيت 4 أدوار

تزامنا مع الاحتفال بعيد الأم، وتقديرا للأمهات المسنات، زارت «البوابة» أحد دور المسنين ورعاية الكبار، وتحديدا فى منطقة حدائق الأهرام بالجيزة. وعند مدخل البوابة الثالثة، تقع «دار أهالينا»، والتى أسستها سيدة مصرية، وهى الحاجة فاطمة عبدالمجيد، والتى تعمل مفتش تمريض، وتزوج أبناؤها، فأبت أن تقتصر حياتها على العمل والمنزل، وسعت لخدمة مجتمعها، فأسست الدار لتقضى يومها بداخلها إلى جوار العجائز اللاتى تجاوزت أصغرهن السبعين من عُمرها، فأصبحن بحاجة إلى العلاج والرعاية الطبية الدقيقة، هن سيدات قدمن حياتهن لأبنائهن وللمجتمع.

 

دفع غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، العديد من الأمهات فى المحافظات للخروج لسوق العمل، فلم يعد ما تقدمه النساء لأطفالهن من رعاية وحنان يكفى، واضطرتهن الظروف للعمل فى مهن شاقة من أجل توفير نفقات أولادهن.

 

عاملات النظافة، تمثلن إحدى المهن التى ضمت شريحة كبيرة من النساء العاملات يعانين من التعب والإرهاق دون أن يجدن أحدا يحنو عليهن أو يساعدهن، حيث تجدهن فى أمكان كثيرة سواء فى الطرق العمومية أو فى المواصلات أو الأماكن العامة أو الأماكن الخاصة، تجدهن فى هذه الأماكن فى الساعات الأولى من صباح اليوم بالإضافة إلى وجود بديلات لهن فى الليل، يحملن عصا المكنسة فى يد وفى الأخرى تجد النفايات التى يجمعنها، بالإضافة إلى أنهن يعملن لساعات طويلة مقابل أجر شهرى زهيد وحقوق اجتماعية مهضومة.

 

تقول سمر أحمد إحدى عاملات النظافة فى محطات المترو، إنها أم لطفلين، مى فى الصف الأول الابتدائى وعمر يبلغ من العمر ٤ سنوات.

وتضيف سمر: «أعمل من أجلهما فى ظل غلاء المعيشة، ونسكن فى شقة إيجار قيمته ألف جنيه بخلاف مصروفات الأكل والشرب، وزوجى لا يساعدنى فى المصاريف وأتحمل المسئولية الاجتماعية على ظهري».

 

وأوضحت سمر أن الأجر الشهرى الذى تتقاضاه ضئيل جدًا ولا يكفى للإقامة السكنية والأكل والشرب فى ظل غلاء الأسعار.

 

وتابعت سمر: «توقيت العمل طويل جدًا، حيث أعمل لأكثر من ٨ ساعات، بالإضافة إلى أنى استغرق ٣ ساعات يوميا، وهذا العمل لا يلبى طموحى، خاصةً أنى حاصلة على دبلوم تجارة، وعاملات النظافة مهضوم حقهن، لأنه من المفترض أن تكون رواتبهن على قدر المهنة الشاقة التى يعملن بها». واشتكت سمر من استغلال الشركات لعاملات النظافة، وطالبت بأن تحصل عاملات النظافة على أجر عادل وتأمين صحى واجتماعي.

واختتمت سمر حديثها لـ «البوابة»، مؤكدة أنها تفضل العمل فى شركات النظافة على أن تصبح متسولة.

 

سيدة مصرية

على حافة ذلك الطريق الممتلئ بالزبائن داخل سوق عمره يتعدى المائة عام، سيدة أهلكتها السنون والأيام، حينما تركت منزلها من أجل أطفالها الصغار لتبحث عن «لقمة العيش»، لكن رغم قسوة الحياة وصعوبتها لم تكل ولم تمل.

 

«١٠ سنوات فى الشارع ببيع طعمية وفول للزبائن»، بهذه الكلمات بدأت «أم مريم» تروى حكايتها، حيث أكدت أن زوجها توفى قبل ١٠ سنوات وتركها وحيدة مع ٤ أطفال صغار، فوجدت نفسها تواجه القدر بمفردها، لكنها لم تتوقف وتسلم أمرها للضياع مع أطفالها، ولم تمد يدها للتسول، ففكرت فى إقامة مشروع صغير تعول منه أسرتها.

 

وأضافت أم مريم، أنها تستيقظ يوميًا من الساعة الرابعة فجرًا، فتتوضأ وتصلى الفجر، ثم تتوجه إلى مشروعها الصغير لتجهز المأكولات التى ستبيعها للزبائن، ويبدأ الزبائن فى التردد عليها منذ طلوع شمس الصباح وحتى آذان المغرب، قائلًة «الحمد لله.. قدرت أعمل زبائن فى وقت قصير، لأنى كويسة مع الناس كلها».

 

وأشارت إلى أنها عاشت حتى ترى أبناءها فى مستوى التعليم الجامعي، حيث إنه لديها فتاة تدرس فى كلية الطب، ولديها ٣ أبناء، اثنان فى كلية الهندسة والثالث فى كلية العلوم، ويحصلون على درجات مرتفعة فى الجامعة، وكل ذلك يشجعها ويحفزها على الاستمرار، حيث إنها تشعر بأن مجهودها لم يضع هباء منثورًا.

 

وأوضحت أنها فى البداية كانت تعيش بأبنائها داخل مكان مكون من غرفتين فقط، ولكن الآن وبعد كفاحها وكرم المولى عز وجل عليها، اشترت قطعة أرض وبنت منزلا مكونا من ٦ طوابق، وفى كل طابق شقة لابن من أبنائها، كما أن ابنتها لها شقة فى ذلك المنزل، حيث إنها قررت أن تعيش ابنتها وزوجها المستقبلى فى تلك الشقة، قائلة: «مش عايزة أولادى يشوفوا الحرمان والشقى اللى أنا شفته».

 

وتابعت أنها سعيدة للغاية بعد نجاحها فى تعليم وتربية أبنائها، وتستعد الآن لتجهيز عرس ابنها الأكبر، الذى يدرس فى سنة التخرج بالجامعة، حيث إنه تعرف على زميلة له «مهندسة» ويريد الزواج بها، وقد أخبرها بأن والدته تعمل «بائعة فول وطعمية على عربة»، مؤكدًة أن تلك الفتاة قد رحبت بابنى أكثر عندما أخبرها عنى وعن كفاحى من أجل ابنى وإخوته.

 

كما أنها تشعر بسعادة بالغة، لأنها تأكدت أن من يكافح فى تلك الحياة سوف يلاقى نتيجة كفاحه وسوف يرضيه ربه، كما أنها لديها العديد من الأمهات صديقاتها ممن كافحن كثيرًا من أجل أبنائهن، موضحًة أن هناك الكثيرات ممن كافحن وأكرمهن ربهن بالنجاح حينما رأين أبنائهن فى نجاح وتقدم.

نادية عمران نموذج آخر للكفاح، ربّت أبناءها ولدا وبنتين بعد وفاة زوجها، ورفضت الزواج بأى رجل حفاظًا عليهم، ولكى توفر لهم لقمة العيش اشتغلت مربية فى المنطقة التى تسكنها.

 

تقول نادية عمران: «تزوجت وعمرى ١٦ عاما، وتوفى زوجى فى حادث مروري، بعد تسع سنوات زواجا، وقد أنجبت منه ثلاثة أبناء، أسماء ومحمد وأميرة، التى كان عمرها حين وفاة والدها عام واحد، وبوفاة زوجى بدأ مشوار الشقاء، حيث وجدت نفسى مسئولة عن رعاية وإطعام ثلاثة أيتام، وأنا لا علم لى بأى حرفة تمكننا من العيش عيشة كريمة، ولا أملك أى مكان للعيش فيه فرجعت لبيت أهلي، وأبى لا يقدر مطلقًا على احتياجاتنا، فعشت فى دوامة لقمة العيش التى لم يتسن لى الخروج منها إلا عندما جاءنى عرض جارتي.

 

وأضافت نادية، عرضت على جارتى رعاية أبنائها عند ذهابها للعمل مقابل مبلغ من المال، ووافقت على الفور، ولم يمض وقت طويل حتى أصبح منزلى أشبه بالحضانة التى امتلأت بجميع أطفال معلمات الحارة، والمناطق المجاورة، وكنت بذلك أول من بدأ مشروع الحضانة بمنطقة العياط، ورفضت جميع من تقدموا لى للزواج من أجل تربية أبنائي.

 

وتابعت نادية، أن السنين مضت بها سريعة، وقد كبر أبناؤها، تقول تزوجت ابنتى أسماء زواجًا سعيدًا، وتبعتها أميرة التى تدير الآن مشغلًا خاصًا بها، وهما بارتان جدًا بي، وقد عوضتانى حرمان السنين، أما ابنى محمد فقد أصبح من أحسن الرجال، ونجح جدًا فى عمله، وقد انتقلت للعيش معه وزوجته، فسعادتى لا توصف بما وصل إليه أولادى، فهو فضل من الله أحمد الله عليه، ولم أندم فى يوم على تعبى عليهم، واختتمت عمران، حديثها قائلة مستعدة أعمل أكتر من كده علشان خاطر عيالي.

 

وعلى الجانب الآخر تمثل السيدة كاملة لطفي، قصة كفاح عريقة، حيث غادر زوجها البيت منذ عشرة أعوام بدون سابق إنذار ولا تعرف هذه السيدة عنه أى شيء حتى الآن، وهى أم لولدين وثلاث بنات.

 

وتقول أم «مجدي» ظللت أبحث عن زوجى فقد جاء موعد قدوم زوجى إلى البيت ككل يوم ولكن لم يأت فى هذا اليوم، وبحثت فى كل مكان فلم أجد شخصا يعلم أين ذهب، وبعد مرر الأيام علمت أنه سافر إلى الخارج، وحتى الآن لا أعرف عنه شيئا.

 

وأضافت أم «مجدي»، حيث وجدت نفسى مسئولة عن رعاية وإطعام خمسة أطفال، فبدأت فى تجارة الخضار، حيث ظللت سنة أبيع من خلال البيت، ثم أجرت محلا، ثم أنا أمتلك هذا المحل وقمت بتربية أبنائى على الوجه الأكمل، فقد تخرج مجدى السنة الماضية فى كلية الهندسة.

 

وتابعت تزوجت ابنتى أميرة وهى فى كلية التربية، والآن ابنى أحمد فى السنة النهائية فى كلية الحقوق، ورانيا وهدى فى الثانوية العامة، وكنت أبذل كل ما بوسعى لأربى أبنائى أيضًا أفضل تربية، واليوم أنا أحمد الله أنى وصلت بأبنائى إلى هذا الطريق.

 

وفى سياق متصل تلاحظ أعين كل المواطنين المارين فى أى شارع من شوارع القاهرة أو الأحياء فى أى مكان بعض السيدات اللاتى يبعن المناديل على حواف الأرصفة والطرقات، حتى أن بعض الناس يظنون أنهن «نصابات» من كثرة ما تقع أعينهم عليهن فى كافة الطرقات بحثًا عن لقمة العيش، إلا أن تهانى محمود كانت إحدى أبرز هؤلاء السيدات اللائى عانين من نظرات الناس التى لا تحمل أى شفقة.

 

تقول تهاني، والتى تبلغ من العمر ٤٥ سنة، إنها تكسب لقمة عيشها من بيع المناديل فى الشوارع والطرقات وإشارات المرور، بعدما تركها زوجها وتوفى منذ أكثر من ٥ سنوات، ولها بنتان فى مراحل تعليمية مختلفة، إحداهما فى المرحلة الابتدائية والأخرى فى المرحلة الإعدادية، مؤكدة أنها تحاول جاهدة أن تكسب لقمة عيشها لإطعام بناتها من مالها الحلال بعد وفاة زوجها فى حادث سير.

 

وأضافت تهانى أنها تعرضت لكافة أنواع البشر طالما أنها تجلس فى الشارع، وأنها تحاول جاهدة أن تقضى يومها أمام بضاعتها فى الشارع حتى تنتهى منها، سواء كان صيفًا أو شتاءً، لا يهمها سوى جمع المال من أجل الإنفاق على تعليم بناتها وتزويجهن حتى تنتهى رسالتها فى الحياة وتلقى ربها وهى مطمئنة على بناتها فى بيوتهن ومع أزواجهن، وبعدها تودع الشارع وما فيه من مأس ومكاره.

 

أما الوجه الأخير من وجوه تلك القصة الكبيرة الحافلة بإنجازات الأمهات، فلسيدة التى طلبت أن نناديها بأم رشدي، التى تبلغ من العمر ٥٥ عامًا، إلا أنها فقدت بصرها مؤخرًا بعد أن كانت تعمل فى الحقول مع الفلاحين فى الأراضى مقابل بعض الأموال التى تنفقها على أسرتها الكبيرة المكونة من ٥ أبناء، حيث قالت، إن زوجها يعمل موظفًا بالصرف الصحي، وراتبه الضئيل لا يكفى حتى أول أسبوع فى الشهر فى ظل الغلاء الحالى فى أسعار كافة السلع.

 

وقالت أم رشدى إن أبناءها منهم من ترك التعليم لعدم قدرة الأسرة على حصوله على متطلبات تعليمه، حيث خرج ابنها الكبير رشدى من السنة الخامسة فى المرحلة الابتدائية منذ صغره فيما لم تستطع إدخال بقية أبنائها المراحل التعليمية، نظرًا لضيق الحالة المادية.