الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

المسلم بين الإيمان الحق.. والتأسلم (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ويمضي التأسلم ليقتاد المسلمين إلى مزيد من التشدد، ومزيد من التفسير الخاطئ لحقيقة الشريعة. وكان أكثر ما أوقعهم في الخطأ، بل والخطيئة، التفسير النصي للآيات القرآنية؛ ففهموا بعض الآيات فهمًا منحرفًا، ومارسوا هذا الفهم المنحرف وغير العقلاني ممارسة عملية..
فالآية الكريمة: ﴿وَقَالَ نوحٌ ربِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضْ مِنْ الكافرِينَ دَيَّارًا. إنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: 26-27]. فاستباحوا قتل الأطفال، واعتمدوا على قصة الخضر عليه السلام وقتله الطفل في سورة الكهف.
وقد مضى ابن الأزرق فأمر أتباعه بأنه “,”لا يجوز لهم الاستجابة للصلاة إذا دعاهم إليها غيرهم من المسلمين، وأن لا يأكلوا من ذبائحهم، ولا يتزوجوا منهم، ولا يتوارثوا مع غيرهم“,” [النجار – المرجع السابق – صـ 140].
ولأن التأسلم يقتاد صاحبه إلى مزيد من التأسلم؛ فقد أتت فرقة منهم اسمها “,”الثعالبة“,” حرمت قول المسلم “,”إن شاء الله“,”؛ لأن في ذلك تشكيكًا في الاعتقاد بقدرته سبحانه وتعالى! وفرقة “,”العاذرية“,” التي استحلت سفك دماء وأموال أهل الذمة والعهد“,” [د. عبد الله حمادي – التكفير والهجرة في فكر الخوارج – دراسة في مجلة النهج – عدد صيف 2001]. وهو ذات ما فعله ويفعله بعض متأسلمي أيامنا غير السعيدة.
وينتهي الأمر بالخوارج أن أوفدوا أربعة من رجالهم لاغتيال عليّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري. وهم المتصارعون على الخلافة، والحكمان اللذان قاما بالتحكيم. وفشل ثلاثة ونجح واحد منهم، هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي في اغتيال علي. ويبتهج الخوارج بمقتل علي وينشد شاعرهم عمران بن حطان، وهو أحد غلاة أمراء الخوارج، قصيدة طويلة في مدح المرادي، يقول:
للهِ دُرُّ المراديِّ الذي سَفكتْ
كَفَّاهُ مُهْجة شرِّ الخلقِ إنسانا
أمْسَى عَشِيَّةَ غشَّاهُ بضربتهِ
مما جَناهُ من الآثام عُريانا
يا ضربةً مِن تقيٍّ ما أراد بها
إلا ليَبلُغَ من ذي العرشِ رِضوانا
إني لأَذكُرُهُ حيًّا فأحْسبُه
وفي البريَّةِ عند اللهِ ميزانا
.. وتأملوا معي: عليُّ بن أبي طالب “,”شر الخلق“,”، وارتكب من الآثام ما استوجب قتله، وقاتله سوف يبلغ من ذي العرش رضوانا!!
ويرد أنصار عليّ، وقد أصابتهم فجيعة مقتل إمامهم، فيقول شاهدهم:
قُل لابنِ ملجمَ والأقدارُ غالبةٌ
هًدَّمتَ –ويلك- للإسلامِ أرْكَانا
قتَّلْتَ أفضلَ مَنْ يمشي على قَدمٍ
وأولَّ الناسِ إسلامًا وإيمانا
وأعلمَ الناسِ بالقرآنِ ثم بما
سنَّ الرسولُ لنا شرعًا وتِبْيانا
صهرَ النبيِّ ومولاهُ وناصِرهُ
أضحتْ مناقبُه نورًا وبُرهانا
[نقلاً عن: بكر بن حماد التهرتي – الدر الوقاد من شعر بكر بن حماد التهرتي – ص 62].
ولكن القصة لم تنته. فعليُّ رحل بتعاليمه السمحة، وقرر أنصاره الانتقام من قاتله. ويروي ابن الجوزي كيف تم القصاص، فقال: “,”قطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع، وجعل يقرأ: “,”اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق“,” حتى ختمها، وإن عينيه تسيلان، فعولج على قطع لسانه فجزع، فقيل له: لماذا جزعت ولم تجزع من قبل؟ فقال: أكره أن أكون في الدنيا مواتًا ولا أذكر الله“,” [ابن الجوزي – تلبيس إبليس – صـ 95].
وهكذا فإن القاتل، وبقدر ما احتمل متصورًا أنه في سبيله للشهادة، وأنه قام بواجب شرعي، إلا أنه تخيل أن ذكر الله يجب أن يكون بالنطق، وليس بالإيمان القلبي.
.. ونمضي مع التأسلم لنطالع كيف يمضي بأصحابه..