الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"دمشق" تحت الوصاية الإيرانية

 إبراهيم رئيسى
إبراهيم رئيسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زيارة ملفتة قام بها المرجع الشيعى الإيرانى إبراهيم رئيسى، الأقرب إلى خلافة على خامنئى فى منصب المرشد الأعلى فى إيران، إلى العاصمة السورية دمشق، لبحث عدة رسائل لمن يهمه الأمر، والتأكيد على أن دمشق ستظل تحت الرعاية الإيرانية، وأيضا فى إطار استمرار مخطط إيران للتغير الديموجرافى لسكان سوريا عبر تشيع السوريين، خاصة فى مناطق سوريا المفيدة وعلى رأسها العاصمة دمشق، فكانت زيارة «رئيسي» إلى مرقد السيدة زينب فى ريف دمشق.
وبحسب ما قالت وكالة فارس الإيرانية، فإن متولى شئون الروضة الرضوية فى مدينة مشهد الإيرانية، إبراهيم رئيسي، زار السيدة زينب، الإثنين 29 يناير 2018 وأطلع رئيسى على الخطوات المنجزة لإعادة إعمار المرقد من قبل لجنة إيرانية مختصة بإعمار العتبات المقدسة.
وتقوم اللجنة الإيرانية لإعمار العتبات المقدسة بإعادة إعمار مرقد السيدة زينب فى ريف دمشق.
وكان رئيس اللجنة الإيرانية لإعمار العتبات المقدسة، حسن بلارك، قال فى يوليو الماضي، إن مقر اللجنة فى سوريا استأنف نشاطه ووصلت مجموعة من الكوادر إلى سوريا لترميم المراقد.
ويعد حى السيدة زينب، أحد أبرز تجمعات الطائفة الشيعية فى العاصمة دمشق، إذ يحتوى على مقام السيدة زينب بنت على بن أبى طالب، والواقع أن هذا الحى الذى صار جزءًا من دمشق، لم يكن قبل أربعين سنة سوى قرية صغيرة يوجد فيها مقام صغير ينسب لزينب بنت أمير المؤمنين على بن أبى طالب، والحقيقة أن الاهتمام بهذا المقام يشكل جسرا للتحالف الاستراتيجى بين النظامين السورى والإيراني.
وتخضع المنطقة لسيطرة الجيش السورى والميليشيات الموالية له بالكامل، وتقطنها عوائل من الطائفتين، السنية والشيعية، إلى جانب ميليشيات عراقية ولبنانية موالية للنظام. 
و تقدر إحصائيات متطابقة أن نسبة الشيعة السوريين كان قبل بضعة سنوات يتراوح بين ٤.٥ إلى ٤ فى المائة، وأبرز المناطق التى يتواجدون فيها هى دمشق، ويتوزعون فى زين العابدين والجورة وحى الأمين، الذى يعتبر أهم مركز للشيعة فى سورية، وفيه مسجدان الأول مسجد الإمام على بن أبى طالب وحسينية يمتد نشاطها على مدار السنة، والمسجد الآخر مسجد الزهراء.
وتحولت المقامات الدينية فى دمشق فى السنوات الماضية إلى مقر أساسى للزوار والميليشيات، وخاصة من إيران والعراق.
وقد سعت إيران لنشر التشيع فى سوريا، وتحويله إلى تشيع سياسى مشبعًا بالأفكار الخمينية، وإقامة الحوزات الدينية، وتطوير أو استحداث مقامات دينية.
وقد لعب الشيخ العراقى من أصل إيرانى حسن الشيرازى (١٩٣٥ ـ ١٩٨١) دورًا كبيرًا فى مدّ التشيّع إلى داخل سوريا، انطلاقًا من الفكر الذى يحمله شقيقه آية الله العظمى محمد الشيرازي، القائم على «إجلاء الهوية الدينية للعلويين».

التشيع فى سوريا
وفى دراسة علمية موّلتها حركة «العدالة والبناء» السورية المعارضة، وأُعلنت نتائجها فى لندن خلال إبريل ٢٠٠٨، تبيّن أن التشيّع فى سوريا بات فى عهد الرئيس السورى بشار الأسد مشروعًا سياسيًا فاقعًا، يعبر عنه «الانتشار الواسع للحوزات العلمية، وتأسيس مراكز تشيع، واحتلال الشيعة للمقامات السنية، كمقام السيدة زينب، والسيدة رقية، والسيدة سكينة بنت علي، وعمار بن ياسر، ومحسن بن الحسين، وزين العابدين، وحِجر بن عدي».
وتضيف الدراسة إلى أن «انتشار الحوزات ارتفع خلال ست سنوات بما يعادل ما تم إنشاؤه خلال ربع قرن»، وعلى سبيل المثال أنشئت فى عهد بشار ١٢ حوزة علمية و٣ كليات دينية شيعية فى منطقة السيدة زينب فى دمشق، كما رُخصت أول جامعة إسلامية شيعية عام ٢٠٠٣. ورغم أن التعليم الشرعى فى سوريا يخضع لإشراف وزارة الأوقاف السورية، فإن الحوزات العلمية باتت بإشراف جهاز جديد اسمه «مديرية الحوزات العلمية»، اعتبارًا من العام ٢٠٠٥.
وأصبحت «مديرية الحوزات العلمية» تشرف على مراقد آل البيت، حيث ظهرت حوزات علمية لم تكن موجودة من قبل «الحوزة الحيدرية- الإمام جواد التبريزي- الإمام الصادق- الرسول الأعظم- الإمام المجتبى- الإمام الحسين- الإمام زين العابدين- قمر بنى هاشم-إمام الزمان- الشهيدين الصديقين- الإمام المهدي- فقه الأئمة الأطهار، وهى تقع أيضا تحت إشراف الإيرانيين بشكل غير مباشر.
وقالت الدراسة، إن الفترة الذهبية للتشيع فى سورية هى الفترة الممتدة بين عامى ١٩٧٠ ـ ٢٠٠٧، فما قبلها لا يعتبر التشيع ظاهرة، ولم يتعد عدد الذين تشيعوا بضع مئات. فإذا قدر عددهم بما دون الألف، فإن عدد السُّنة الذين تشيعوا فى عهد حافظ الأسد أى فى الفترة ١٩٧٠ ـ ١٩٩٩، يقدر بـ ٦٩٦٠ كحد أقصى، بما نسبته ٤٣٪، وعدد السنَّة الذين تشيعوا فى الفترة ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٧ يقدر بـ ٨٠٤٠ كحد أقصى بما نسبته ٥٠٪.
وعلى هذ الأساس فإن المعدل السنوى للتشيع فى الوسط السنى حتى ما قبل عام ١٩٧٠ كان ٢٠ شخصًا فى السنة، وفى عهد حافظ الأسد ١٩٧٠ ـ ١٩٩٩ كان المعدل ٢٣٢ سنيًا فى السنة، أى أنه تضاعف قرابة ١٢ مرة عن الفترة التى سبقته، وفى عهد بشار الأسد ضمن الفترة ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٧ فإن معدل الانتشار كان ١٠٠٥ سنيين سنويًا، أى أن المعدل السنوى تضاعف عن عهد الأسد الأب بما يعادل ٤.٣ مرة، وتضاعف بـ٥١ مرة عن معدل ما قبل ١٩٧٠.
ويضاف إليهم نحو ٥٠٠.٠٠٠ عراقى شيعى فى سوريا، وأنه من المحتمل أن يتحوّل هؤلاء إلى «إحدى الأدوات الجديدة للنظام فى صراعه مع المعارضة الوطنية الديموقراطية وخاصة الإسلامية».
إيران توجت هيمنتها على المؤسسة الدينية الإسلامية فى سوريا، فى سبتمبر ٢٠١٦ بإنشاء «مكتب تنسيق» خاص بـ«المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب الإسلامية» فى دمشق، والمكتب سيتألف من مندوبين عن عدد من المؤسسات الإسلامية السنية، أبرزها «معهد الشام العالى للدراسات الشرعية» وعلماء من الجامع الأموى وممثلين عن الطريقة الصوفية إضافة إلى ممثلة عن «القبيسيات»، ومندوبين عن الحوزات الشيعية فى دمشق. ولـ«مكتب التنسيق» صندوق مالى ينظم الهبات والأموال التى تصل من إيران إلى المؤسسات التى ستدعمها، أو التخطيط لمشاريع مشتركة بين الهيئات الدينية المؤلفة للملتقى.
الأهداف المعلنة لـ«مكتب التنسيق» هى التقريب بين جميع المؤسسات الدينية الإسلامية فى دمشق وريفها، وبناء جسر بينها بهدف وضع رؤية موحدة مشتركة للخطاب الدينى فى دمشق، وإصدار منشورات وكتب دينية هدفها التقريب بين المذهب السنى والشيعي، والعمل على ردم الخلافات فى العقيدة. ما يعنى هيمنة إضافية لإيران على جميع المؤسسات الدينية الإسلامية، والتدخل فى معالجتها للقضايا المذهبية، وصياغة خطاب يتوافق مع سياسة إيران المتبعة فى سوريا.
أما «معهد الشام العالى للدراسات الدينية» الذى أسس بقرار جمهورى بعد اندلاع التظاهرات السورية فى ٢٠١١، يضم كلًا من «معهد الفتح الإسلامي» و«مجمع الشيخ أحمد كفتارو»، و«مجمع الست رقية» أكبر مؤسسة دينية لنشر الفكر الشيعى فى دمشق، ويتولى إدارة المعهد «مجلس أمناء» برئاسة وزير الأوقاف وعضوية ثلاث شخصيات «علمية اجتماعية» ممثلة لـ«الفتح» و«كفتارو» و«رقية»، يعينها وزير الأوقاف. وتمّ إنشاء العديد من الثانويات الشرعية التى تهدف إلى نشر الفكر الدعوى الشيعي، وافتتاح عدد من الدورات لتعلم اللغة الفارسية.
زيارة إبراهيم رئيسى المرشح لخلافة خامنئى فى منصب المرشد الأعلى تشكل عدة رسائل قوية إلى من يعنيه الأمر بأن سوريا، وخاصة دمشق ستظل تحت سيطرة إيران، ليس سياسيا فقط، ولكن أيضا دينيا واجتماعيا واقتصاديا، بما يشير إلى أن دمشق ستصبح وفقا للمزاج الإيراني.
الرسالة الثانية هى التأكيد على أن إيران لن تتخلى عن مشروعها الدينى فى سوريا، بل ستمضى إلى توسيع ودعم ركائز هذا المشروع عبر العديد من المخططات الدينية والاقتصادية والسياسية بما يضمن بقاء سوريا لعقود من الزمن تحت راية الدولة الإيرانية.
الرسالة الثالثة، هى التأكيد على الحضور الإيرانى الدينى بجانب الحضور العسكرى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى فى سوريا.