الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

يوحنا المعمدان ومكافحة الفساد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الشخصيات الأساسية التى تتوجه إليها الأنظار فى فصل المجيء، شخصية يوحنا المعمدان فى دوره الرئيسى فى إعداد طريق الرب من خلال دعوته الناس لاستقبال ميلاد المسيح فى العالم بالتوبة. 
يخبرنا البشير لوقا أن رسالة المعمدان تميزت بالتشديد على ترجمة التوبة بثمار عملية فى الحياة اليومية. وهكذا تجاوب الناس معه، ومن ضمن المتجاوبين ثلاث مجموعات، هى: الجموع والعشارون والجنود، الذين تساءلوا إن كانوا يستطيعون أن يستمروا فى أعمالهم ووظائفهم كالمعتاد بعد اختبارهم للتوبة، فسألوا المعمدان سؤالًا واحدًا: ماذا نفعل؟ إلا أن المعمدان لم يقل لهم بأن عليهم أن ينسحبوا من المجتمع ويعتزلوا للصلاة كما فعلت جماعة أسينيى قمران فى القرون الأولى. ولم يطلب منهم أن يلبسوا مسوحًا ويقدموا ذبائح لله تعبيرًا عن توبتهم كما حصل فى نينوى وقت مناداة يونان. لكنه قال للمجموعات الثلاث إنه يجب عليهم أن يضعوا حدًا لأسلوب حياتهم الحالى البعيد عن الله، ويتبعوا أسلوبًا جديدًا يتميز بثمار التوبة، أسلوبًا يعكس التغيير فى أولوياتهم والتزاماتهم وعلاقاتهم. وبكلمة أخرى، دعاهم المعمدان إلى ممارسة الرحمة فى التعاطى مع احتياجات الآخرين، وإلى مكافحة الفساد لإثبات توبتهم.
فللمجموعة الأولى، وهى الجموع بشكل عام. قال المعمدان: «من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا» (لوقا٣: ١١). وبالتالي، توبتهم توجب عليهم التعاطى برحمة مع احتياجات الآخرين. يقول النبى ميخا: «قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع إلهك» (ميخا ٦: ٨). إن كلمة «رحمة» فى الأصل اللغوى ترتبط بكلمة «رحم» أى «رحم الأم»؛ حيث ينمو الجنين محاطًا بالرعاية والعناية دون أن ينقص عنه شيء. وبالتالي، ممارسة الرحمة تعنى تقديم الرعاية والعناية للمحتاجين كما تقدم الأم الرعاية والعناية لطفلها، وذلك بمشاركة ما نملك مع الذين لا يملكون. بمشاركة العريان من ثيابنا وإطعام الجائع من خبزنا. قرأت عن دراسة أقيمت على مجموعة من الناس أظهرت أن القيام بأعمال الرحمة تمنح الفاعل شعورًا داخليًا بالفرح والرضا تظهر ملامحه فى جسد الإنسان، من خلال تناقص هورمون «الكورتيفول»، الذى يسبّب التوتر، وازدياد هورمون «DHEA»، الذى يؤخر الشيخوخة ويطيل فترة الشباب. وبالتالي، فأعمال الرحمة لا تفرح فقط المحتاج وإنما أيضا الرحوم. 
المجموعة الثانية، هى من العشّارين المكروهين، الذين كانوا جباة الضرائب للنظام الرومانى الحاكم. فرؤساء العشارين كانوا يتفقون مع السلطة الحاكمة على المبلغ المتوجب لهم من جمع الضرائب، ليجعلوا من المدخول الكبير المتبقى لهم تجارة ومكسبًا يجنونه من أموال الفقراء، فيوظف الرؤساء بعض العشارين الذين يجمعون الضرائب من عامة الناس، والتى كانت قيمتها تفوق أكثر بكثير قيمة الضرائب المتفق عليها. وهكذا مارس العشّارون الفساد والوشاية والرشوة فى جبايتهم. لكن يوحنا المعمدان لم يطلب منهم تغيير وظيفتهم المشينة، لكنه قال: «لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم» (لوقا ٣: ١٣). توبتكم تحتّم عليكم مكافحة الفساد والتوقف عن أعمال الرشوة والوشاية. فلا تحمّلوا الناس أعباء مالية أكثر من المطلوب، بل كونوا أمناء فى جمع الضرائب، واستوفوا من الناس فقط ما هو حق. المجموعة الثالثة من الجنود الذين كانوا يعملون لدى الرومان ويؤمنون الحماية للعشارين، عندما كانوا يجمعون الضرائب. لهذا اعتبروا عملاء للرومان. فالمعمدان قال لهم: «لا تظلموا أحدًا ولا تشوا بأحد واكتفوا بعلائفكم» (لوقا ٣: ١٤). مما يعني، لا تستغلوا منصبكم ووظيفتكم (كونكم جنودا مسلّحين) من أجل مصالحكم الشخصية والربح المالى وظلم الناس. لا تستغلوا منصبكم للوشاية والافتراء، بل اكتفوا برواتبكم ولو كانت قليلة. فى هذه الفترة، يأتى يوحنا المعمدان ليذكّرنا برسالة نحن بأشد الحاجة إليها فى وطننا. يأتى ليدعونا جميعًا، إلى التعاطى برحمة مع احتياجات الفقراء والمحتاجين وما أكثرهم فى هذه الأيام. يأتى ليدعونا إلى مكافحة أنواع الفساد فى بلادنا كافة، من رشوة ووشاية وظلم وإساءة استخدام المناصب والمراكز من أجل مصالحنا الشخصية. فالتزامنا بهذه الرسالة يؤهلنا للاحتفال بعيد الميلاد، ويؤهل مواطنينا لنطمح من أجل وطن أفضل.