السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سقوط الإمبراطور النائم

 رئيس زيمبابوى روبرت
رئيس زيمبابوى روبرت موجابى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن الخيارات أمام رئيس زيمبابوى روبرت موجابى، أصبحت مختصرة فى الرحيل عن كرسى الحكم، فى البلاد التى حكمتها قبضته الحديدية لمدة 37 عامًا.
ففى حين خرج موجابى أمس الأول، بتصريحات يتعهد فيها بالإصلاح، كانت شوارع العاصمة هرارى تزدحم بالمتظاهرين الذين رفعوا لافتات مكتوب عليها «ارحل»، هذا فى الوقت الذى أظهرت الإشارات المنبعثة عن رجال المؤسسة العسكرية، أن أمر العجوز الذى تجاوز التسعين بات محسومًا، فقد انفض عنه الجميع، حتى نائبه إيمارسون منانجاجوا الذى أقاله موجابى سابقًا يتأهب لوراثته.

«موجابى» يواجه مصيرين.. البقاء كـرجل دولة كبير أو السفر إلى جنوب إفريقيا
أشارت التقارير الواردة من زيمبابوي، أن منانجاجوا ينتظر استقالة موجابى للتوجه إلى القصر الرئاسى لاستلام زمام الأمور، بل إنه على قرب من قصر الرئاسة.
موجابى بعد تنحيه سيكون بين مصيرين؛ حيث إنه سيعيش فى هيئة «رجل دولة كبير» فى زيمبابوى أو يسافر إلى دولة يملك فيها ممتلكات مثل جنوب إفريقيا ودبى وسنغافورة.
وقال رئيس البرلمان المعارض لوكالة أنباء «أسوشيتد برس» الأمريكية، إن منانجاجوا سيرأس حكومة وحدة مؤقتة فى مرحلة ما بعد موجابى تركز على إعادة بناء العلاقات مع العالم الخارجى وتحقيق استقرار الاقتصاد فى السقوط الحر.
وفى السياق نفسه، روى أحد المسئولين فى الحزب الحاكم، والذى رفض الكشف عن هويته، أن موجابى حاول القيام بالعديد من الحيل، كى تتراجع الأطراف المعترضة على بقائه عما تريده. وقد أكدت شبكة «سى إن إن» الأمريكية، أن موجابي، وزوجته، حصلا على حصانة كاملة بموجب اتفاق الاستقالة. وقالت اللجنة المركزية للحزب الحاكم فى زيمبابوي: إنه يتعين على رئيس البلاد، روبرت موجابي، أن يتنحى بحلول ظهر الاثنين الماضى، أو تبدأ إجراءات سحب الثقة منه. كما قال مسئول فى «الحزب الحاكم» إن جريس موجابى ستخضع للمحاكمة إلى جانب آخرين، فى البلاد؛ حيث يتهمها الحزب «بالدعوة إلى الكراهية والانقسام والاضطلاع بأدوار وصلاحيات ليست مخولة بها»- حسب صحيفة «إندبندنت» البريطانية.
كما ذكرت الصحيفة أن وزير داخلية زيمبابوى أوبيرت مابوفو، الذى ترأس اجتماع اللجنة المركزية للحزب الحاكم الأحد الماضى- وقرر فيه عزل موجابى من قيادة الحزب - قال إن زوجة موجابى وأعوانها المقربين استغلوا حالة موجابى الواهنة وأَسَاءُوا استخدام موارد البلاد.
أجمع دبلوماسيون، على أنه قد آن الأوان لرحيل الرئيس روبرت موجابي، لافتين إلى أن المجتمع الدولي، يتعمد تجاهل الأحداث الدائرة هناك، للسماح بتغيير النظام الحالي. واستبعد السفير محمد المنيسي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن يتنحى موجابى الذى حكم بلاده طوال ٣٧ عاما بسلطات مطلقة، متوقعا أن تتم إقالته رغما عنه، وقال المنيسي: «استقالة موجابى قد تكون حلا ملائما للوضع الراهن فى زيمبابوي، لتجنيب بلاده المقاطعة والعقوبات الدولية والإفريقية المتوقعة فى حالة الانقلابات العسكرية»، متوقعا أن يبادر الاتحاد الإفريقى بفرض عقوبات على زيمبابوى.
وأضاف المنيسى أنه غير متزن عقليا، مرجحا أنه لن يستقيل. وحول موقف المجتمع الدولى من الأحداث الدائرة فى زيمبابوى أوضح المنيسي، أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، تفضل حالة عدم الاستقرار فى تلك المنطقة من العالم، مضيفا أن الولايات المتحدة هى من يتبع السياسات الخارجية لبريطانيا هناك وليس العكس، خاصة أن بريطانيا لديها نفوذ كبير داخل منطقة شرق وجنوب إفريقيا، لافتا إلى أن الدول الإفريقية على قناعة بأنه آن الأوان لرحيل موجابي.
ولفت الدكتور أيمن شبانة خبير العلاقات الإفريقية، إلى أن الجيش فى زيمبابوى، انتهز فرصة الأزمة السياسية التى حدثت بين موجابى ونائبه المقال، من أجل الانقضاض على السلطة، بدعوى التحكيم بين الفرقاء السياسيين، لوقف بعض الممارسات داخل الحزب الحاكم، كذلك للتخلص من بعض أنصار موجابي، متوقعا استمرار الجيش فى السلطة.

التضخم والتخلى عن العملة المحلية.. أبرز ملامح انهيار الاقتصاد فى عهده
قبل ٣٧ عاما، ورث روبرت موجابى اقتصادا متنوعا بشكل جيد مع إمكانية أن يصبح واحدا من أفضل اقتصادات إفريقيا فى جنوب الصحراء الكبرى، واليوم، يعتبر الاقتصاد فى زيمبابوى على حافة الهاوية، حيث تقلص نصيب الفرد من الدخل الحقيقى بنسبة ١٥ ٪ منذ عام ١٩٨٠. هكذا كان التقرير الذى أبرزته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، بعد أن تنحى الديكتاتور الزيمبابوى عن سدة الحكم. وقال ويلشمان نكوبي، رجل الأعمال والسياسى البارز المعارض فى زيمبابوي، إن الاقتصاد فى وضع سيئ جدا وأن الأزمة الاقتصادية وصعوبة الحكومة فى دفع أموال الجنود والموظفين المدنيين هى السبب فيما حدث ضد موجابي.
وكانت طوابير سحب الدولار الثمين من أجهزة الصراف الآلى بعد ساعات من تدخل الجيش الأسبوع الماضى فقط أحدث كانت مثال على الحاجة إلى العملة الصعبة، ما يعكس الصعوبات الاقتصادية التى تعود لسنوات فى البلاد. وفى عام ٢٠٠٩، اضطرت زيمبابوى إلى التخلى عن عملتها، التى ارتفعت فى جحيم التضخم المفرط، واعتمدت الدولار كوسيلة رئيسية للتبادل. واستقرت البلاد على الدولار ما أدى إلى انتعاش مبدئى بنسبة ٤٠ ٪، ورغم أنها ظلت مستقرة منذ ذلك الحين، ومع عدم وجود عملة محلية، أصبح عرض النقود يعتمد اعتمادا كليا على تدفقات الدولارات، الأمر الذى حرم السلطات من السيطرة على السياسة النقدية. وفى خطوة يائسة لإدخال السيولة، أدخلت الحكومة «سندات» فى عام ٢٠١٦، وكانت هذه العملات مدعومة من الناحية النظرية بالعملة الصعبة ولكنها تدهورت بسرعة من حيث القيمة. وارتفع عرض النقود بنسبة ٣٦٪ فى العام الماضى وانخفضت المذكرات بنسبة ٨٠ ٪ فى السوق الموازية، ما يهدد بارتفاع التضخم. وبمعدلات سنوية، يبلغ معدل التضخم أكثر من ١٤ ٪، ويبلغ العجز فى الميزانية ١٢ ٪ من الناتج المحلى الإجمالي. وعلى الرغم من إعانات التصدير البالغة ١٧٥ مليون دولار، فإن العجز التجارى يتجاوز ١٠ ٪ من الناتج المحلى الإجمالي، وفى مرحلة ما، من المرجح أن تضطر الإدارة الجديدة - أيا كان شكلها - إلى إعادة إدخال عملة محلية مع عواقب مؤلمة.
على الرغم من أنه فى الأيام الأولى بعد الاستقلال كانت حكومة موجابى ملتزمة نظريا بالماركسية اللينينية، فإنها لم تستمر فيه، وأنشأت عددا كبيرا من الشركات المملوكة للدولة، وكلها تقريبا مفلسة اليوم. وضاعفت الحكومة مشاكلها من خلال رفض المستثمرين الأجانب والاقتراض بشكل كبير، وذلك جزئيا لتوسيع الخدمات الاجتماعية، وخاصة التعليم.
وبحلول أوائل التسعينيات، فى أعقاب انهيار الإمبراطورية السوفيتية، كان موجابى مترددا من قبل البنك الدولى والمانحين الغربيين فى برنامج التكيف الهيكلى الذى تم تصميمه بشكل ضعيف وبطريقة غير سليمة. ويعتقد مصمموها أن تحرير السوق والتحرير المالي، بالإضافة إلى إصلاح الخدمة المدنية والمؤسسات العامة، من شأنه أن يدفع النمو الاقتصادي، مع كون الصناعة التحويلية القطاع الرائد.

«منانجاجوا» «التمساح» سيئ السمعة
إيمرسون منانجاجوا، اختاره جنرالات زيمبابوى لرئاسة البلاد بعدما يتم الإطاحة بالرئيس روبرت موجابى من الحكم، بعد مطالبات بالإطاحة بالأخير الذى تولى الرئاسة فى عام ١٩٨٧.
منانجاجوا ولقبه «التمساح»، يبلغ من العمر ٧٥ عاما، وهو من قدامى المحاربين فى زيمبابوي، الذين شاركوا فى الحرب التى اندلعت فى سبعينيات القرن الماضي.
يعرف عن منانجاجوا أنه «سيئ السمعة»، ويخافون منه كثيرا فى زيمبابوي، خاصة إثر قيادته حملة شرسة ضد معارضين فى الثمانينيات، بمساعدة لواء الجيش الخامس المُدرب فى كوريا الشمالية، ولقى آلاف المدنيين مصرعهم خلال الحملة، بيد أن منانجاجوا نفى تورطه فى تلك الحملة.
وللتمساح سمعة سيئة، فيعرف عنه قيادة سيارته فى جميع أنحاء البلاد دون حراسة أمنية.
طوابير سحب الدولار الثمين من أجهزة الصراف الآلى بعد ساعات من تدخل الجيش الأسبوع الماضى فقط كانت أحدث مثال على الحاجة إلى العملة الصعبة، ما يعكس الصعوبات الاقتصادية التى تعود لسنوات فى البلاد

حصل على 7 شهادات جامعية وقاد جيش تحرير بلاده
روبرت موجابى رئيس زيمبابوى الذى تم الانقلاب عليه من جيش بلاده وفرضت عليه الإقامة الجبرية، درس فترة قصيرة فى جامعة فورت هير فى جنوب إفريقيا وتخرج فيها عام ١٩٥١، وقابل أثناء دراسته عددا من الزعماء الأفارقة الذين كان لهم شأن فى وقت لاحق فى تاريخ هذه القارة، ومنهم جوليوس نيريري، وهربرت شيتيبو وروبرت سوبوكوي، وكينيث كاوندا.
تابع موجابى دراساته العليا فى درايفونتين عام ١٩٥٢، وساللسبيرى عام ١٩٥٣، وجويلو عام ١٩٥٤، وتنزانيا من عام ١٩٥٥ حتى عام ١٩٥٧، وفى وقت لاحق التحق موجابى بأكاديمية أتشيموتا، والمعروفة حالية باسم مدرسة أتشيموتا الثانوية، وتقع فى أكرا عاصمة غانا، واستمر فى الدراسة هناك منذ عام ١٩٥٨ حتى عام ١٩٦٠.
حصل موجابى على ٨ شهادات جامعية تتراوح بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بينما كانت التخصصات التى يحب دراستها هى التربية، والاقتصاد، وحصل على بعض هذه الشهادات من جامعات لندن وجنوب إفريقيا بواسطة التعليم عن بعد، كما حصل روبرت موجابى على العديد من الدرجات الجامعية الفخرية من عدة جامعات عالمية.
عاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه عام ١٩٦٠، والتحق بالحزب الديمقراطى القومي، الذى أصبح فيما بعد حركة «اتحاد شعب زيمبابوى الإفريقى» وحظر الحزب والحركة بمعرفة حكومة إيان سميث.
فى ١٩٦٤ اعتقلت السلطات البريطانية الزعماء الأفارقة فى روديسيا بمن فيهم روبرت موجابى وجوشوا نكومو وإيدسون زفوبجو وظلوا فى السجن مدة طويلة اقتربت من السنوات العشر، وفى هذه الأثناء بدأ موجابى تعلم القانون.
عام ١٩٧٤ أطلق سراحه، وترك موجابى روديسيا وتوجه إلى موزمبيق وتولى بنفسه قيادة جيش زانو الذى تموله الصين والمعروف باسم جيش التحرير الزيمبابوى الإفريقى القومي.
فاز بالانتخابات ورأس أول حكومة لبلاده فى ٤ مارس ١٩٨٠ حتى عام ١٩٨٧، ومنذ ذلك الوقت تولى موجابى الرئاسة وحتى الآن.