الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ما الذى جعل الإنسان يصنع حضارة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك سؤال يلح علينا جميعا ما الذى جعل الإنسان يصنع حضارة؟ ما الذى جعله يتمسك بالحياة وهو وحيد بلا سلاح والمخاطر من الحيوانات المتوحشة والأعاصير والزلازل والفيضانات تحيط به؟ والعجيب أنه لم يندثر لكنه بقى وصنع حضارة وقهر الموت ليتأخر فى النيل منه من سن العشرين فى الحضارة الفرعونية إلى ما فوق المائة فى حضارتنا الحالية والبقية تأتى. المفتاح هنا كان «الوعى بالذات» فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذى قال (أنا) حتى قبل اختراعه للغة ونطقها وهذا الوعى بالذات دعاه للوعى بكرامته الإنسانية والكرامة الإنسانية دعت الإنسان أن يحقق معنى أو قيمة فى حياته فلم يكن هدف الإنسان- كما يقول- البعض أن يحافظ على حياته ويصونها من الموت فالحيوانات تفعل ذلك لكن الهدف الحقيقى الذى وعاه الإنسان منذ وجوده على الأرض هو تعريض حياته للخطر من أجل رغبته فى تحقيق معنى للحياة التى يحياها وهكذا يصبح هو فى ذاته قيمة معترفا بها، لقد شعر الإنسان بمخاطر تهدد كيانه من هنا اكتشف أن هناك روحا فى داخله تدفعه لهزيمة الضعف والمرض والموت والهزيمة. من هنا ارتهنت علاقة الإنسان بالوجود على أمرين جراءة الحقيقة «واقعه- ضعفه- المخاطر المحيطة... إلخ» من جانب والاعتقاد مع الإحساس بقوة أن هناك روحا داخله تدفعه لمحاربة الموت بكل أشكاله وأنواعه ودرجاته؛ كان الصراع وما زال محتدما بين سيدين الإنسان والموت والسيد الأول (الإنسان) عاش على مدى الأجيال يحاول هزيمة السيد الثانى ونجح فى أن يجعله يتراجع حيث يموت الأفراد لكن يبقى الإنسان كنوع خالد يبنى حضارة إنسانية مذهلة متراكمة وهكذا انتصر الإنسان على قلق الموت بإنجازاته وأدبياته التى تبقى ويضاف إليها بعد الموت. هذه الإنجازات كانت وما زالت تحرره شيئا فشيئا. من هنا جاءت دعوات للموت ودعوات للحياة دعوات الموت تنادى بأن الموت نهاية طبيعية للإنسان فليتوقف عن الإنجاز لأنه سيتم تدمير العالم والمسكونة بطريقة أو أخرى وبالطبع تأتى هذه الدعوة من البشر غير المتحضرين وغير المنجزين الذين هزم الموت أرواحهم لأنه يخلصهم من حياة بلا معنى أو قيمة أو إنجاز يحيون لأجله لكن هناك دعوات للحياة من أولئك الذين أبدعوا وأنجزوا وخدموا مجتمعاتهم والإنسانية وكانت دعوة السيد المسيح من أبدعها وأجملها حيث قال لأتباعه: «أتيت لتكون لكم حياة وليكن لكم أفضل حياة» إنها إرادة الحياة وإرادة جعلها أفضل دائما، وليس إرادة الموت ومحبته، من هنا يستكمل الإنسان صراعه مع الموت صراع السيد والعبد والسؤال من السيد ومن العبد؟ السيد هو الذى يجعل الموت عبدا له هو الإنسان صاحب ثقافة الحياة والإنجاز والعكس صحيح وعندما يأتى الوقت الذى فيه ينتصر الإنسان نهائيا بفعل الروح التى أعطته القدرة على المواجهة يختفى الموت نهائيا أيضا وهكذا ندرك معنى الأبدية.