الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد الشريف مستغانمي.. الأديب المناضل

أحلام تبكي على قبر
أحلام تبكي على قبر والدها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"كوزموبوليتان"، ذلك المصطلح الذي يطلق على البلدان المتعددة الثقافات، مثلًا يطلق على الإسكندرية وغيرها، كذلك الجزائر التي خرج منها أعلام الثقافة والفنون في العالم على رأسهم، ابنة وهران "إديث بياف" صوت القرن العشرين، و"ألبير كامو" أديب نوبل، وغيرهم الكثير، كما انطلقت صرخة "جميلة بو حيرد" ضد الغزو الفرنسي الذي نهب ثروات الجزائر، وزور هويتهم، كذلك "مفدي زكرياء"، والشهيد "على معاشي" الذي غنى للجزائر فأعدمه الفرنسيون.
ومن هؤلاء العظماء كان "محمد الشريف مستغانمي"، الدبلوماسي الأديب المثقف، ابن مدينة "قسنطينة"، الذي تقلد عدة وظائف سامية في الدولة الجزائرية، كان مثالًا للمثقف الكلاسيكي، طالما راودته أحلام التحرر والجمال والحياة، إنها "أحلام" من وهبها حبًا فوهبته لعابري السرير، وذاكري الجسد.
على حجر أبيها تربت "أحلام"، كان "محمد الشريف" الذي ولد بالجزائر عام 1918، وصار أحد أعلام بلده المستعمر ثقافيًا، محتفظًا بهويته الجزائرية تقلد عدة مناصب سامية في الدولة الجزائرية كما كان له عدة إنجازات أدبية.
قارئًا ذا ميول كلاسيكيّة كان محمد الشريف، قد قرأ لـ "فيكتور هوجو"، "فولتير"، "جان جاك روسو"، كانت له القدرة على سرد الكثير من القصص عن مدينته الأصليّة مسقط رأسه "قسنطينة" مع إدماج عنصر الوطنيّة وتاريخ الجزائر في كلّ حوار يخوضه، وذلك بفصاحة فرنسيّة وخطابة نادرة.
لم تمر أيامه كلها رائعة، بل عرف السجون الفرنسية الغاشمة لاشتراكه في مظاهرات 8 مايو عام 1945، وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلديّة، ومع ذلك فإنّه يعتبر محظوظًا إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات)، وأصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسيّة، بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري، الذي أدى إلى ولادة ما هو أكثر أهميّة، حزب جبهة التحرير الوطني FLN".
فقد "محمد الشريف" إخوته جميعًا بعدما قتلتهم سلطات الاحتلال الفرنسي، فهو الناجي الوحيد من عائلة مستغانمي، لم تكن أسرة مستغانمي فقط هي من فقدت أفرادها، بل كانت نكبة على الجزائريين جميعًا، ومن يومها أصبحت "بلد المليون شهيد".
هاجر "محمد الشريف" إلى تونس، هناك ولدت "أحلام"، ولكي تعيش أسرته، اضطر للعمل كمدرّس للّغة الفرنسيّة، لأنّه لا يملك تأهيلًا غير تلك اللّغة، لذلك عانى كثيرًا لتتعلَّم ابنته اللغة العربيّة التي مُنع هو من تعلمها، وبالإضافة إلى عمله، ناضل محمد الشريف في حزب الدستور التونسي (منزل تميم) محافظًا بذلك على نشاطه النضالي المغاربيّ ضد الاستعمار.
عندما اندلعت الثورة الجزائرية في أول نوفمبر 1954 كان أبناء إخوته "عز الدين" و"بديعة" من أهم رموز الحركة الطلابية في الثورة، ويعود محمد الشريف إلى وطنه الجزائر، حيث مسقط رأسه قسنطينة، مصطحبًا صغيرته "أحلام".
في أول نوفمبر من عام 1992، احتفل "محمد الشريف مستغانمي" بعيد الثورة في قبره لأول ليلة له، رحل عن عالمنا تاركًا ميراثًا ضخمًا من الثقافة، والأدب والرقي، ومخلفًا لنا إحدى رموز الأدب والرقي في الوطن العربي، "أحلام محمد الشريف مستغانمي".