الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جريمة القرن في كندا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يمكن أن تحدث جريمة مروعة نالت جيلًا كاملًا فى كندا؟ هذا ما حدث فى القرن الماضي، ضمن ما عبرت عنه «مارشيا براون مارتل» وهى زعيمة من السكان الأصليين، بعبارة «سرقة الأطفال»! ولكن ما الذى حدث بالضبط؟ أنا شخصيًا فوجئت حين روت لى ابنتى القصة، وهى محامية متخصصة فى قضايا حقوق الإنسان.
وأيام الصيف فى كندا خاطفة قصيرة، ولذا يهرع ساكنو مونتريال إلى التنزه على ضفاف البحيرات المتوزعة على طول خريطة البلاد، فثلث المياه الحلوة على الأرض مكانها كندا. ولولا البرد لكانت كندا جنة الأرض باجتماع الطبيعة والنظافة والمجتمع المنظم العادل. وقد أخذتنى ابنتى إلى منطقة غنّاء هى «برومونت» وعندما عبرنا جسر «أونور ميرسي» فوق نهر «سان لوران» جنوبًا إلى منطقة «كاناواكي» وأشارت بيدها قائلة: هذه هى منطقة الهنود الحمر! إنها تسمية غير دقيقة، أليس كذلك؟ فلا علاقة لهم بالهند، وقد نالوا لعنة اكتشاف أمريكا، ولكن كيف يحدث ظلم بحجم الجبال فى الأرض الكندية فى دولة تعتبر فى سقف العالم؟ ففيها يسبح الناس فى بحيرة من الرفاهية، ويتركون بيوتهم مفتوحة للأمن الذى يسود؟
وما حدث كان جريمة قرن لكندا لا تليق بها، ولكن كما يقول الفيلسوف «رينيه ديكارت»: إن أعظم النفوس نبلًا يمكن أن ترتكب أفظع الرذائل! فقد تمت فى ستينيات القرن الماضى مصادرة أطفال الهنود الحمر من السكان الأصليين بعشرات الآلاف، واستمرت قبل ذلك فترة طويلة ربما امتدت على مدى ١٥٠ عامًا، وربما تم حجز أكثر من ١٠٠ ألف طفل من عائلاتهم قسرًا، ولكن أشدها وأقساها وأقبحها كان فى ستينيات القرن العشرين، واستمرت حتى ثمانينيات القرن العشرين!
لماذا؟ قال المشرفون على الجريمة إن هؤلاء همج يجب إدخالهم حظيرة الحضارة! وهكذا تم أخذ الأطفال عنوة من أهاليهم وإدخالهم إلى مدارس خاصة بإشراف الكنيسة، ليفقدوا ثقافتهم ولغتهم وكل ما ينتسب لأمتهم بصلة، حتى إذا رجعوا أصبحوا مثل الغراب الذى أراد تقليد مشية البط، فلا حافظ على مشيته، ولا الجديد اكتسب.
هذه القضية أخذت عمقًا فى ضمير الكنديين، وانتهت بلجنة الاعتراف والمصالحة، وتعويض المتضررين بمبلغ ٨٠٠ مليون دولار كندي، على أن تدرس الحالات فيدفع لكل متضرر ٢٥ ألف دولار، فإذا بلغ عدد المتضررين أقل من عشرين ألف حالة، رفع المبلغ للفرد الواحد إلى ٥٠ ألف دولار. وأهمية هذا الاعتراف والتعويض، الرمزية العميقة، ألا يسود ظلم، أو يستمر أى ضيم، بل تتم مراجعة الأخطاء وتصحيحها، ولو كانت من آباء مقدّرين، رسموا الخطوط الأولى لمثل هذه الكوارث بغطاء من إدخال الأطفال الهمج إلى حظيرة الحضارة!
وقد أعلنت وزيرة السكان الأصليين «كارولين بنيت» فى أوتاوا إغلاق ملف القضية، وإسدال الستار على فصل أسود فى تاريخ كندا من خطف الأولاد، وأضافت أن اللغة والثقافة والاعتذار والشفاء هى عناصر أساسية للبدء فى تصحيح خطأ ذلك الفصل المظلم والمؤلم. وكعادة الزعيم الكندى جاستن ترودو فقد قدم اعتذار الحكومة الكندية عن جريمة القرن، وجاء الاعتذار مع عيد الشكر الكندى لهذا العام ٢٠١٧، وتم الإعلان عن المكافأة المالية لأولئك الذين نالهم الحيف والضيم.
إن عدد السكان من الهنود الحمر من «الأمم الأولى» و«الإينويت» نحو ١.٤ مليون نسمة، ولكنهم مطوقون بظلمات من الجهل والفقر والإدمان ومتوسط عمر أقل، واستفحال الجريمة أكبر فى أوساطهم.
تحاول كندا إضفاء العدالة على وجهها، فقامت بأمور رمزية ومادية، منها تخليد ذكر السكان الأصليين بصورة على الصفحة الأولى من جواز السفر الكندي، والإعفاء من الضرائب فى محمياتهم، وهو هاجس لكل ساكن كندي، ربما فقط الهواء الذى يتنفس ليس فيه ضريبة! ولكن الضرائب لتوفير الخدمات للمواطنين بأجود المعايير والمستويات.
نقلا عن «الاتحاد»