السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا المصالحة الموءودة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يخلو الحال من دعوات لإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان، ينادى بها المنادون، بعضهم يترك النداء مطلقا دون آلية، وقلة يرفقون دعواتهم بأطرٍ تتضمن آليات تلك المصالحة، والاثنان لا يُجيبان على تساؤلات مهمة حول تلك الدعوات، التى لا نعلم نية الداعين إليها، فالنوايا لا يعلمها إلا الله.
أهم تلك الأسئلة، التى يجب أن تُطرح ويُجاب عليها إجابات شافية كافية ضامنة، هل المصالحة هنا خاصة بالدولة كمؤسسات فقط أم أن المجتمع أيضا سيشارك فيها؟، لا سيما أن المجتمع المتضرر الأول والأكبر من الفكر المتطرف، الذى أوجد فى أُسر كثيرة مكانا خاويا أسفل صورة لشهيد عزيز فقدته تلك الأسرة؟
هل تعنى المصالحة تراجع الجماعات عن أفكارها التى يعود بعضها إلى ٨٩ عامًا، فاحتواء جماعة مثل «الإخوان» أمر من البساطة مكان، لا سيما لما تتمتع به تلك الجماعة القدرة على العيش تحت أى ظرف ووفق أى شروط، لكن السؤال الجوهرى، صعب الإجابة، ما المنتظر من تلك المصالحة؟!
هل تعنى المصالحة وقف نزيف الدماء السائلة فى سيناء؟، هل تعنى انخراطًا كاملًا من «الإخوان» فى المجتمع والاشتراك فى الفعاليات السياسية والاجتماعية؟، هل المصالحة المقصودة هى عودة الابن الضال عن ضلاله وذنوبه وتكفيره للمجتمع وفقًا لآليات يرتضيها المجتمع؟
تلك الأمور تعود بنا إلى ماضٍ قريب، حينما احتضنت الدولة كل الاتجاهات والأطياف السياسية بما فيها الجماعات الإسلامية، شارك «الإخوان» فى الحياة السياسية، ومنح الرئيس الشهيد - قتلته الجماعات نفسها التى أطلق سراحها وأعطى أكبر مساحة حرية- تصريحا لعمر التلمسانى، مرشد الإخوان وقتها تصريح بالعمل والدعوة، كما انخرج الإخوان فى عهد الرئيس الأسبق مبارك فى كل مناحى العمل الاجتماعى والدعوى والسياسى وكان لهم تمثيل لا بأس به فى مجلس الشعب.
الفكر أحد أوجه إنتاجات العقيدة، والأيدلويجية شكل صلب لها، تكون سببا فى حمل صاحبها للسلاح فى وجه الدولة والمجتمع، وارتداء الأحزمة الناسفة، وتنفيذ عمليات انتحارية هدفها تنفيذ التنظيم، التى لحسن الحظ، رغم سيل الدماء أنهارًا منذ اغتيال السادات رحمه الله، لم تُنفذ تلك الأهداف، ولم تتعد آثار تلك العمليات إلا الإعلان عن العملية وتبنيها.
ماذا عن المراجعات؟!.. إن كان هناك نية لها، فلا بد لها أن تحدث من خارج السجن عبر أهل الثقة والعلم، بعيدا عن المنابر الرسمية، فحدوث المراجعات من داخل السجن، يوصمها بأنها جاءت عبر إكراه – وهو أمر لم يحدث فى مراجعات الجماعة الإسلامية بالسجون التى جاءت فى بدايتها من طرف واحد وكانت الدولة ترفضها-، ولا تخلو المراجعات من الخارج من نعتها بأنها من صناعة الدولة وأجهزتها، ذلك هو المأذق الحقيقى لمتبنى دعوات المراجعات.
فلا بد للمراجعات إن حدثت، أن تكون نابعة من أبناء التنظيمات، بكامل رغبتها، على ضوء دراسة نتائج حركتهم خلال عقود من الزمن، وعبر تقييم مبنى على سؤال، هل نجحت أى من تلك الحركات فى التقدم خطوة للأمام، وهل الانضمام لها منح المنضمون شهادة قرب من الله وشهادة إلى عبور الصراط إلى الجنة؟، أم دماء وصراعات عانت منها الدولة والمجتمع كما عانى منها أعضاء تلك الجماعات.
المراجعة الوحيدة، التى حققت نتائجها بشكل كامل كانت مراجعة استراتيجية – كهدف فى ذاته وبصفة دائمة- وليست مراجعات تكتيكية – مؤقتة هدفها الخروج من مأزق وضعت فيه الجماعة نفسها لفشلها فى صراعها مع الدولة ما كانت لتدخل فى تلك المراجعة لو كانت نجحت فى مساعيها- كانت من جماعة التكفير والهجرة، وكانت نابعة من أحد أبرز عناصرها وهو رجب مدكور فى كتابه «التكفير وجها لوجه» عكس مراجعات الجماعة الإسلامية والجهاد، التى كانت تكتيكية بهدف الخروج من مأزق السجن الذى وضعت فيه الجماعات نفسها.
أى مراجعة يثقلها قيدا كبيرا هو حق «الدم»، الذى سال بسبب تلك الجماعات، وأى مراجعة حقيقية، يجب أن تنبع من الداخل عن إيمان بعقيدة التغيير التى لا يفرضها ظرف أو فشل فى مسعى حتى تصبح مراجعات استراتيجية وليست تكتيكية.
والأهم.. الجماعات والتيارات الإسلامية متعددة ولديها غلو فى مسائل التكفير والاستحلال، فإذا لم يكن فى ٣٠ يونيو من ثورة، واستمرت جماعة الإخوان فى الحكم، ماذا عن موقفها من تلك الجماعات الإسلامية التى تخالفها فى العقيدة، هل كانت قضت عليها أم تركتها تعمل بحرية، أم استخدمتها لتحقيق أهدافها، الأرجح من تاريخ «الإخوان» أنها كانت استغلت تلك الجماعات وتحالفت معها لتحقيق أهدافها «أهداف الإخوان» فالجماعة الأم ناجحة فى استغلال الجماعات الأخرى.. الأمور التى تجعل أى مصالحة حاليا أو حتى فى المستقبل القريب أو البعيد مصالحة «موؤدة».