الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تطوير منظومة التعليم ما قبل الجامعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشعر بإشفاق وتعاطف كبير مع الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، أشعر أيضًا بخوف شديد على الرجل، مبعث هذه المشاعر المختلطة، إقدام الرجل على طرح خطة طموحة جريئة لتطوير منظومة التعليم ما قبل الجامعي، كمرحلة أولى يتبعها استكمال تطوير منظومة التعليم في مصر أو هكذا يقول!
أهم ما تضمنته خطة التطوير التي يطرحها الدكتور طارق، كما يقول، إعداد وتهيئة المعلم ليكون قادرا على التفاعل مع خطة التطوير وإدراك عناصرها جيدا واحتراف تطبيقها، وتضمنت الخطة أيضًا تنقية المناهج التعليمية من الحشو ومن المعلومات التي تعتمد على الحفظ فقط دون الفهم كوسيلة للتحصيل العلمي، بما لا يسهم في تشكيل وجدان وشخصية التلميذ تشكيلا سليما وتحد من إطلاق قدرات التفكير والإبداع، كما تشمل الخطة كذلك الاستغناء التدريجي عن الكتاب المطبوع على مدى زمني ثلاث سنوات، واستبداله بقاعدة معلومات ضخمة ووضعت على موقع إلكتروني أطلق عليه «بنك المعرفة» يشمل ملايين المعارف والعلوم، خطة التطوير تشمل كذلك الغاء نظام الثانوية العامة الحالي ونظام القبول بالجامعات عبر مكتب التنسيق، وجعل المرجعية الأساس فى مرحلة التعليم ما قبل الجامعى هي رغبات الطالب وميوله، سواء في اختيار المواد والمعارف التي يرغب في تعلمها ودراستها، أو في مجال الدراسة الجامعية، إضافة إلى اعتبار حضور وتفاعل الطالب في الفصل الدراسي عنصرا أساسيا في تقييمه خلال سنوات الدراسة في المرحلة الثانوية، ويمنح الدرجات التي يستحقها بشكل تراكمي على مدى سنوات الدراسة الثلاث، والمقترح الأهم الذي تصمنته خطة تطوير التعليم، هو اعتبار شهادة الثانوية العامة نهاية مرحلة وصالحة لمدة خمس سنوات، ما يعني بحسب الخطة، أن شهادة الثانوية العامة سوف تعتبر مسوغا للدخول لسوق العمل، كما أنها يمكن أن تكون بمثابة حجز مكان بالمرحلة الجامعية لمدة خمس سنوات يستطيع الخريج العودة للجامعة في أي وقت يختاره خلال فترة صلاحية الشهادة. 
الحقيقة.. إن الخطة التي يطرحها الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم للتطوير، خطة أكثر من رائعة وللوهلة الأولى تبدو في عناصرها الرئيسية مماثلة وربما مطابقة لنظم التعليم في أكثر الدول تقدمًا.
ولكن.. وآه من كلمة لكن، التي غالبًا تقف حجر عثرة في سبيل أي تطور أو تحديث يحتاجه مجتمعنا وبشدة. 
ولكن خطة التطوير خلت من أي آليات ملموسة تضمن القدر المناسب من النجاح، فالخطة التي تعتمد على المعلم كعنصر أساسي في التطوير، ورغم أنها نصت على إعداد وتهيئة المعلم مهنيا، إلا أنها خلت من تصور واضح لكيفية تحقيق اكتفاء مادي ذاتي للمعلم يمكنه من تلبية كل احتياجاته المعيشية، بعدما ستنتهى ظاهرة الدروس الخصوصية التي تهدف الخطة إلى القضاء عليها تمامًا، وخلت الخطة أيضًا من أي حلول واقعية تنهي المشاكل المتعلقة بالنقص الحاد في عدد الفصول الدراسية، التي نجم عنها التكدس في بعض الفصول في العديد من المحافظات، خاصة المحافظات الريفية والمترامية الأطراف، ونجم عنها أيضًا تعدد الفترات الدراسية في مدارس أخرى. وربما تسهم قراءة مؤيدة بالأرقام الموثقة في تجسيد حجم المشكلات المتعلقة بالمعلمين وبالمدارس، فلدينا ما يتجاوز المليون وسبعمائة ألف معلم، إضافة إلى عشرات الآلاف من المعلمين غير المعينين أو المؤقتين، غالبيتهم، إن لم يكن كلهم، لا يحصلون على عوائد مادية تحقق لهم القدر المناسب من تلبية احتياجات المعيشة، أيضًا لدينا عجز في عدد الفصول الدراسية يقدر بـ ١٥٥ ألف فصل دراسي، هذه المشكلات الضخمة لا يمكن أن تلبيها ميزانية وزارة التربية والتعليم التي لا تتجاوز ١٠٠ مليار جنيه سنويا، الجانب الأكبر منها يخصص للأجور والرواتب والباقي وهو في حدود ربع الميزانية مخصص لباقي عناصر العملية التعليمية بما فيها صيانة الأبنية وتحديث المعامل والأنشطة وغيرها من المستلزمات الأساسية للعملية التعليمية.
أشير إلى أن القراءة الناقدة لخطة التطوير التي يطرحها وزير التربية والتعليم لا تعني أبدا رفض التطوير والسعي إلى الارتقاء بجودة التعليم، ولكن الأمر، كما أرى، يحتاج إلى دراسة متأنية تعتمد على معلومات حقيقية تعبر عن الواقع، مشمولة بسبل لتدبير الإمكانيات المادية اللازمة، أو بالتدرج في تنفيذ هذه الخطة، بشكل أو بآخر.. فما لا يدرك كله لا يترك كله.