الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عصر حقوق الإنسان «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُعد مفهوم «حقوق الإنسان» جزءًا جوهريًا من الوعى المعاصر، حيث شغل حيزًا واسعًا من الاهتمام العالمى والإعلامى حتى أصبح من أهم دعائم النظام العالمى الجديد، ومحورًا أساسيًا للثقافة التنويرية ولدراسات إنسانية شتى.
وقد راقب الضمير العالمى باهتمام كبير هذا المفهوم فى كل المجالات السياسية والوطنية، لما لعبته الأفكار السياسية والمذاهب الفلسفية والنظريات الاجتماعية من دور بالغ الأهمية فى صراع الإنسانية ضد الاستبداد وبذل المحاولات الجادة لإرساء قواعد فعالة لحقوق الإنسان، لذلك اعتبر موضوع حقوق الإنسان حديث المحافل الدولية، والمحور الذى تدور حوله العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية. ويرجع الفضل الكبير فى هذا الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان إلى الإدراك الدولى للقيمة الكبرى لآدمية الكائن البشرى والحفاظ على كرامته. 
لكن مفهوم «حقوق الإنسان» يضرب بجذوره البعيدة فى الفكر القديم، وفكر العصور الوسطى لدى مختلف الديانات والمذاهب التى شهدت تبلور اتجاهات فكرية ذات نزعة إنسانية، إلا أن النشأة الحقيقية لهذا المفهوم ارتبطت بالتحولات التاريخية والفكرية التى حدثت فى أوروبا منذ عصور النهضة، والتى بلغت ذروتها فى القرن الثامن عشر فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وربما كانت الروافد الفلسفية لحقوق الإنسان هى الاعتراف بوجود حقوق خاصة بالإنسانية وهى الحقوق التى طورتها مدرسة «الحق الطبيعى» باتجاهاتها المتعددة، والتى انتهت إلى الاعتراف بحقوق أساسية للإنسان، كحق التملك، وحق الحياة وحق الاعتقاد.. وغيرها، كما أرجعت هذه الحقوق إلى الطبيعة البشرية ذاتها بوصفها حقوقًا ذاتية وبجانب مدرسة «الحق الطبيعي» بلورت الفلسفة السياسية الحديثة مفهومًا واسعًا للحرية باعتبارها ميزة جوهرية للإنسان، كما طورت فكرة «التعاقد» التى هى حجر الزاوية فى التصور الحديث لنشوء المجتمع، ونشوء الدولة، ونشوء نظام السلطة وهكذا، فإن مفهوم «حقوق الإنسان» ليس مفهوما منعزلًا بل هو جزء أساسى من الفكر السياسى الحديث المتمثل فى الديمقراطية، والتعاقد، والشرعية الانتخابية، وحقوق الإنسان بقسميها: (الحريات أو الحقوق السياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية).
إن مفهوم «حقوق الإنسان» كان وما زال الشغل الشاغل لبنى البشرية منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، وسوف تظل المسألة الجوهرية طالما يكمن فى هذا الوجود صراع بين قوى الشر وقوى الخير، بين قوى الظلم وقوى العدل، بين قوى المساواة وقوى العنصرية، بين قوى النفى وقوى الإثبات، وهذا يؤكد قولنا إن مسألة «حقوق الإنسان» من مكونات وجود الإنسان نفسه، لأن وجوده لا ينفصل عن وجود التناقض والتضاد والصراع بينه وبين ذاته من جانب وبين أبناء البشرية جميعًا من جانب آخر، فأينما وُجد الإنسان وجدت معه مقومات الحقوق التى تستجيب لفطرته وتلبى احتياجاته، وتردع منتهك حرياته وعدالة علاقاته، لذلك كانت الأفكار المتصلة بهذه الحقوق محل اختلاف فى المفاهيم لدى كل من الفلاسفة وعلماء الاجتماع ومفكرى السياسة.