رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقولا حداد.. ألف.. باء الاشتراكية المصرية «10»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لكن نقولا حداد يأبى إلا أن يعاندنا فبعد أن نكتشف كنوزا تكشف عن توجهات تقترب جدا من الفكر الماركسى ومن الدفاع عن الطبقة العاملة وجماهير الكادحين إذا به ينقلب على ذلك كله متوجها إلى حديث مختلف فهو يتحدث عن الطبقة الوسطى بإعجاب شديد قائلا «الطبقة الوسطى تمتنع عن الاقتداء بالطبقة العليا ليس من قبيل التوفير أو عدم القدرة المالية، وإنما تمتنع الطبقة الوسطى عن هذا الانغماس لأنها تتمسك بالقيمة الأدبية فى الجهاد من أجل الرزق. بينما الغنى يتسلح بماله بما يمنحه ما يشاء أن يشترى به ستار خزيه وتهوره فى شهواته، ولكن المتوسط لا يجد ما يتسلح به إلا الفضيلة والحرص على مصدر رزقه وعلى الثقة فى المعاملات وعلى المكافأة التى ينالها جزاء العمل»، وحتى هنا يمكن للقارئ أن يتفهم موقف نقولا فى إطار حرصه على التضامن مع الطبقة الوسطى وربما الفضيلة معها. ولكن نقولا يفاجئنا بالهجوم على الفقراء هجوما شرسا ولا مبرر له فيقول «وأما أهل الطبقات الدنيا فهم لا يتعففون عن ارتكاب الرذائل لأنهم مغلوبون فى ساحة الصراع ولسان حالهم «أنا الغريق فما خوفى من البلل»، فلا يستحون من عار ولا يحتاجون إلى ستار؛ لأنهم هزموا فى ميدان الصراع وتوقفوا عن المصارعة وأصبحوا عبيدا يعيشون لا لأنهم يسعون إلى الرزق وإنما لأن أصحاب الأعمال يحتاجون إلى عملهم فيتركون لهم من ثمراته حاجاتهم الضرورية حتى لا يموتوا مثلهم مثل الحمار أو البغل أو الثور عند الفلاح يطعمه صاحبه لكى يستخدمه، فلذلك نرى الطبقة الواطئة لا تمسك عنان شهواتها بل تتمادى فى تهتكها ما استطاعت، ولماذا تمسك نفسها وليس هناك من يحسب لها فضيلة، بل يحسب الناس تعففها عجزا».. وبعد ذلك نحتاج إلى المقارنة بين ما كتبه نقولا فى صفحات سابقة من ذات الكتاب عن استعداد الكادحين للثورة وإقامة نظام جديد يقوم على أساس الاشتراكية وبين هذه العبارة التى تضم مفردات مثل «لا يستحون من عار ولا يحتاجون إلى ستار» و«أصبحوا عبيدا» و«مثلهم مثل الحمار والبغل أو الثور عند الفلاح يطعمه صاحبه لكى يستخدمه» و«تتمادى فى تهتكها».. إنها كلمات خارج سياق كل صفحات الكتابين (الكتاب الأول- ص١٤٥) ثم هو يختتم هذه المرثية غير المبررة للفقراء قائلا «لهذا السبب نرى الإجرام يكثر فى الطبقتين العليا والدنيا ويقل جدا فى الوسطى» ويمضى أيضا مبررا موقفه هذا «ذلك هو سر القول أن الطبقة الوسطى حاملة وحدها أثقال الهيئة الاجتماعية وآلامها؛ لأن الضغط يقع عليها من الجانبين» ومرة أخرى يهاجم الفقراء قائلا «إنهم يكونون طبقة اجتماعية زائفة انحطت قيمة الوحدة الاجتماعية فى يقينهم، فلا يثقون بتضامن الجماعة، ولذلك قلما يعرفون أن ينتفعوا من هذا التضامن بل يرغبون أن يعيشوا عالة على غيرهم فيكونون فى الغالب فريسة للنحس».
ثم يتمادى نقولا حداد باحثا فيما يبدو عمن يمكن تسميته بالمستبد العادل فى الزعماء فبدلا من أن يقدم لنا مواصفات زعيم ديمقراطى تقدمى يخدم الجماهير ويحترمها ويحترم الديمقراطية يتحدث عن صنف آخر فيقول «الزعيم يجب أن يكون فذا أى متفوقا على سائر الجمهور فى صفات لازمة للزعامة تفوقا لا قياس له ولا حد له أيضا، بحيث يتبدى كأنه نصف إله، ذو قوة لا تنضب وذو خواص لا تضارع، وإلا فإذا أمكن أن تضاهى قوته وخواصه بقوة وخواص أى فرد من الجمهور فإنه من المستحيل أن يكون واحدا من الجمهور وبطله وقائده فى وقت واحد».
ولا يكتفى نقولا بهذه الصفات التى يتسم بها نصف إله لكنه يمضى قائلا «وإليك أهم الصفات اللازمة للزعامة التى تكفل له التفوق على الجميع.
ويقول «ويجب أن يكون الزعيم قابضا على عنق أية قضية، مسيطرا على الحركة الفكرية، ولا يرتبك إذا عصفت رياح الانتقادات ضده ولا يهتز إذا ثارت زوابع المقاومات والمعارضات. ويجب أن يكون قليل التأثر بالآخرين ولكنه يتعين أن يكون شديد التأثير، ولا يهاب ولا يخاف ولكنه يخيف بمظهره وكلامه، رزينا لا تضحكه المضحكات، ولا تحزنه المحزنات، يستبكى الآخرين ولا يبكى ؛ لا تستفزه الأخطاء لكنه يستطيع أن يستفز الجمهور ويستنفره، قادرا على إغضاب الآخرين لكنه لا يغضب، ويجب أن يكون عنيدا مستبدا مصرا على رأيه لأن؛ أى انصياع لغيره ينقل الزعامة منه إلى الغير». وبعد كل هذه الأوصاف يجسد نقولا حداد نموذج الزعيم الذى يريد فيقول «كان بسمارك خير مثال للزعيم المستبد وبعكسه كان الدكتور ويلسون صاحب المبادئ الأربعة عشر التى لم يستطع أن ينفذها بسبب عدم صلاحيته» (الكتاب الأول – ص ٢٠٤) وإذا كنا قد تحدثنا طويلا فيما سبق عن وحدة الثالوث «فرح أنطون- روز حداد- نقولا حداد» وعن تفوق نقولا عليهما فى انحيازه الواضح والصريح للمذهب الاشتراكى وتأكيده أن الديمقراطية تسبق فى تحققها ثم تسحب وراءها الاشتراكية؛ فإن من حقنا بل ومن واجبنا وواجب التقييم العلمى أن نقارن بين الزعيم المستبد المترفع الذى لا يخاف من أحد وإنما يخيف الجميع وبين ما قاله فرح أنطون «فبالله يا أخى لا تقل لى هاتوا زعيما صادقا بل قل هاتوا شعبا راقيا وأنا الكفيل أن يأتى زعيم من بين الحقول وأكواخ الفقراء» والحقيقة أن هذا الموقف أو بالدقة هذا الاختيار من جانب نقولا حداد يثير دهشتنا بعد أن صاغ أكثر العبارات ثورية دفاعا عن الفقراء. وتحدث بفهم علمى شديد الوعى حول حتمية قيادة الطبقة العاملة للسلطة عندما يقيم نظاما اشتراكيا وحول ضرورة النهج الديمقراطى والدفاع عن الحريات كسبيل حتمى للخلاص من ظلم النظام الرأسمالي- ولكن هكذا كان نقولا حداد عندما يرتدى وبحسم ثياب المثقف البرجوازى الصغير، فتمتلئ كتاباته بالمتناقضات وتختلط فيها الرؤى بحيث يخيل إليك أن هذا المثقف البرجوازى الصغير مكون من حبات من الزئبق يستحيل الإمساك به محددا لموقف ثابت، ونواصل.