الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"بوابة العرب" ترصد سيناريوهات إفشال حكومة "العثماني"

خبراء يكشفون حقيقة المشهد السياسى فى المغرب

محمد السادس
محمد السادس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد مرور قرابة ستة أشهر على الانتخابات النيابية المغربية، التى أجريت فى أكتوبر من العام الماضى، وفشل رئيس الوزراء السابق عبدالإله بنكيران فى تشكيل ائتلاف حكومى بناء على نتائج تلك الانتخابات، نجح أخيرًا سعد الدين العثمانى رفيق بنكيران فى حزب العدالة والتنمية، والذى اختاره الملك محمد السادس بديلًا عنه فى منتصف مارس الماضى، فى تشكيل حكومة من ستة أحزاب فى فترة وجيزة.
ويوم الأربعاء الماضى، عيّن العاهل المغربى الملك محمد السادس، الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين العثمانى، حسب القواعد المعمول بها، لينهى بذلك حالة الانسداد السياسى التى شهدتها البلاد طوال الفترة الماضية، لكن التركيبة الجديدة لهذه الحكومة دفعت مراقبين للمشهد المغربى إلى اعتبارها «جنينًا مشوهًا ولد بعد تعسر شديد». 


تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة برئاسة سعد الدين العثمانى، جاءت عبر ائتلاف مكون من ستة أحزاب هى العدالة والتنمية والتجمع الوطنى للأحرار والاتحاد الدستورى والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وبالنظر إلى أسماء تلك الأحزاب وخلفياتها الأيديولوجية، يبدو جليًا حجم التناقض الكبير بينها؛ إذ يضم التحالف أحزابًا بمرجعيات شديدة الاختلاف لا يربط بينها أدنى تقارب فهى تجمع الإسلاميين ممثلين فى حزب العدالة والتنمية مع تيار اليسار ممثلًا فى أحزاب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكى، إضافة إلى الليبراليين ممثلين فى حزب التجمع الوطنى للأحرار الذى يرأسه الملياردير عزيز أخنوش، فضلًا عن بقاء ما يعرف بالوزارات السيادية فى يد الملك، وهو الأمر الذى يجعل من الصعب على تلك الحكومة خلق رؤية موحدة وبرنامج متفق عليه. 


«العدالة والتنمية» يتراجع
طبقًا لتوزيع الحقائب الوزارية فى الحكومة الجديدة، حصل حزب العدالة والتنمي، ذو الخلفية الإسلامية، صاحب المقاعد الأكثر فى الانتخابات الأخيرة على عدد من الوزارات الخدمية التى ينظر إليها على أنها ليست ذات أهمية كبيرة وهى «حقوق الإنسان، والتجهيز والنقل واللوجستيك والماء، الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، الشغل والإدماج المهنى، الشئون العامة والحكامة، العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني»، إضافة إلى ٤ مناصب ككتاب دولة لدى وزارات النقل والسياحة والتربية الوطنية والطاقة والمعادن.
وزعت بقية الوزارات على أحزاب الائتلاف الحكومى، حيث حصل التجمع الوطنى للأحرار على سبع حقائب، والحركة الشعبية خمس حقائب، والاتحاد الدستورى حقيبتين، ثم كل من التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية ثلاث حقائب لكل منهما، إضافة إلى احتفاظ القصر الملكى بالوزارات التى توصف بالسيادية كالدفاع والداخلية والخارجية والأوقاف.
ويفسر خبراء حصول الحزب على هذه الحقائب وعدم إشراكه فى الوزارات ذات الثقل السياسى والاقتصادى، بأنه يأتى فى إطار التراجع الذى سجله بعد إقصاء الملك محمد السادس لرئيسه عبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة، وتعيين سعد الدين العثمانى، الذى وافق بما رفضه بنكيران من قبل وتنازل أمام مطالب شركائه فى الحكومة. 
ويقول الخبير المغربى فى العلاقات الدولية، صبرى لحو: إنه يظهر من شكل توزيع القطاعات الوزارية من داخل التشكيلة الحكومية بين الأحزاب السياسية الستة المشكلة لها، أن حزب العدالة والتنمية رضى بوزارات لا تحظى بالدور الاستراتيجى الكبير، والتى آلت فى الآخر لصالح حزب التجمع الوطنى للأحرار كالعدل والفلاحة، أو بقيت لصالح القصر فى إطار الاحتفاظ ببعض وزارات السيادة كالأوقاف والخارجية، والدفاع والتعليم، والتجارة، وباقى الحقائب الوزارية والوزراء المنتدبين وعلى كثرتها وتضخمها فقد وزعت على باقى الأحزاب الأخرى.
ويضيف لحو، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن هذه الطريقة فى التوزيع تبين من جهة خضوع حزب العدالة والتنمية لواقع عدم نجاحه فى كسب الأغلبية المسندة لحكومته رغم فوزه بالمرتبة الأولى فى انتخابات السابع من أكتوبر المنصرم، إلا بتنازله لصالح الائتلاف الرباعى المشكل بواسطة التجمع الوطنى للأحرار والاتحاد الدستورى والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكى.


وفى حين يبدو المشهد الأخير لحزب العدالة والتنمية هزيمة سياسية بامتياز؛ نظرًا للإحباط الذى وقع فى قلوب كثير من مؤيديه بعد أن جاء تشكيل الحكومة غير متوافق مع نتائج الانتخابات من حيث النسبة بين عدد المقاعد وأهمية الحقائب الوزارية أو عددها، يرى لحو أن رضا حزب العدالة والتنمية بهذا التوزيع والتشكيل يمثل ذكاء سياسيًا، معللًا ذلك بقوله إن موقف الحزب سيؤدى إلى تماسك الأغلبية المشكلة لحكومة سعد الدين العثمانى، إذ إن توريط جميع هذه الأحزاب المشكلة للحكومة إضافة إلى حيازة القصر لوزارات السيادة مظهر يضمن الاستمرارية للحكومة، وقد يعانى رئيس الحكومة الجديد سعد الدين العثمانى الأمرين من داخل ووسط نواب حزبه أكثر من معاناته فى تعدده الحزبى لتشكيلة حكومته.
إلى ذلك يرى الباحث المغربى نورالدين اليزيد أن حكومة سعدالدين العثمانى لا تعكس توقعات الرأى العام، ولا حتى محترمة لنتائج تشريعات يوم ٧ أكتوبر الماضى، التى أعطت التفوق لحزب رئيس الحكومة (العدالة والتنمية) بـ ١٢٥ مقعدًا برلمانيًا من أصل ٣٩٥ مقعدًا العدد الإجمالى لمقاعد مجلس النواب. 
ومنذ الإعلان عن تلك النتائج وتكليف السيد عبدالإله بنكيران برئاسة الحكومة وتشكيل أعضائها عرفت المفاوضات مع عدد من الأحزاب سجالا سياسيا وصل أحيانا إلى حد التهجم من طرف بعض الأحزاب على السيد بنكيران الذى أعفاه الملك واستبدله بالعثمانى واتهام حزبه الإسلامي بمحاولة الانفراد بالسلطة.
سياسة تقليم الأظافر
يضيف نورالدين اليزيد، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن العثمانى يبدو أنه تلقى إشارة القصر الملكى بوضوح وتفهم كبيرين بحيث لم يمر على تعيينه إلا بضعة أيام حتى سارع إلى الإعلان عن تحالفه المكون من ستة أحزاب بما فيها الأربعة التي شكلت تحالفًا أثناء تكليف بنكيران، وهو ما اعتبره المتتبعون تسليمًا للأمر الواقع الذى تم فرضه على الحزب الفائز، ولم يقبل به بنكيران لكن قبله زميله فى الحزب والرجل الثانى به العثماني، وجاءت المفاجأة الكبرى بعدما تم الكشف عن أعضاء الحكومة حيث اتضح أن تنازل الحزب الإسلامى اتخذ منعطفًا أكثر فداحة عندما انتقلت أبرز القطاعات الوزارية إلى حزب الأحرار، الذى لم يحصل سوى على ٣٧ مقعدًا نيابيًا، ولكنه مع ذلك بات يدير قطاعات استراتيجية مهمة هى وزارة العدل ووزارة المالية ووزارة الفلاحة التى تتحصل وحدها على ما يزيد علي ٦٠ بالمائة من ميزانية الدولة.
وانطلاقًا من تلك المعطيات يرى اليزيد أن هذا الوضع غير الطبيعى يمكن أن تشم منه رائحة عملية تقليم أظافر الحزب الإسلامى الذى حقق انتصارات كاسحة فى ثلاثة استحقاقات انتخابية، تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى رغبة الدولة فى إعادة رسم الخارطة السياسية بهدف إن لم يكن إضعاف الحزب الإسلامى، فعلى الأقل بتعبيد الطريق لتقوية أحزاب أخرى تعتبر مقربة من السلطة على غرار حزب الأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة الذى يفضل التخندق فى المعارضة حاليًا.
وتوقع الباحث المغربى أن التكلفة ستكون كبيرة لحزب العدالة والتنمية، لا سيما على مستوى البيت الداخلى للحزب الإسلامى الذى بدأت أصوات من داخله تدعو إلى اتخاذ موقف المساندة النقدية لحكومة العثمانى، وهو موقف أقرب إلى المعارضة، مما قد يؤثر على عمل الحكومة وعلى الحزب أيضًا. 
حكومة الاضطرار
من جانبه، يرى الكاتب الصحفى المغربى مصطفى وشلح أن حكومة سعد الدين العثمانى، الرجل الثانى فى حزب العدالة والتنمية، لم تأت فى ظروف طبيعية عقب الانتخابات مباشرة، بل كانت نتيجة حتمية لصعوبة تشكيلها من قبل عبدالإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مشيرًا إلى أن تعيين الملك للعثمانى وتكليفه بتشكيل الحكومة أملته ظروف هذه الصعوبات والمشاكل التى واجهت ميلاد الحكومة التى طال انتظارها، والعثمانى يعلم جيدًا أنه جاء لتليين بعض المواقف الصعبة بداخل حزبه، والبحث عن منافذ معينة لتحقيق التوافق المطلوب للوصول إلى الغاية المطلوبة ألا وهى تشكيل الحكومة.
ويضيف وشلح: «بناء على المعطيات السابقة، فإن العثمانى تشاور وتفاوض مع الأحزاب كلها بالكثير من اللين، لذا قبل بشروط بعض الأحزاب التى كان بن كيران عارضها بقوة، ومن بينها على الخصوص تواجد حزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية، بكاتبه الأول إدريس لشكر، ما خلف نوعًا من الاستياء والغضب لدى قسم كبير من قياديى ومناصرى حزب العدالة والتنمية، غير أن الحزب لا يمكن إلا أن يقبل بما آلت إليه الأمور وخصوصًا أنه كثيرًا ما تغنى بمنحه الأولوية لمصلحة الوطن».
وكان الرئيس السابق للحكومة المغربية، عبدالإله بنكيران، رفض شروط حزب التجمع الوطنى للأحرار بإدخال حزب الاتحاد الاشتراكى فى التشكيلة الحكومية، وهو ما قوبل بتصلب فى الرأى من قبل التجمع الوطنى للأحرار ما أدى إلى إطالة أمد المشاورات وتأخر تشكيل الحكومة لما يزيد علي خمسة أشهر، قبل أن ينهى الملك الخلاف بإقصاء بنكيران وتعيين العثمانى الذى قبل ما رفضه سلفه على عكس الرغبة الجامعة لحزبه ومؤيديه.
يضيف مصطفى وشلح: «أظن أن حزب العدالة والتنمية الآن فى وسط امتحان حقيقى، إذا كان فعلًا يعطى أولوية لمصلحة الوطن، فإما أن يتقبل الأمر، ويدعم قيادييه فى حكومة العثمانى، أو يتوجه نحو تقسيم الحزب، وإن على مستوى الرأى فقط».

تحديات هائلة فى الانتظار
ونظرًا للزخم الكبير الحاصل فى المشهد المغربى على الأصعدة السياسية والاقتصادية، فإن تأخر تشكيل الحكومة طوال الستة أشهر الماضية أدى إلى تراكم الملفات سواء على مستوى الشأن الداخلى أو الخارجى، وهو الأمر الذى يجعل الحكومة الجديدة بتناقضاتها بانتظار حمل ثقيل وتحديات صعبة.
وبحسب مراقبين للمشهد المغربى، فإن أول تحدٍ يمكن أن تواجهه حكومة العثمانى هو عدم الوفاق الداخلى بين عناصر حكومته، لا سيما فى ظل عدم وجود برنامج حكومى حتى الآن.
وكان الرئيس السابق للحكومة عبدالإله بنكيران، كشف أن رئيس حزب التجمع الوطنى للأحرار، عزيز أخنوش، اشترط، خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الفاشلة، عدم إدراج بعض أهم الإصلاحات الاجتماعية التى قامت بها حكومة بنكيران، خصوصًا دعم الأرامل وإصلاح نظام دعم المواد الأساسية وتحرير قطاع المحروقات، وهو ما يشير إلى أن أخنوش لن يتنازل للعثمانى عما رفضه من قبل لبنكيران بعدما استطاع الانتصار فى معركته مع الأخير بدعم القصر.
إضافة إلى ذلك يرى الكاتب المغربى مصطفى وشلح، فى تصريحاته لـ«البوابة»، «أن الحكومة الجديدة سيكون عليها أن تستجيب للحراك الاجتماعى الذى وصل إلى حد رهيب خلال الشهور الأخيرة من حكومة بنكيران السابقة، إذ سيكون ملف التشغيل والتقاعد والأطر التربوية والصحية بالإضافة إلى إصلاح التعليم، الذى تراجع بشكل رهيب خلال السنوات الأخيرة، وإصلاح العدالة، وملف دعم المجالس الجهوية فى إطار استكمال مشروع الجهوية الموسعة، وكذا ملف مغاربة العالم والملف الحقوقى وخصوصًا على مستوى القضايا المتعلقة بالأشخاص من ذوى الاحتياجات الخاصة واستكمال مسيرة المغرب فى المساواة بين الجنسين، وكذلك الملفات المرتبطة بالحريات، ثم ملف قطاع الصحة الذى يلزمه الكثير من العمل لإصلاح منظومة الصحة فى البلاد لها أهمية كبيرة».
وبعيدًا عن المشاكل الداخلية ينتظر حكومة العثمانى عمل جبار على مستوى الدبلوماسية الخارجية، إذ إن المغرب فتح خلال الفترة الأخيرة الماضية قنوات جديدة كثيرة من التوصل وعلاقات التعاون مع عدد من البلدان وخصوصًا على مستوى القارة الإفريقية، ما يفرض على الحكومة تسريع تنفيذ مجموعة من المشاريع التى تم توقيعها برئاسة الملك محمد السادس مع مختلف البلدان الإفريقية خلال الجولات الملكية الأخيرة، بحسب وشلح.

سيناريو الفشل
إزاء ما سبق، لم يستبعد الباحث المغربى نورالدين اليزيد، فى تصريحاته لـ«البوابة»، أن يتم إفشال حكومة العثمانى قبل انتهاء مدتها الدستورية، وتعيين أحد المقربين من الملك، وقال إن سيناريو عدم استكمال الحكومة الحالية لولايتها يبقى واردًا، حيث إن دخول أحزاب أربعة دفعة واحدة وفى إطار تحالف معلن، إلى الحكومة، يجعلنا أقرب إلى حكومة بقطبين.
وأضاف اليزيد أن الأمر سابق الذكر يترك المجال لاحتمال وجود رغبة فى جعل هذا التحالف الذى أسسه أخنوش «رئيس حزب التجمع الوطنى للأحرار»، يتزعم المرحلة المقبلة قد تكون بعد شهور أو سنة أو سنتين، بعدما يكون نفس التحالف قد أنهك رئيس الحكومة باقتراحات تكون أقرب إلى المناورات، وقتها قد يتدخل الملك ويعين السيد أخنوش رئيسًا للحكومة مستغلًا ما يخول الدستور من صلاحيات أو خيارات كما أشار إليها فى بيان القصر المعلن عن إعفاء بنكيران.