الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قمة واشنطن.. لا تطابق.. لا حِكْمة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تشكل ركنًا بالغ الأهمية فى منظومة الأمن القومى المصرى، مثلما لا ترى الولايات المتحدة فرصًا حقيقية لتجاوز الرقم المصرى فى المعادلات المعقدة للمنطقة الأكثر سخونة فى العالم. 
لا يؤسس ذلك إلى علاقات استراتيجية بين البلدين فحسب، قدر ما يؤكد أن جهدًا أكبر ينبغى أن نبذله بغرض تمرير مفاهيم صحيحة داخل أوساط الرأى العام، من شأنها وضع الكثير من الأمور فى نصابها الصحيح. دون تغول كاشف لعمق معاداتنا للحقائق، وميلنا المعتاد إلى تغليب المشاعر، بما يمنعنا من تكوين رؤى موضوعية جادة، نسوق بها توجهات وطنية واعية، معها نخطو بثقة صوب تجريد سياساتنا الخارجية من المزايدات الفارغة من أى مضمون معتبر.
من هنا تأتى أهمية زيارة الرئيس السيسى إلى الولايات المتحدة، وهى الزيارة الرسمية الأولى للرئيس إلى واشنطن، وما تتيحه لنا من إمكانية تنقية قناعات الرأى العام من لغط كثير، لطالما اختزل المصالح الوطنية، وتجاهل عامدًا قواعد العلاقات الدولية المعاصرة، بحثًا عن رواج شعبى على غير أسس سليمة.
وفى هذا الخصوص يجدر بنا أن نؤكد مجموعة من الحقائق، عسى أن تساعدنا فى إدراك علاقات مصرية-أمريكية تتبنى صحيح المصالح المشتركة بين البلدين، فأقول:
• تبسيط ساذج لا يشير إلى وعى حقيقى، يمكن أن نطرحه على الرأى العام؛ إذ نروّج ليل نهار إلى وجود كيمياء إيجابية بين الرئيسين، السيسى وترامب! إذ ليس على هذا النحو من التسطيح يمكن أن ندفع بخطابنا السياسى إلى مناطق أكثر قدرة على تلبية منطق سياسى يُعتد به. فواقع الأمر أن «مصالح مشتركة»، و«احترام واعتماد متبادل»، هى كل ما ينبغى أن نبنى عليه عاليًا فى سبيلنا إلى تأسيس شراكة استراتيجية فعالة بين البلدين.
• تقييم موضوعى لنتائج زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن، نحتاجه بشدة لنزيل به الكثير من الشوائب العالقة فى أذهان العامة جراء موجات إعلامية هادرة، انتهكت عقولنا بشدة، حين أكدت أن «واشنطن ترامب» لن تتوانى فى الانقلاب على كل ما اتخذته إدارة أوباما من مواقف لا نراها تصبّ فى صالح مصر. فواقع الأمر أن «مؤسسية» الدولة الأمريكية لا تترك مجالًا مُقنعًا لذلك. ولعلنا نقدم نموذجًا سهل الفهم، حين نشير إلى فشل ترامب فى إلغاء نظام «أوباما كير»، إذ تم سحب البديل الذى قدمه ترامب إلى الكونجرس الأمريكى، رغم تمتع الأخير بأغلبية جمهورية، حزب ترامب. الأمر الذى يؤكد ما ذهبنا إليه من قبل فى مقالات سابقة من أن النظام السياسى الأمريكى لا يعترف كثيرًا بفكرة «الانتماء الحزبى»؛ فكثيرًا ما وجد الرئيس الأمريكى، أى رئيس، معارضة فى الكونجرس من أعضاء حزبه. وهى ثقافة بالقطع نستغربها فى أوطاننا العربية إجمالًا! ولا يكاد البعض من «داعمى مصر» يتخيلونها يومًا على الأراضى المصرية، ولو فى البرلمان المنوط به التعبير عن «التعددية السياسية» التى أسس لها دستور ٢٠١٤.
• وعليه، فموضوع إدراج الإدارة الأمريكية «جماعة الإخوان» كجماعة إرهابية، لا ينبغى أن نُعول عليه كثيرًا فى تقييمنا للعلاقات المصرية-الأمريكية، مثلما لا يصح أن نعتبره أمرًا محسومًا ومسألة وقت ليس إلا. ذلك أن مياه كثيرة تجرى فى اتجاهات شتى داخل الإدارة الأمريكية، ومؤسسات صناعة القرار الأمريكى متباينة التوجهات، إلى حد يصعب معه الرهان بكل الأوراق. ثم إن إشكالية تعانى منها فى الداخل، يمكن أن تدفع بك إلى الأحضان الأمريكية. ومن ثم؛ فإن خلو ساحتك من خصم عنيد، ولو كان إرهابيًا، قد ترتفع به هامتك إلى حدود لا تحتملها المصالح الأمريكية فى المنطقة. وفى الامتداد لنفس المفهوم، كنت قد أشرت إلى أهمية تعافى العلاقات المصرية-الإيرانية، لما يمكن أن تحققه من نمو حقيقى فى ميزان القوة الشاملة للدولة المصرية فى توازنات القوى الإقليمية. وبالمثل فإن تنقية الأجواء المصرية-التركية، بما لا يخصم من سيادتنا، قطعًا تضيف أوراقًا ثمينة فى يد صانع القرار السياسى الوطنى.
• لا أشك فى أن الأفق مُلبّد بكثير من الغيوم فى علاقاتنا بصندوق النقد؛ إذ أُرجح أن تتباطأ الخطى المصرية فى سبيل تطبيق الكثير من شروط قرض الصندوق، خاصة وقد لاحت بوضوح بوادر تململ الناس من الضغوطات المتتالية على أحوالهم المعيشية. وفى ذلك أطرح إمكانية السعى بجدية وجرأة نحو تعاون اقتصادى إستراتيجى واسع بين مصر والولايات المتحدة، بموجبه تحل الاستثمارات والقروض والمساعدات الاقتصادية الأمريكية محل أطراف أخرى، «صندوق النقد الدولى» وقد أرهقتنا شروطه، و«دول الخليج» وقد أرهقنا حساباتها المتراجعة بفعل تدنى دخولها النفطية.
• أن يذهب الرئيس السيسى إلى واشنطن وقد اعتدلت دفة العلاقات المصرية-السعودية صوب وجهتها الطبيعية، فليس من شك أن فى ذلك إضافة حقيقية للموقف المصرى داخل البيت الأبيض، وكذلك لقدرة الدولة المصرية على النهوض بدور فعال فى المنطقة، مع ملاحظة أن التوتر الأمريكي-الإيرانى لا يكفى أبدًا لتدفئة العلاقات الأمريكية-الخليجية، وقد عانت كثيرًا من التوجهات الشعبوية التى يتضمنها خطاب ترامب وقناعاته التصادمية.
• جزء مهم من تقييمنا لعلاقاتنا بواشنطن يظل رهنًا بتداعياتها على علاقاتنا مع موسكو. إذ علينا أن ندرك كم أن الدب الروسى يعانى فى علاقاته معنا من هواجس «البديل»؛ إذ يرى أننا لا نهتم بالعلاقات معه إلا فى إطار المكايدة والمساومة مع «البطل» الأمريكى. من هنا فهواجس موسكو ترسخت بحكم ما كانت تفرضه الحرب الباردة على مدى عدة عقود تمكنت فيها الدول النامية عمومًا من المناورة بين المعسكرين، الشرقى والغربى. لاحظ طرد الخبراء الروس قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣ بعد عقود من المساندة الاقتصادية بعد أن أدرك الرئيس السادات أن «٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»! غير أن الأوضاع تغيرت بالفعل، ولم يعد مقبولًا إلا القدرة على صياغة سياسة خارجية تتوافق مع تشابكات المصالح، وتشعب الملفات الإقليمية والدولية، بما لا يسمح أبدًا باعتبار الدب الروسى بديلًا عن القطب الأمريكى الأوحد. مثلما لا ينبغى احتساب تركيا كبديل سعودى عن مصر، ولا اعتبار إيران كبديل مصرى عن السعودية. فتلك رؤى قاصرة خاصمتها حقائق العلاقات الدولية المعاصرة، وعلينا أن نبنى بدلًا منها استراتيجيات وتحالفات كفيلة بتحقيق مصالحنا الوطنية العليا، وتوافقاتها القومية.
• بملاحظة برنامج الرئيس فى واشنطن، ندرك أن القرار الأمريكى يخضع لمشاركات واسعة من كثير من الدوائر، ما بين مراكز الفكر والأبحاث، إلى وسائل الإعلام، إلى جانب مؤسسات الإدارة الأمريكية المختلفة، فضلًا عن جماعات المصالح السياسية والاقتصادية. وعليه، فعمل وطنى مشترك جاد، به ينبغى أن تساهم كل المؤسسات الرسمية للدولة، ومعها مؤسسات المجتمع المدنى، فى صياغة علاقات مصرية-أمريكية تتسق مع صحيح ما نعلنه من سعى نحو تحول سياسى حقيقي؛ إذ ليس بالمؤسسات الرسمية فقط يمكن أن تحقق مصر مصالحها على الساحتين الإقليمية والدولية.
• فى ظل مقتضيات «القوة» كعامل رئيس فى العلاقات الدولية: توافق مصري-أمريكى أكبر فى مواجهة الإرهاب نتوقعه، يقابله تباعد أشد فى المواقف بشأن الصراع العربي-الإسرائيلى، مع تقارب بشأن الملف السورى. ما ينبغى أن يدفعنا إلى تبنى رؤى منطقية لتطور العلاقات المصرية-الأمريكية، على أساسها ننتظر تقييمًا موضوعيًا لنتائج زيارة الرئيس السيسى إلى البيت الأبيض، حسنًا لو يحترم المنطق السياسى فيخلو من صيغ «تطابق وجهات النظر»، و«تطلع أمريكا إلى حكمة مصر»! وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.