السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شبكات للفتنة أم التسامح الديني؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مارست شبكات التواصل الاجتماعى، وفى مقدمتها موقع فيسبوك أدوارًا مهمة فى تناول العديد من الأحداث والقضايا البارزة فى مصر، بل ويمكننا جميعًا أن نلمس دورها فى محاولة توجيه الرأى العام إزاء بعض القضايا سواء بالتأييد أو المعارضة، ومن أهم هذه القضايا والأحداث ما يتعلق بالعلاقة بين المسـلمـين والأقـبـاط، خـاصة فى حال تعرض الوطن إلى أى حدث أو توتر طائفى، إذ تُعتبر العلاقة بين المسلمين والأقباط محورًا لاهتمام جميع أفراد المجتمع المصرى باختلاف أطيافهم؛ نظرًا لما يشوبها من توترات وخروج عن المألوف من وقت لآخر، فالفتنة الطائفية تمثل أحد التحديات المهمة التى يواجهها المجتمع المصرى؛ نظرًا لما لها من آثار خطيرة تنعكس على أمن الوطن واستقراره.
وثمة تغيرات مهمة طرأت فيما يخص قضية الفتنة الطائفية فى مصر، وبشكل خاص منذ تفجير كنيسة القديسيْن فى مطلع عام ٢٠١١، إضافة إلى الأحداث الطائفية المتعددة التى شهدتها مصر بعد ذلك، والتى اتسم بعضها بدرجة عالية من الخطورة، وهو ما يأتى فى ضوء صعود الشبكات الاجتماعية وازدياد تأثيرها على المواطنين من جهة، وعلى وسائل الإعلام التقليدية من جهة أخرى، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن الشبكات الاجتماعية كانت الوسيلة الأبرز فى نشر واقعة «تعرية السيدة المُسنة» بقرية الكرم بمحافظة المنيا فى مايو ٢٠١٦، بل وكان لها السبق فى ذلك؛ حيث كانت الدافع الأساسى لنشر وسائل الإعلام التقليدية للواقعة بعد أن تجاهلتها فى بداية الأمر.
وانطلاقًا من أهمية قضية الفتنة الطائفية فى مصر وخطورتها، والمكانة التى وصل إليها موقع فيسبوك فى مصر، جاءت الفكرة بدراسة توظيف موقع فيسبوك ـ كأبرز الشبكات الاجتماعية فى مصر ـ فى تناول أحداث الفتنة الطائفية بالمجتمع المصرى، وهى الدراسة المقدمة منى ومن تلميذتى د. أسماء فؤاد حافظ المدرس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية لندوة «الشأن الدينى فى مواقع التواصل الاجتماعى» والتى ستُعقد ببيت الحكمة بالشقيقة تونس أواسط فبراير الحالى. 
وتتضح أهمية الدراسة فى ضوء خطورة قضية الفتنة الطائفية عمومًا؛ وهو ما يستدعى رصد الرسائل والمؤثرات والعوامل كافة ذات الصلة بتلك القضية، إلى جانب قدرة الشبكات الاجتماعية على التأثير فى آراء ومعتقدات مستخدميها، خاصة فى ظل تنوع رسائلها وتعدد أشكالها، فمن خلال أحد هذه الأشكال «فيسبوك» اندلعت ثورة ٢٥ يناير. إضافة إلى وجود ضرورة لاستكمال التراكم العلمى فى مجال دراسة وسائل الاتصال الحديثة، والتى حولت الجمهور إلى مُنتج للمضامين الإعلامية، بما يجعله عنصرًا فاعلاً ونشطًا إعلاميًا، وهو ما يوضح أهمية تأثير رسائل هذه الوسائل ودورها فى حياة المواطن المصرى، وهو ما يجعل هناك أهمية لرصد تأثيرها بالنسبة للقضايا المتعلقة بأمن الوطن ومستقبله، مع مراعاة خصوصية المجتمع المصرى وثقافته وهويته.
ويُعد المجتمع المصرى مجتمعًا قويًا ومتماسكًا ولا سبيل للنيل منه أو زرع الشقاق والفتن بين أبنائه، إلا أن هذا لا يجعلنا ننكر وقوع حوادث تتسم بالطابع الطائفى من آن لآخر، وهو ما يحتم على جميع أبناء الوطن قطع الطريق أمام المزايدات والتدخلات الداخلية والخارجية الهادفة للنيل من أمن وقوة النسيج المجتمعى ومتانته، وهو ما يوضح ضرورة وأهمية البحث المتعمق فى أسباب حدوث الفتن الطائفية وعوامل تكرارها، خاصة فى محافظات الصعيد؛ تمهيدًا لوضع استراتيجيات قصيرة الأجل وطويلة الأجل لمواجهة مثل هذه الحوادث، وهو ما بدأ تنفيذ بعض خطواته بالفعل؛ إذ تم تنظيم الملتقى الدولى الأول للشباب المسيحى والمسلم بالقاهرة فى أغسطس ٢٠١٦، حول «دور الأديان فى بناء السلام ومواجهة التطرف والإرهاب»، وذلك فى إطار التعاون بين الأزهر ومجلس الكنائس العالمى، كما قامت الحكومة المصرية فى الشهر نفسه، ببحث مشروع قانون بناء الكنائس والذى أقره البرلمان المصرى فى سابقة تاريخية. 
وقد تضمنت أغلب الأطروحات التى نشرها الجمهور عبر موقع فيسبوك حول الفتنة الطائفية قيمًا معينة سواء كانت إيجابية أو سلبية، إلا أنه تبين أن التعصب هو القيمة الأكثر ظهورًا فى هذه الأطروحات، إلا أنه لا يمكن الزعم على أية حال بوجود طرف متعصب دون الآخر. فقد لوحظ من نتائج الدراسة تساوى نسبتى فكرتى توجيه شتائم وألفاظ غير لائقة للطرف المسلم وتوجيه شتائم وألفاظ غير لائقة للطرف المسيحى، من حيث الظهور والتكرار فى تعليقات الجمهور على أطروحات موقع فيسبوك حول الفتنة الطائفية، وهو ما يشير إلى تساوى الفئتين من حيث وجود التعصب لديهما، وتحول الحوار والمناقشة إلى صراع يتم فيه تبادل الألفاظ غير اللائقة دون تأثير واضح للهوية الدينية على كل من الطرفين، وذلك فى نسبة بسيطة من إجمالى الأفكار الواردة فى التعليقات بلغت ٣.٢٪ لكل من الفكرتين.
وفى السياق ذاته، أكدت نتائج الدراسة قيام موقع فيسبوك بدور مهم لا يُستهان به فى تهيئة الفرصة للمجال العام الافتراضى حول قضية الفتنة الطائفية فى مصر، حيث قام جمهور موقع فيسبوك بالمشاركة فى المناقشات والتعليقات على ٧٢.٥٪ من إجمالى الأطروحات الخاصة بالأحداث الطائفية التى تم تحليلها، أى أن موقع فيسبوك يوفر بالفعل مجالًا عامًا افتراضيًا حول قضية الفتنة الطائفية فى مصر ويتيح الحوار والنقاش حول هذه القضية المهمة بحرية تامة. 
وانطلاقًا من نتائج الدراسة ومقترحات مستخدمى موقع فيسبوك حول آليات مواجهة العنف الطائفى، يمكن استخلاص عدة توصيات نذكر منها: توعية الجمهور المصرى المُستخدِم لصحافة المواطن بعدم اتخاذها وسيلة لنشر التعصب وزرع الفتنة، إضافة إلى تدريب الإعلاميين المحترفين على كيفية التعامل مع الأزمات الطائفية عبر وسائل الإعلام التقليدية؛ حتى لا يساهموا فى تأجيج الفتنة الطائفية، ووضع استراتيجية متكاملة تدمج بين الحلول الأمنية والقانونية والسياسية والاجتماعية والدينية والإعلامية لمواجهة الأزمات الطائفية ونشر ثقافة التسامح فى المجتمع، ونشر الوعى المجتمعى بثقافة المواطنة والحريات الدينية عن طريق وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، مع إعادة النظر فى مناهج التعليم وتضمينها قيم التسامح وقبول الآخر، وتدريب وتأهيل الدعاة والقساوسة بمختلف المحافظات، لنشر المفاهيم الدينية الصحيحة وزرع التسامح الدينى فى نفوس المواطنين.