الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فاروق جويدة وأوهام الشيخوخة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يخيب فاروق جويدة ظنى به، فبمجرد الانتهاء من مقاله «التسريبات وسمعة الوطن» المنشور فى الأهرام- أول أمس الجمعة- حمدت الله أن الانطباع الذى خرجت به منذ فترة بعيدة عن الرجل بعد مطالعة بعض قصائده- هكذا يسمونها- كان صائبًا.
كنت وما زلت شديد الاندهاش من وصف جويدة بـ«الشاعر»، وكنت وما زلت مقتنعا- أيضًا- أن الوصف المناسب للرجل هو «المتشاعر»، وأن وصفه بـ«شاعر» يدخل فى باب «المجاملات السخيفة»، فالركن الركين لأى شاعر وأى شعر هو «الرؤية»، وإلا كانت المنظومات القديمة التى تصيغ قواعد النحو كـ«ألفية ابن مالك» شعرًا.
من يطالع ما كتبه ويكتبه جويدة بزعم أنه شعر يجد أنه أمام كلام بلا رؤية، بل هو فى أحسن تقدير مجرد تصور سطحى وروح مخنثة وحالة لفظية منفلتة تحشد المفردات دون إحساس أو تمييز بين معانيها، ومثل هذه الأمور يمكن اعتبار صاحبها شاعرا، فقط إذا اعتبرنا أن من يعزف على الربابة فى الموالد شاعرًا.
إذا كان بديهيا أن من لا يملك رؤية ليس شاعرًا فهو أيضا ليس كاتبًا، قد يكون صحفيا أو صاخبا أو هائجا... إلخ
لعل «التسريبات وسمعة الوطن» خير شاهد ودليل على أن الرجل يقذف الكلمات متوهما أنه يكتب مقالًا. 
يمكن إيجاز ما قاله «المدافع عن سمعة الوطن» كما يلى: «طالب جويدة بغلق ملف التسريبات، وأن تلملم القيادة السياسية الجراح، وتطوى صفحات الماضى حتى ننهى الانقسامات وتهدأ النفوس». واعتبر أن هذه التسريبات تسيء إلى ثورة يناير، وهذا أمر لا يرضاه الرئيس السيسى، ثم يرتدى الرجل مسوح الحكمة الزائفة فينصح- أو يحذر- ما أسماه الأجهزة التى تقف وراء هذه التسريبات بالتوقف، لأن نيران التسريبات طالت الجميع، ويرى «المتشاعر» أن مكان هذه التسجيلات هو المحاكم لا وسائل الإعلام...هذا ما يمكن اعتباره كلاما فيما قاله جويدة، أما باقى المقال فهو «لت» و«عجن»، وتكرار لنفس المعانى بصياغات مختلفة، لكن عند التدقيق فى كلامه تجد أن الرجل دجال من طراز متواضع للأسباب الآتية:
أولًا: الربط بين التسريبات والإساءة إلى ثورة يناير غير منطقى، فـ٢٥ يناير ثورة عظيمة خلصت مصر من حكم فاسد مستبد، لكن هذا لا يمنع أن هناك جهات خارجية حاولت استغلال ثورة الشعب ضد نظام مبارك لهدم الدولة المصرية حتى تدخل مصر فى «الفوضى الخلاقة» التى بشرت بها كوندليزا رايس، وطبيعى جدا أن الجهات الخارجية استغلت واستخدمت أشخاصا داخل مصر لتنفيذ هذا المخطط، لكن تصوير فضح خيانة وعمالة بعض النشطاء أنه تشويه لثورة يناير فهذا أمر لا يقبله عاقل، اللهم فاروق جويدة... وهذه مشكلته.
ثانيًا: يبدو أن عدم تمييز الرجل بين المفردات جعله أيضا لا يميز بين المعانى، وإلا فأى منطق يقبل تشبيه الخيانة والعمالة بـ«الجراح» التى يجب لملمتها؟ يا أستاذ فاروق الخيانة- حال ثبوتها- ليست جراحًا بل «أورام سرطانية» لا يمكن تجاوزها أو لملمتها بل الواجب بترها!
ثالثًا: فاروق جويدة صحفى، والمفترض أنه يطالع الصحف المصرية أو على الأقل صحيفته «الأهرام»، فلماذا لم يطالبها بوقف مقالات د. جلال أمين التى ترى ثورات الربيع العربى مدبرة من جهات خارجية؟ لا تزال هذه المقالات على الموقع الإلكترونى للأهرام.
رابعًا: بدلا من أن ينحاز الصحفى فاروق جويدة لوطنه ومهنته- مهنة كشف الحقائق- فيطالب الجهات المختصة فى مصر بفتح تحقيق حول التسجيلات، طالب- أطال الله فى عمره- بوقف إذاعة هذه التسريبات، بل وطالب أيضا بإخفاء الوجوه التى تذيعها! وهذا أمر فى غاية الغرابة، يجعلنا نتساءل: هل جويدة متورط مع الأشخاص التى ثبت تعاونهم مع دول وجهات خارجية؟ أو أن الرجل يدافع عن أصدقائه بدلا أن يدافع عن وطنه؟
رابعًا: ثم كيف غاب عن «الصحفى العجوز» معلومة بديهية هى أن إذاعة مثل هذه التسجيلات فى الإعلام هو بلاغ رسمى للجهات المختصة..؟ ومن ثم فلا معنى لكلامه أن مكان هذه المكالمات ليس الإعلام بل المحاكم!
خامسًا: أتمنى أن يطالع جويدة ما كتبه الأستاذ نبيل عمر «مدير تحرير جريدة الأهرام السابق» فى جريدة «المقال»- صحيفة إبراهيم عيسى- فى ٢ نوفمبر ٢٠١٥، حيث رفض وصف إذاعة تسجيلات لشخصيات شاركت فى ثورة ٢٥ يناير أنه اختراق لخصوصيتهم، فقال نصا: «مكالمات النشطاء والسياسيين لم تكن شخصية على الإطلاق، وكلها موضوعات تتعلق بالوطن وأزماته، وما يحدث فيه، وكيف يحدث، وهذه أمور عامة لشخصيات كانت تبحث عن مساحة تشارك فيها فى حكم الوطن، ولا تتحدث عن أمور شخصية، وهى تشبه قضية الرئيس الأمريكى بيل كلينتون»، ثم شرح التشابه بين الأمرين.
سادسًا: عندما أعدت قراءة مقال جويدة وجدت- وأتمنى أن أكون مخطئا- أن الرجل لم يكتب دفاعا عن الحياة الشخصية للآخرين أو عن مصلحة الوطن، بل هو فى حقيقة الأمر يعرض خدماته على النظام.. كأنه يقول: هنا صوت عاقل يمكنكم الاعتماد عليه. وإذا كان من حق الرجل أن يختار لنفسه المكان الذى يراه مناسبا له فمن حقنا أيضا أن نلفت نظره إلى أمرين، أولهما: ما تقدمه يا سيد جويدة من نصائح مجرد حكم مضروبة ومزيفة- مثل شعرك- لن يفيد أحدا ولن يلتفت إليه أحد.
ثانيًا: يا أيها «المتشاعر» عمرك- متعك الله بالصحة وطول العمر- لا يؤهلك لهذه الوظيفة، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى لياقة ذهنية وحضور عقلى لا يتوفران عند من بلغ السبعين عاما، فما بالك بمن جاوزها!
أخيرًا أهمس فى أذن جويدة ببيت لشاعر عربى قديم- ده شعر بجد:
«صحا كل عذرى الغرام من الهوى.. وأنت على حكم الصبابة نازل».