مشكلات ماسبيرو تشكل معادلة صعبة مطلوباً حلها قبل أن تنتقل رسالة إعلام الدولة من اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى الهيئة الوطنية للإعلام، وقد يتساءل البعض ما هو دور هذه الهيئة إذن بتكوينها ومهامها فى حل هذه المعادلة؟ أليس حل مشاكل الإعلام الرسمى هو دورها الحقيقى؟ أم تتسلم مهام إشرافها على إعلام الدولة «على الجاهز»!
من وجهة نظرى إذا علقت الهيئة الوطنية للإعلام فى مشكلات ماسبيرو لن تحقق أى إنجاز مرجو منها ولن تستطع تقديم أى جهد جديد وحقيقى لإنقاذ أو تطوير الإعلام الرسمى وستظل تحكم نفس آليات نظام الفوضى السائد، والتى فرضها فكر الإعلام الخاص فى السنوات الأخيرة، وبالتالى يكمن الحل فى تبنى فكر الكيف الإبداعى وتقليص عدد القنوات القومية والشبكات الإذاعية وتطويرها هندسيا وفنيا وإعادة تدوير العاملين بإعادة اكتشاف جديد للمبدعين، وفتح الباب أمام شباب الإعلاميين الذين لا يجدون عملا لتجديد دماء ماسبيرو، ولا بد أن تكون برامج ماسبيرو جاذبة للمتلقى بتوفير عناصر الإبداع والإبهار.
وفى الوقت نفسه نحذر من سيطرة الفكر البيروقراطى على ماسبيرو، لأنه يعتبر مانعا لأى تطوير مستقبلى، حيث لا يلتقى الإبداع والبيروقراطية ومن ثم يجب أن تتفرغ قيادات ماسبيرو المعنية بالرسالة الإعلامية لمهمة تطوير الشاشة والميكروفون ولا تستهلك طاقتها فى أمور معالجة الترهل الإدارى وحل مشكلات الجمود والروتين البيروقراطى.
مما لا شك فيه لا أحد يختلف على أهمية إصدار قانون تنظيم الإعلام الذى يضع حدا لحالة الفوضى الإعلامية التى استشرت منذ سنوات ست مضت عندما انهار النظام الإعلامى فى إطار انهيار أشمل عم المجتمع كله عندما قامت ثورة ٢٥ يناير، التى سرعان ما اختطفت بأيدى القوى الظلامية وأدخلت مصر إلى نفق مظلم حتى صححت ثورة الـ ٣٠ من يونيو المسار وأنقذت البلاد من منزلق خطير خطط له بإحكام للقضاء على الدولة المصرية.
وإذا كان من بين ما تم الاتفاق عليه إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام التى ستحل محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهنا يفترض أن هذه الهيئة لا يجب أن تبدأ من الصفر، إنما تبدأ من حيث انتهى إليه ماسبيرو وتبنى على ما أنجزه منذ إنشاء الإذاعة المصرية عام ١٩٣٤ والتليفزيون العربى عام ١٩٦٠، وفى الوقت نفسه نقول إن مهمتها الأساسية ليست سهلة لأنها ترث إعلام دولة مكبلا بالمشاكل الإدارية والمالية والفنية، ولا يجد من يقف إلى جانبه فى ظل طغيان مفاهيم الإعلام الخاص على المشهد الإعلامى ومحاولة ترسيخ فكرة غير صادقة فى ذهنية العقل الجمعى أن لا أحد يشاهد تليفزيون أو يستمع إلى إذاعة الدولة.
وما يزيد الأمر صعوبة أن الحكومة بصراحة لا تقف إلى جانب هذا النوع من الإعلام، إنما تتعامل معه والخاص من مسافة واحدة وفى أحيان كثيرة تفضل الخاص عليه لأن الدولة تنظر لإعلامها على أنه يجب أن يكون إعلاما اقتصاديا، بمعنى أن يمتلك الإعلام موارد مالية وتناسى الجميع أن إعلام ماسبيرو يمثل إعلام الخدمة العامة الذى يضع بناء وتنمية المجتمع نصب عينيه ويحمى الأمن القومى على مدار الساعة ويقدم خدمات إعلامية لكل مؤسسات الدولة دون أن يطالبها بالمردود المادى.
وفى المقابل تطالب الدولة ماسبيرو بسداد ديون تجاوزت الـ٢٤ مليار جنيه، يأتى هذا الوضع فى ظل سيادة فكر الكم على الكيف فى أداء إعلام الدولة ويصبح الواجب الأساسى لقيادات ماسبيرو فقط الحفاظ على الالتزام الاجتماعى تجاه آلاف العاملين فى مبنى ماسبيرو والقنوات الإقليمية بتغطية مستحقاتهم الشهرية، والحل أن تقوم الدولة باتخاذ قرار بإسقاط الديون وإلا ستتولى الهيئة الوطنية للإعلام سدادها.
والسؤال.. هل تصبح مهمة الهيئة الوطنية للإعلام مناقشة أوضاع ماسبيرو المالية، ومفاوضة الحكومة كل شهر فى الحفاظ على مستحقات العاملين التى يعتبرها بعض المسئولين فى الحكومة أموالا مهدرة؟
إذا كانت الإجابة نعم، إذن ماذا غيرنا أو طورنا بإصدار قانون تنظيم الإعلام؟ إن القانون وحده لا يكفى، لا بد أن يقترن تطبيق القانون بإرادة سياسية ترغب فى إحداث تغيير حقيقى فى المشهد الإعلامى، ولا بد أن يبدأ من حل مشكلات إعلام ماسبيرو الذى يريد البعض القضاء عليه.