الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما يخدعك التاريخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل شهور، اكتشف عالم الآثار النمساوى، هيلك ثيور، الهيكل العظمى لأخت الملكة كليوباترا الصغرى. بعد الاكتشاف الذى رج العالم، قال ثيور إن كليوباترا لم تكن بيضاء، ولا كانت ممشوقة القوام. قال أيضا إنها لم تكن جميلة المحيا كما تقول الأساطير، ولا كما تظهرها الصور والنقوش على حوائط المعابد. 
ما الذى جعل العالم النمساوى يقول إن التاريخ كثيرًا ما يخدع؟ 
السبب أن أخت كليوباترا التى أخرجوا رفاتها من أفسس التركية، كانت قصيرة مفطوسة الأنف.. سوداء البشرة.
كانت ملامح الأخت إشارة إلى أن كليوباترا الملكة أيضا، التى لم يعثروا على قبرها حتى الآن، ولا على رفاتها، لا بد وأنها ورثت مع أختها ملامح أمهما الإفريقية. 
أغلب النظريات تقول إن أم كليوباترا كانت إفريقية، لذلك ورثت البنت وأختها سواد البشرة. اكتشاف هيلك ثيور الجديد لن يفتح فقط الباب أمام رؤية جديدة لمزيد من التفاصيل عن أسرة كليوباترا فقط، إنما سيضيف للتكهنات المتداولة بين الأخصائيين عن سوء العلاقة بين كليوباترا وشقيقتها الصغرى أرسينوى أبعادًا أخرى. 
بعض علماء التاريخ، يقولون إن السيدة كليوباترا العظيمة التى ملكت مصر، وأخضعت المنطقة، وتحكمت بسطوة ونفوذ فى البلدان المجاورة لمصر، تركت أختها تعيش وتموت.. فقيرة معوزة فى مكان آخر، بالقرب من أفسس التركية. ولو أن هذا ليس موضوعنا. 
موضوعنا، هو فى السؤال الذى طرحه الأثرى هيلك ثيور متسائلًا عن الأسباب التى جعلت المصريين يصورون ملكتهم بيضاء البشرة، مع أنها لم تكن كذلك. 
السؤال فى محله، ليس بالنسبة كليوباترا فقط، إنما بالنسبة للملكة حتشبسوت والملكة نفرتيتى أيضا. فقد رسم المصريون الملكة حتشبسوت هى الأخرى بوجه ناصع البياض فى ملابس الرجال، مع أنها لم تكن بيضاء. وصنع المثّال المصرى القديم تماثيلً كثيرة وكبيرة للملكة نفرتيتى دون أن يبرز لونها الحقيقى، الذى تقول نظريات تاريخية أنه كان داكنًا. 
« نفر - تى - تى» بالفرعونية يعنى «الجميلة القادمة»، وهو الاسم الذى اعتبره أثريون وصفًا للملكة لا مجرد اسم. بعضهم قال: هى نوبية أو سودانية، فهى القادمة من أرض غير مصرية. 
عالم الاجتماع الدينى «منباور» يقول إن نفى السواد عن العظماء تراث فى الديانات الشرقية، بداية من مصر، مرورًا بالعراق، وانتهاء بالصين والهند. 
الأباطرة الصينيون مثلا، ظهروا فى النقوش القديمة، وفى الرسومات على الحوائط، بخدود كستها مساحيق بيضاء أخفت ألوان جلودهم القمحية. وفى فارس رسموا الإمام على (رضى الله عنه) عريض الوجه جميل الأنف، أبيض اللون، مع أن رجال الجزيرة العربية لم يكونوا كذلك، ولم تكن بشرتهم بيضاء، ولا شعرهم «سايح». 
«منباور» قال إن تراث «البشرة البيضاء» نفسه اكتسح اليهود، فلما آمن بعضهم بالسيد المسيح، رسموه أبيضً هو الآخر، فى الوقت الذى جاء فيه علماء كثيرون وقالوا إنه عليه السلام كان ذا ملامح سامية، والساميون لا هم بيض البشرة، ولا تقاطيعهم «مسمسمة» كما يظهر السيد المسيح فى اللوحات التى رسموا عليها شكله. 
أغلب النظريات تقول أيضا إن السيد المسيح كان غامق البشرة، وإن شعره عليه السلام كان مجعدًا، وجسده كان أضخم مما ظهر فى الصور وفى النقوش القبطية. 
يقول كثير من علماء الآثار إن «عنصرية اللون» تراث شرقى. وهو رأى صحيح إلى حد كبير. فالمصريون حتى الآن يصفون الجميلة بالقمر المنور، والبدر المدور، مع أن أحدًا لم يقل ما الذى يراه جميلًا فى شكل القمر، ولا ما الذى جعل شكله الدائرى سمة من سمات حسن المنظر. 
لا أحد يعرف أيضًا ما الذى جعل القمر رمزًا للجمال، وهل يرتبط جمال القمر فى المخيلة الشعبية بأنه فقط منور أو فاتح اللون. 
مع الأيام، سوف يفصح تراث المجتمعات القديمة عن مزيد من الأسرار. ومزيد من النظريات. كل الكشوفات الحديثة تشير إلى أن التاريخ أحيانا يخدع، أو أن الأجيال القديمة، نجحت فى خداع الأجيال الجديدة بالتاريخ الذى نقلته إليهم. كثيراً من الحكايات التى انتقلت إلينا على جسر التاريخ صدقناها وحولناها إلى مسلمات، قبل أن يتضح لنا أن ما صدقناه لم يكن إلا تجميلا، بعيدًا عن الحقائق. 
ربما جاء الوقت الذى يجب أن نعيد فيه فحص الكثير من المسلمات. المهم أن تكون لدينا مرونة كافية للإقلاع عن الاعتقاد فى المسلمات، بعدما يتبين أنها لم تكن صحيحة.