الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التنمية الاقتصادية وارتباطها باستقلالية القرار الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس هناك أدنى شك فى أن التنمية الاقتصادية عملية بالغة الدقة، تتمثل فى النهاية فى الارتفاع المنتظم بإنتاجية العمل، من خلال تغييرات هيكلية تتناول ظروف الإنتاج وإحلال تكنيك أرقى، واستخدام وسائل إنتاج أحدث وأكثر كفاءة، مع تحقيق إشباع متزايد للحاجات الفردية والاجتماعية. ولذلك فإن وضع استراتيجية للتنمية الاقتصادية معناه باختصار اختيار طرق التطور الشامل للمجتمع فى أمد قصير، بما يعنيه ذلك من:
■ تطوير شامل فى الأفكار والنظم والمؤسسات والقوانين والقائمين على تطبيقها يسبق التنمية ويصاحبها ويترتب عليها ويعمق من آثارها.
■ تنمية عامة فى القوى المنتجة، بتطوير مصادر للطاقة والمواد الأولية والبنية الأساسية من طرق ومواصلات واتصالات وأدوات ومعدات وآلات العمل، وبالذات إنتاجية العمل.
■ تطوير شامل للعلاقات الإنتاجية، وإقامة هيكل اقتصادى جديد يرقى بدوره بالقوى المنتجة.
ولهذا فإن وضع وتنفيذ استراتيجية للتنمية الاقتصادية، لا يمكن أن يكون فى الواقع سوى محصلة لصراع سياسى حاسم، يعبر عن مدى التناسب فيما بين القوى السياسة والاجتماعية، هدفه الحقيقى إعادة تشكيل المجتمع وبناء مجتمع جديد على صورة قواه المنتجة النامية، مثل هذه الاستراتيجية تنطوى فى تقديرنا على عناصر أساسية تستلزم اتخاذ قرارات استراتيجية فيها. فيجب اتخاذ قرار أول له طبيعة استراتيجية فيما يتعلق بمقدمات التنمية، تتلوه قرارات استراتيجية أخرى فيما يتعلق بجوهر التنمية وبأسلوب التنمية، وبإطار أو قاعدة التنمية وأخيرًا فيما يتعلق بهدف التنمية. وبعدها ينبغى تحديد نطاق التنمية، أو السوق التى تعمل بها أو فى إطارها. ومن ثم يعالج المقال، بالضرورة علاقة السوق الداخلية بالسوق الخارجية. فى كل هذه المجالات تتحول الاستراتيجية إلى مجموعة من الاختيارات تحقق تناسبات معينة على مستوي المجتمع كله.
وإذا ما تناولنا ما يتعلق بمقدمات التنمية، فإننا نعنى بها مجموعة من التنظيمات المادية والمعنوية اللازمة للبدء فى التنمية، مثل تطوير الظروف المادية والمعنوية اللازمة للإنتاج، وتغيير نظام وأساليب العمل، وتهيئة الإطار الاجتماعى الصالح للتنمية وما ينطوى عليه من مؤسسات ونظم وقيم. ولما كان جزء كبير من الفائض الاقتصادى المبدد يتولد فى قطاع المنتجات الأولية، فإن هذا القطاع يجب أن يخضع منذ البداية لتغييرات هيكلية شاملة سواء حلت بقطاع الإنتاج التقليدى أو بقطاع الأعمال الأجنبى. ومن ثم فإن نقطة البدء فى التنمية هى تصفية نظام التخلف وتبعية القرار السياسى. وبالطبع لن يتم تحرير القرار وإنهاء التخلف بضربة واحدة. ولكن من المهم أن نبدأ بتحرير القرار وبإحداث تغييرات رئيسية فى الهيكل الاجتماعى الذى يعوق التنمية. إن هذا الهيكل الاجتماعى لا يمكن أن يتغير من تلقاء نفسه، إذ إن قوى الركود موجودة بداخله فى صورة تقاليد واتجاهات وصراعات ومؤسسات موروثة. أى أن الأهمية الحاسمة لمقدمات التنمية تكمن فى توفير بيئة مادية ومعنوية تكون مواتية للتنمية الاقتصادية. من جانب، فإنها تساعد على إنقاذ الجزء الأكبر من الفائض الاقتصادى وتحويله مباشرة إلى تراكم رأسمالى. ومن جانب آخر، فإنها تهيئ مناخًا فكريًا صالحًا لتراكم رأس المال وإدخاله فى دورة تنمية القوى المنتجة فى السوق الداخلية.
وهنا يأتى الاهتمام بالقطاع الزراعى، وزيادة إنتاجية الزراعة. ولا يأتى ذلك إلا بالاهتمام بالفلاح، وتوفير خدمات الإرشاد الزراعى المتطور والحماية له، ومده بالبذور والأسمدة بأسعار رخيصة وأيضًا تقديم القروض الميسرة بما يساعده على تطوير سبل الإنتاج الزراعى والصناعات الغذائية. وأيضًا توزيع الأراضى الزراعية المستصلحة على الشباب وخاصة شباب الفلاحين. وبتوزيع الأراضى وحل مشاكل الفلاحين، سيؤدى إلى ارتفاع مستوى معيشتهم، ويوفر حافزًا لديهم لزيادة الإنتاج، وتوفير السلع والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية، ليقل الاستيراد من الخارج، وتنخفض الفجوة بالنسبة للاكتفاء الذاتى لهذه المحاصيل والسلع الزراعية ويزداد دخل الفلاحين. وبزيادة دخل الفلاحين فإنهم يمثلون طلبًا فعالًا يشكل سوقًا للتوسع الصناعى. ولذلك فإن الإصلاح الزراعى الذى تتبناه مصر كدولة إفريقية وعربية نامية، يجب أن يسبق عملية تراكم رأس المال، كما ينبغى أن يصطحب بتقديم سريع نحو الصناعة التى هى قاطرة التنمية بالنسبة لكل الدول العربية والإفريقية. ومن المهم أن تتم تصفية كل مظاهر التخلف فى الاجتماع والسياسة والثقافة والتعليم. وليست هذه أسهل المهام. فإن توفير البيئة الاجتماعية المواتية للتنمية الشاملة يصطدم فى الواقع بعقبات موروثة وعقبات أخرى مستحدثة. فإطار التنمية يتحدد بطبيعة البنيان الاجتماعى، بنوعية الطبقات الاجتماعية التى تقودها. كذلك يتوقف الأمر على نوعية الطبقات الجديدة وتطلعها إلى وراثة الطبقات القديمة. وتلك قضية بالغة الدقة، نظرًا لعلاقاتها بخطر عودة التبعية الأجنبية من جديد من خلال التأثير على استقلالية القرار السياسى ولو بدرجة بسيطة، ولذلك ينبغى إدراك أن الاستثمار الأجنبى المباشر لا يشمل رأس المال والتكنولوجيا فحسب، بل عادة ما تصحبه استثمارات اجتماعية وثقافية تعمل على الترويج لتغيرات اجتماعية وثقافية معينة منقولة عن النظام الاقتصادى الأمريكى الأوروبى المستغل، وهى تهدد الصفوة الاجتماعية والثقافة المحلية بفقدان خصائصها القومية المميزة، ليس فقط فى ظل التدخل الأجنبى بل وبعد التخلص منه.
وكما رأينا من قبل، فإن التنمية تعنى ببساطة القضاء على التخلف، وأن ظاهرة التخلف قد تحدث عمليًا فى الأغلبية الساحقة فى الحالات مع ظاهرة تبعية القرار وارتباطه بالخارج. وتصبح قضية استقلال القرار الوطنى هى الوجه الآخر لعملية التنمية الاقتصادية. الأمر الذى نجده فى معظم الدول العربية والإفريقية. وإذا كان استقلال القرار الوطنى بداهة هو مقدمة لا بديل عنها للإقدام على التنمية، فإن السعى لتحقيق التنمية الاقتصادية هو تعبير آخر عن السعى لإنجاز الاستقلال الاقتصادى، ومن ثم تحقيق الاستقلال الاقتصادى بالفعل من خلال القيام بالتنمية الاقتصادية.
ويعتبر الاقتصاد مستقلًا عندما يكون قادرًا على الاعتماد على نفسه وعلى الاكتفاء ذاتيًا أو على الأقل بدرجة كبيرة. وهو يكتفى ذاتيًا عندما يكون قادرًا على مواجهة المتطلبات الاجتماعية للسكان على أساس من التراكم الرأسمالى الداخلى والتطوير المضطرد لإنتاجية العمل فى الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات. ومعنى التراكم الداخلى هنا هو قدرة الاقتصاد القومى على أن ينتج من قيم الاستعمال ما يكفيه من السلع التى يحتاجها السكان. سواء كان ذلك مباشرة أو من خلال التعاون والتبادل الدولى، أى أن الاستيراد فى حد ذاته لا يعنى بالضرورة عدم الاكتفاء، وإنما يعنى ذلك أنه لا بد أن يشارك الاقتصاد القومى الاقتصاد الدولى، وبعبارة أخرى يصبح المطلوب هو تصحيح وضع البلد المتطلع لتحقيق التنمية داخل الاقتصاد العالمى وذلك بالتوجه نحو الداخل.
ولعل جماعات الشر والخيانة والإرهاب والطابور الخامس، تفهم لماذا جاهد الرئيس عبدالفتاح السيسى ليحقق استقلالية القرار المصرى، ولماذا اهتم بالبيئة الأساسية وتهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار وأيضًا البيئة الاجتماعية السليمة والبنيان الاجتماعى القوى، ولماذا أيضًا يهتم الرئيس بمشروع استصلاح الــ ١.٥ مليون فدان؟ ولماذا أخيرًا يهتم بتشجيع الاستثمار الأجنبى المنضبط الذى يحقق أكبر عائد للاقتصاد القومى من خلال التعاون والتبادل الدولى الشريف؟.