الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التطرف في كتب الابتدائي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدريس علم الأخلاق فكرة جيدة، على الأقل فى المرحلة الابتدائية. الكلام عن استبدال تدريس التربية الدينية بتدريس علوم الأخلاق فكرة فى محلها. 
الفكرة طرحها بعضهم مؤخرًا. اعتبروها حلًا للتطرف، أو الحل الأمثل لإخراج أجيال تكره التطرف، ورأيهم صحيح.. لماذا؟ 
لأن حرب التطرف تبدأ من التعليم الابتدائى، وفى كتب الابتدائى عندنا ينام الإرهاب والتعصب الدينى ملء جفونه، ويصحو ويشرب الشاى الأخضر فى انسجام. 
فى حصة الدين وفى حكايات المدرسين فى مدارسنا، ينمو التشدد، والخرافات ونوع غريب من الفكر الدينى. 
بذور التطرف تنام ليل نهار فى مدارسنا. النظرة المستريبة فى الآخر تبدأ من خروج التلاميذ المسيحيين من الفصل فى حصة الدين الإسلامى، أقلية، لغرفة الموسيقى. 
قبل شهور نفت وزارة التربية والتعليم استبدال مناهج التربية الدينية بكتاب اسمه «كتاب القيم والأخلاق». قالت الوزارة إن هذا الحديث كلام إخوانى، لتشويه صورة الوزارة، ونظام ٣٠ يونيو. 
يا ريت الوزارة ما نفت. يا ريت كان مشروع تدريس الأخلاق صحيحًا. ما الذى يمنعنا من استبدال مناهج التربية الدينية، بتدريس علم الأخلاق فى مرحلة التعليم الإلزامى؟
فى الهند واليابان، لا تدرسان الدين للتلاميذ تحت ١٢ عامًا. ليس هذا ضد الدين، إنما حشو أدمغة الصغار بكلام ميتافيزيقى لا يفهمه أطفال هو الذى يضر عقولًا «صغيرة» ليست فى سن التكليف. 
فى اليابان والهند مليون أسطورة، وألوف المذاهب الدينية، لكن المتطرفين قليلون. عانت تلك الشعوب كثيرا من التعصب الدينى، والقتل على المذهب، والقتل على العقيدة. عانت من تطرف فكرى شديد، أدخلها عصور الدم، مراحل، ولما خرجت، وجدت أن حرب التطرف، ومكافحة الأساطير التى تتلبس الدين، فتقتل المغاير باسم الله، وتسمم الخناجر باسم الله لا يمكن أن تتم محاربتها من عند رؤوس الكهنة فى المعابد، لكن حربها الحقيقية تبدأ من عند التلاميذ الصغار فى مدارسهم.
يا ريتنا نفكر مثلما فكروا. تدريس علم الأخلاق فكرة جيدة، علم الأخلاق مدخل سيكولوجى ممتاز، ممكن اعتباره تمهيدًا أو تأهيلًا لإطلاع الأطفال على عقائدهم الدينية فى المراحل المتقدمة فى التعليم. 
تدرّس علوم الأخلاق مصادر الإلزام السلوكى للإنسان. ما الذى يجبرك على فعل شىء، ويمنعك عن فعل آخر؟ ما الخير، وما الشر؟ ما نظرتك للآخر، وكيف تتكون؟ كيف نستعمل عقولنا؟ هل نمتثل لرأى ما باعتباره لا يجوز الاجتهاد معه، لأنه مشهور أن النبى قاله؟ كلها أفكار يناقشها علم الأخلاق. مثل تلك الأفكار لا تسقى تلميذ الابتدائى نصوصًا جامدة ليحفظها، إنما تقدم له مبادئ أفكار، وأسلوب تفكير، يتعلق بمعنى كل شىء. 
علم الأخلاق يعرف الأطفال ما معنى الدين؟ وما المفاهيم الحقيقية للعلاقة مع الله؟ من الذى يضع تلك المفاهيم؟ وكيف يمكن أن نحكم على مفهوم ما أنه صحيح، ومفهوم آخر أنه ليس كذلك؟ 
فى الفقه الإسلامى، يقوم الدين الإسلامى على أربعة: العقيدة، الأخلاق، المعاملات، ثم العبادات. التدرج بين تلك المراحل مهم، فالعقيدة تحسن الأخلاق، ثم تسيطر على المعاملات، لتتوجها العبادات، تأكيدًا على الإيمان.
ماذا يعنى التطرف؟
التطرف هو ارتباك فى تلك المعادلة. ارتباك فى ترتيب عناصرها. التطرف الدينى معناه أن تبدأ المعادلة السابقة بالاعتناء بالعبادات وتحويلها لطقوس، ثم تكييف العقيدة، والأخلاق، والمعاملات، على تلك الطقوس. 
راجع كتب التربية الدينية فى مدارسنا، ستجد أن أكثرها قصص عن أهل الكهف، وناقة صالح، مع كم هائل من فقه العبادات، ومحفوظات كثيرة لا توضح المعنى الأهم فى الدين الذى هو صلاح المجتمعات، وقبول المغايرين فى الدين فى الأفكار. 
لذلك، ومن كتب التربية الدينية، ينشأ التلاميذ على أن العالم هو «الإسلام» وأن «الآخر» هو كل من لا يدين بالإسلام. من ابتدائى فى مدارسنا نشبُّ على أن العالم كله ضد الدين، وأن الإسلام يدافع عن نفسه ضد العالم.. مع أن هذا ليس صحيحًا.
من ابتدائى، يخرج أطفالنا مؤهلين لاستيعاب قصص خرافية عن عذاب القبر، ويأجوج ومأجوج. من صغر سنهم، يخرج التلاميذ المسلمون مدفوعين بعدم تهنئة الآخر بأعياد الكريسماس والفصح. 
من صغر سنهم، يلوكون قصصًا مسلمًا بها عن تحريف الكتب المقدسة لغير المسلمين، فيقدرون كتب الطبخ أكثر من كتب العقيدة عند غير المسلمين!
كل هذا موجود، بينما الكلام عن تجديد الخطاب الدينى على ودنه. الأزهر يقول إنهم يجددون، والمشايخ يقولون إنهم يجددون. بينما التطرف فى ازدياد، ومفهوم الدين «ملخبط» لدى كثيرين. 
فكرة تدريس علم الأخلاق فى المرحلة الابتدائية مهمة. أطفال الابتدائى ليسوا فى سن التكليف الفقهية. لماذا نحشر عقولهم بما يمكن التلاعب به وبهم؟ مصيبة.. والله.