الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

علي التركي يكتب: «مصنع الرجال».. الجيش يحمي والشعب يبني الحضارة «5»

الصحفي علي التركي
الصحفي علي التركي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن نصر «أكتوبر 1973»، سوى تجسيد واضح للعلاقة الفريدة التي تجمع المصريين بجيشهم، بدأت منذ أكثر من 5 آلاف عام.

هل تتذكرون كيف استقبل المصريون جيشهم في ميدان التحرير، إبان ثورة «25 يناير المجيدة»؟، فالتلاحم الواضح، وحالة الاستقرار التي انتشرت في ربوع البلاد، عقب نزول الدبابات في الشوارع، لم تكن سوى «جين وراثي»، انتقل في الأجساد منذ عصور الفراعنة، وانتشر عبر الهواء وماء النيل من جيل إلى آخر.

فعبارة «الجيش والشعب إيد واحدة»، التي رددها الملايين في ميادين مصر، ما هي إلا شعار أطلقه المصريون في مظاهرات حاشدة، تدعو الملك «بر إيب سن»، لمواصلة الكفاح والنضال لتحرير البلاد من القبائل الليبية، التي أرادت احتلال غرب الدلتا، وظل صداها عاليًا في عهد «سِنفرو»، وخلف «كاموس وأحمس» ضد «الهكسوس»، ومع «رمسيس، ومرنبتاح، وتحوتمس.. وغيرهم»، وظلّت مستقرة في القلوب والعقول، تخرج لتُساند وتدعم جيش الوطن.

هل نحتاج لدليل لعمق العلاقة بين الجيش والشعب؟، مؤكد أنك ستلمسها في كل حجرٍ مرصوص في الأهرامات والمعابد، وفي إنسانية المصريين التي أصبحت عقيدة عسكرية راسخة في المؤسسة العسكرية، في مشاهد «النكسة والانتصار».. «الاضمحلال والرخاء»، «القوة والضعف».. «الاحتلال والاستقلال».

هذه المشاهد التي بدأها المصريون خلف ملوك الأسرة الثانية الفرعونية، وتمكنوا من تحرير البلاد من الليبيين، كانت دافعًا قويًا لتعزيز القدرات العسكرية للجيش، ليكون درعًا وسيفًا يحمي حضاراتهم واستقرارهم، وبها برعوا في الصناعة والزراعة والطب والفلك. 

وترسخت في هذه الحقبة، مفاهيم الجندية، والتطوع الإلزامي في الجيش، فلم تكن المبادئ التي رسخها «محمد علي باشا»، أثناء تأسيسه للجيش المصري الحديث، إلا إعادة إنتاج لقيم عسكرية، وضعها المصري القديم قبل آلاف السنين، في إرث تركه للبشرية، للتعلم منه.

فالأهرامات والمعابد، ما كانت لتبنى إلا مع وجود جيش قوي، يحمي الحدود من الغُزاة، فاطمئن الشعب على أمنه وسلامته، وأطلق العنان لعقله، فأبهر العالم بمعجزات معمارية، لم يستطع علماء الكون استيعابها حتى الآن.

وظل قطار النهضة الفرعوني، منطلق في ربوع مصر، ينقبون عن المعادن بالوادي والصحراء، ويستخرجون من المحاجر ما يساعدهم على التقدم والنهوض وصناعة حضارة، ليس لهم فقط، بل للبشرية كلها.

ولم ينس المصري القديم جيشه، فطور الأسلحة والمعدات وصنع السهام، وسخر كل العلوم لبناء مؤسسة عسكرية قوية يهابها الأعداء، وابتكر من أجله نظامًا رياضيًا للمساعدة في تقسيم القوات إلى وحدات أصغر، وسرايا متخصصة في فنون الحرب والقتال. 

وساعد تطور الطب في مصر القديمة، الجيش في معالجة المصابين، وتمكن الطبيب المصري، من إجراء أول عملية جراحية عرفتها البشرية، ومن هنا بدأت فكرة استعانة الجيوش بفرق طبية، لتقديم الإسعافات للجنود.

وعندما شكلت الجبهة الجنوبية «النوبة»، تهديدًا لركائز الدولة المصرية القديمة، صنع الشعب لجيشه السفن لتسهيل نقل المعدات والجنود، فاختصرت الوقت والجهد، وساهمت في تأمين الحدود.

فيما ساعد التقدم المعماري، الجيش في تأسيس أول قاعدة عسكرية عرفتها البشرية، في فلسطين ولبنان؛ لتكون نقطة دفاع متقدمة لحماية الحدود الشرقية، بعد تحرير البلاد من «الهكسوس»، ولفرض السلام في المنطقة؛ لتعيش كافة الشعوب في سلام. 

في الحقيقة، ما حدث في نصر أكتوبر من إعجاز عسكري، أظهر تلاحم الجيش والشعب، ما كان سوى سطر من تاريخ عريق من يوميات النصر التي كتبها المصريون بدمائهم خلف قيادتهم العسكرية، رافعين شعار «الجيش يحمي.. والشعب يبني الحضارة».