الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

القصة الكاملة للحج.. من لبيك "هُبل" إلى "لبيك اللهم لبيك"

قريش كانت تحج إلى البيت الحرام قبل الإسلام

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ الروايات التاريخية تكشف إعادة بناء الكعبة 12 مرة عبر تواريخ وعصور كثيرة
■ ظلت الكسوة ترسل سنويًا من مصر يحملها أمير الحج منذ الدولة الفاطمية وحتى عام 1962 عندما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها
من المعروف أن الحج، ركن خامس من أركان الإسلام، له شعائره الخاصة وطقوسه وأهمها الوقوف بعرفة، كما قال الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الشريف «الحج عرفة»، إلا أن الحج ليس بدعة ابتدعها الإسلام، فالنزعة التي جعلت الإنسان في كل عصر يبحث عن قوة أكبر منه يلجأ إليها ويعبدها، سواء اهتدى إليها أو لم يهتد، حتى وإن كانت أصنامًا لا تضر ولا تنفع، ليقطع مسافات طويلة ورحلة شاقة، حجًا إلى تلك القوة، ولقد كانت الكعبة دائمًا هي الرمز، وإليها الحج.
فرض الله الحج، منذ إرسال نبى الله إبراهيم، حيث أثبتت الأحاديث الصحيحة، أن قريشًا كانت تحج إلى البيت الحرام قبل الإسلام، غير أن صفة حجهم وطوافهم وإفاضتهم، وغير ذلك، مخالف لما أتى به الإسلام الذي أبطل عددًا من تلك الطقوس والعادات وأبقى على الآخر، حيث تروى السيدة عائشة، رضى الله عنها، أن المسلمين كرهوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة لأن المشركين كانوا يقومون بهذا الفعل، فانزل الله تعالى: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ».
والحج فرض إلهى قديم دأب عليه الناس منذ بناء نبى الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة، وكان العرب يقدسون الكعبة باعتبارها البيت الحرام، وشمل التقديس مكة والمناطق المجاورة لها، وكان العرب يأتون إلى مكة من كل فج في الجزيرة العربية في موسم الحج، فتشهد مكة بذلك نشاطًا تجاريًا واقتصاديًا وثقافيًا.
وكان العرب قبل الإسلام يفدون إلى الكعبة لأداء الحج من جميع أرجاء الجزيرة العربية، وكانت أشهر الحج عندهم حرمًا، وقد خصصوا للحج ثلاثة أشهر، رغم أن موسم الحج لا يستغرق سوى شهر وأيام معدودات، وأول ما كانوا يقومون به هو الطواف بالكعبة سواء في الحج أو العمرة، ولم يكونوا يجمعون بين الحج والعمرة ويعدون ذلك أفجر الفجور، كما كان الحجر الأسود مقدسًا لدى الحجاج.
وكان الحجاج يسعون بين الصفا والمروة في الجاهلية، ويلبسون المآزر «الأحماس»، فإن لم يجدوا طافوا عراة، حتى حرَّم الرسول، عليه الصلاة والسلام ذلك، في السنة التاسعة للهجرة، وكان الحجاج في الجاهلية أيضا يقفون بعرفة علامة على الانتهاء من أداء طقوسهم، ثم يذبحون الهدى، وكانوا يحترمون الذبائح فلا يمسونها ويتبرعون بها إلى الفقراء، ويلطخون جدران الكعبة بدماء الهدى اعتقادًا منهم أن ذلك يقربهم إلى الله.
بناء الكعبة
من الثوابت لدى أغلب المسلمين أن أول من بنى الكعبة هو نبى الله إبراهيم، ولكن تفيد الروايات التاريخية أنها بنيت ١٢ مرة، عبر تواريخ وعصور مختلفة، كان أولها التي قام بها الملائكة بمساعدة نبى الله آدم، لكنها هدمت كى لا يرى لها أثر مرة أخرى، بفعل طوفان نبى الله نوح.
وبعد ذلك بقرون، أرسل الله تعالى نبيه إبراهيم، وأمره ببناء الكعبة من جديد ورفـْع قواعدها، فجعل ابنه إسماعيل عليه السلام، وهو فتى يأتى بالحجارة وإبراهيم يبنى، ومن خلالها ارتفع البيت شيئا فشيئا حتى أصبح عاليًا لا تصل إليه الأيدى.
وعند ذلك طلب إبراهيم من إسماعيل، أن يأتيه بحجر ليصعد عليه ويكمل عمله، واستمر على ذلك حتى تم البناء واستوى، وذلك الحجر هو الموجود الآن والمعروف بـ«مقام إبراهيم».
ثم استقرت بعد ذلك قبائل عربية في مكة المكرمة من «العماليق» و«جرهم»، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة نتيجة لكثرة السيول والعوامل الطبيعية المؤثرة في البناء، وكان أفراد تلك القبيلتين يتولون إصلاحه ورعايته.
وحين آل أمر مكة إلى قبيلة قريش، قررت إعادة بنائها بناء متينا يصمد أمام السيول التي تجتاح مكة بين الحين والآخر وتؤثر على متانة الكعبة وتضعف بنيانها، وكان ذلك في العام الخامس قبل بعثة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، أي ما يقرب من عام ٦٠٥م.
وبعدها بدأت قريش في زيادة ارتفاعها إلى تسع أذرع، حتى أصبح ارتفاعها ثمانى عشرة ذراعًا، كما سدوا الباب الغربى تمامًا وجعلوا للكعبة بابًا واحدًا من ناحية الشرق.
وفى أيام حكم عبدالله بن الزبير، احتـرقت الكعبة فهدمها حتـى أفضى إلى قواعـد إبراهيم، وأعاد بناءها وأدخل فيها حجْر إبراهيم، فعاد البناء إلى ما كان عليه في زمن إبراهيم، إلا أنه زاد ارتفاعها بعشر أذرع أخرى، عما كانت عليه في بناء قريش، وجعل لها بابين في المشرق والمغرب وألصقهما بالأرض. وفى عهد الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان، أمر أن يعاد بناء الكعبة كما كانت عليه، فهُدم الحائط الشمالى وأخرِج الحجْر وترك كما بنته قريش، وجُعل للكعبة باب واحد فقط ورفع عاليًا، إلا أنه ترك ارتفاعها على ما أقامه ابن الزبير. وفى عهد الدولة العثمانية وبالتحديد في عام ١٠٣٩ هجرية، هطلت أمطار غزيرة على مكة أعقبها سيل عرم أسقط الجدار الشمالى للكعبة وبعض الجدارين الشرقى والغربى كما سقطت درجة السطح، فأمر السلطان العثمانى آنذاك مراد خان الرابع بإعادة بنائها، فاستغرق إصلاح الكعبة وتقوية دعائمها ستة أشهر.
وفى نهاية عام ١٢٣٩ هجرية، أمر والى مصر محمد على باشا، بتنفيذ عملية تنظيف واسعة في محيط الكعبة لإزالة الرمال والأشياء المتراكمة والعالقة بسبب السيول، إضافة إلى إصلاح البناء وترميمه، وما تم حتى الآن هو عمليات ترميم في البناء فقط دون تغيير جوهرى يحسب أو تغيير حتى في المعالم.
وللوهلة الأولى إذا نظرنا إلى الكعبة يتبادر إلى أذهاننا سؤال يصفه البعض بالساذج، هو «شكل الكعبة من الداخل؟»، فوصفها من الداخل يبدأ من خلال وجود ثلاثة أعمدة من الخشب المنقوش بمهارة لدعم السقف بارتفاع نحو تسعة أمتار محلاة بزخارف ذهبية، كما توجد بلاطة رخامية واحدة بلون غامق تحدد موضع سجود الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ويغطى أرضية الكعبة رخام من اللون الأبيض، وذلك في منطقة الوسط، أما الأطراف التي يحددها شريط من الرخام الأسود فهى من الرخام الوردى الذي يرتفع إلى جدران الكعبة مسافة أربعة أمتار دون أن يلاصق جدارها الأصلى، أما المسافة المتبقية فيغطيها قماش الكعبة الأخضر المزين بآيات قرآنية كتبت بالفضة، وتمتد حتى تغطى سقف الكعبة. كما يوجد داخلها عدد من القناديل المعلقة المصنوعة من النحاس والفضة والزجاج المنقوش بآيات قرآنية تعود للعهد العثمانى، ومجموعة من بلاطات الرخام التي تم تجميعها من كل عهد من عهود من قاموا بتوسعة الحرم المكى الشريف، إضافة إلى سُلّم مصنوع من الألومنيوم والكريستال يصل حتى سقف الكعبة.
سدنة الكعبة
يبدو أن الاسم غريب لا يعرفه إلا القليل، رغم أنه وبحسب المعتقدات الدينية يظل هذا شرفًا عظيمًا يتمنى أي مؤمن أن يناله، لأنه اسم «السادن» على من يقوم بجميع أمور الكعبة من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوارها.
ويرجع تولى السدانة أسرة بنى شيبة القرشية التي سلمها الرسول، صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة مفتاح الكعبة وقال لأبنائها الشيبيين: «خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم».
ولا يشترط أن يكون السادن الجديد هو ابن السادن السابق فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، فالسن هي التي تحدد السادن.
ويحتفظ كبير السدنة بمفتاح الكعبة ولا يجرؤ أحد على أن يدخل الكعبة إلا بإذنه. وتـُسلم كسوة الكعبة الخارجية إلى كبير السدنة ليتم تركيبها على الكعبة في اليوم التاسع من ذى الحجة من كل عام، وذلك بحضور أفراد من أسرة بنى شيبة وكبار المسئولين الرسميين والزوار المدعوين.
كسوة الكعبة
هي قطعة من الحرير المنقوش عليه آيات من القرآن، وكانت أول مرة كُسيت فيها الكعبة كانت في الجاهلية، وكان أول من كساها كسوة كاملة هو أسعد أبوكرب بن ملكيكرب الحميرى المعروف بملك حمير في العام ٢٢٠ قبل الهجرة، وتقول رواية إن أول من كسا الكعبة جزئيًا هو إسماعيل، وفى عهد قصى بن كلاب فرض على قبائل قريش رفادة كسوة الكعبة سنويًا بجمع المال من كل قبيلة كل حسب مقدرتها، حتى جاء أبوربيعة بن المغيرة المخزومى القرشى وكان من أثرياء قريش فقال: أنا أكسو الكعبة وحدى سنة، وجميع قريش سنة، وظل يكسو الكعبة إلى أن مات، وكانت الكعبة تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر، وأول امرأة كست الكعبة هي نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبدالمطلب إيفاء لنذر نذرته.
وبعد فتح مكة في العام التاسع الهجرى كسا الرسول محمد، في حجة الوداع، الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين، وفى عهد الخلفاء الراشدين كساها أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب بالقماش المصرى المعروف بالقباطى وهى أثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع في مصر، بينما كساها عثمان بن عفان بالثياب اليمانية والثياب القباطى، وهو أول من كسا الكعبة مرتين.
وفى عهد معاوية بن أبى سفيان كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر، حيث كانت ترسل كسوة الكعبة من دمشق، كما أن معاوية هو أيضًا أول من طيب الكعبة في موسم الحج وفى شهر رجب، وكان أول من جرد الكعبة وكشفها ورفع عنها كسوة الجاهلية، وكانت قبل ذلك لا تجرد بل يخفف بعض كسوتها، هو شيبة بن عثمان الأوقص وقيل معاوية بن أبى سفيان.
أما في الدولة العباسية، فكانت تكسى في بعض السنوات ثلاث مرات في السنة، وكانت الكسوة تصنع من أجود أنواع الحرير والديباج الأحمر والأبيض. وفى عهد الخليفة المأمون، كانت الكعبة تكسى ثلاث مرات في السنة ففى يوم التروية كانت تكسى بالديباج الأحمر، وفى أول شهر رجب كانت تكسى بالقباطى، وفى عيد الفطر تكسى بالديباج الأبيض واستمر اهتمام العباسيون بكسوة الكعبة إلى أن بدأت الدولة العباسية في الضعف فكانت الكسوة تأتى من بعض ملوك الهند وفارس واليمن ومصر.
وفى عهد الدولة الفاطمية والدولة المملوكية وفى عهد السلطان الظاهر بيبرس أصبحت الكسوة ترسل من مصر، واستمرت مصر نيل هذا الشرف بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل، وفى عهد السلطان سليمان القانونى أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة، وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصرى، لكن عام ١٩٦٢، توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
وفى العهد السعودى، أمر الملك عبدالعزيز آل سعود في سنة ١٣٤٦هـ بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.