الجمعة 07 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"قرض الصندوق".. ملاحظات مشروعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على نحو واسع النطاق من الدهشة، جدل كبير أثاره الاتفاق المبدئى الذى وقعته مصر مع خبراء صندوق النقد الدولى فى ختام زيارتهم لمصر؛ إذ بدا الأمر كأنه مفاجأة غير سارة للبعض، فى حين تمسك به البعض الآخر كأداة حادة يقطع بها أوصال الثقة بين النظام وقاعدته الشعبية. ولم يفقد الأمر نخبة من المؤيدين بلا وعى، يقابلهم الرافضون بلا منطق يُحترم، فى وجود «خبراء» بلا خبرة معتبرة.
والواقع أن الخطاب السياسى والمجتمعى الدائر حول قرض صندوق النقد الدولى، حاد بالفعل عن سواء السبيل فى كثير من مواقعه. الأمر الذى يفرض علينا إبداء الملاحظات التالية، عساها تعيد قواسم مشتركة تكفى لبلورة رؤية وطنية موضوعية ما أحوجنا إليها. من هنا أقول:
لا شك أننا ندفع الآن فواتير كبيرة واجبة السداد، بعضها قديم يمتد إلى عهود مضت تحت وطأة أنظمة عاشت فى مواقعها الرفيعة على خلاف ما تحمله من ضعف وهشاشة فى الرؤى والإمكانات والقدرات. من هنا فحديثى لا يرتبط بموقع الرئاسة فقط، وإنما يمتد إلى مسئولين كبار لطالما أخفقوا فى وضع سياسات جادة وحقيقية تتعامل بواقعية مع مسئولياتها الوطنية. إلى جانب ذلك، ليس بيننا من يُنكر أن فواتير ضخمة استحدثناها منذ ثورة يناير المجيدة، أضافت الكثير إلى الأعباء المنوط بنا مواجهتها الآن، وهى فواتير تحمل قائمة كبيرة من الأخطاء لا يتسع المجال للخوض فيها، وإن كانت فى وعى الكل، لو انحزنا إلى الحقيقة على حساب عادتنا فى مغافلة النفس. فهل نغفل جميعًا كم بات لقيم فاسدة من وجود راسخ فى المجتمع، حتى أن عنوانًا ضخمًا حمل استراتيجية مكافحة الفساد، أقمنا له مؤتمرات وندوات دون أن ندرك لها أى أثر حقيقى يمكن أن نستتر خلفه.
بلبلة الناس بدافع من تعدد وتنوع خطابنا الدائر حول قرض صندوق النقد، ستزيد الموقف صعوبة؛ إذ ليس فى غياب وعى عام حقيقى يمكن أن يندفع الشعب إلى مجابهة تحدياته، ومساندة نظامه بقوة. وعليه فليخرج قرض الصندوق من دوائر المزايدة السياسية، وتسوية الحسابات، ونزعة البعض إلى تشويه الحقائق.
الحكومة أخفقت بشدة فى إنكارها على مدى شهور أنها تتفاوض مع إدارة الصندوق حول القرض. فقد تطايرت أنباء المفاوضات «السرية» منذ شهور، إلا أن الإنكار كان العامل المشترك الأبرز فى تصريحات الحكومة، وبنفس الألسنة، وذات الوجوه، أعلنت الحكومة مؤخرًا عن المفاوضات مع الصندوق. وأظهرت كيف أنها، ياللمفاجأة، مستمرة منذ عدة شهور!. الأمر الذى يؤكد رسوخ المنهج الفكرى للحكومة فى مفاجأة الشعب. لاحظ مفاجأة كون «تيران وصنافير» سعوديتين!، تدرك مدى قصور الحكومة فى الإلمام بصحيح مفاهيم الشفافية، والرأى العام، وغيرها من المفاهيم وثيقة الصلة بعملية بناء أى دولة مدنية حديثة.
الكثير من «الخبراء» باتوا بالفعل عبئًا ثقيلًا على المرحلة بما تحتاجه من جهد وطنى مسئول. فقد راح قرض الصندوق يتداول فى وسائل الإعلام على سبيل «التطير»، وأحيانًا التفاؤل، ويفنده البعض باعتباره مؤامرة فى حد ذاته، بينما غيره من «الخبراء» يفضله فى رصيد مجافاة النظام للبسطاء من الشعب. وراح البعض يرى فى الأمر فرصة لا ينبغى أن تمر دون إبداء الطاعة العمياء للنظام، فى مقابل البعض الآخر ممن لا يمررون أى فرصة للطعن فى نفس النظام!. وعلى شاشات الفضائيات تحول قرض الصندوق إلى حالة من «الدوشة» غير المفهومة. ونفس الإعلاميين الذين حاولوا إقناعنا مرارًا بقدراتهم السياسية، راحوا يطرحون رؤاهم الاقتصادية «العميقة» دون أدنى خجل.
الحكومة، وقد أقامت الزينة وأضاءت، دون ترشيد، جميع أنوار الفرح بقرض الصندوق، هل لديها بديل لو أن إدارة الصندوق رفضت منحنا القرض، وهو أمر وارد، أم أننا سنلجأ إلى نظرية المؤامرة، نخفى وراءها فشلًا ذاع صيته طويلًا وبعيدًا، أبعد كثيرًا من مؤامرة صفر المونديال، وجميع الأصفار التى نحوزها بجدارة واستحقاق؟.
للبرلمان دور مهم فى الأمر، يتجاوز كثيرًا حدود الانصياع للحكومة، مثلما لا يتيح دورًا للمزايدين وأصحاب الحسابات التى ما زالت فى حاجة إلى تسويات لا تنتهى، سواء مع النظام ككل، أو مع الحكومة ووزرائها. فلن يقبل الشعب من برلمانه إلا درسًا وبحثًا جادًا وحقيقيًا، بموجبه تتجسد الرقابة البرلمانية على أداء السلطة التنفيذية. ومن ثم يدرك البرلمان أنه شريك كامل فى المسئولية مع الحكومة.
قطعًا مناقشة الأمر فى البرلمان جديرة بمتابعة شعبية دقيقة، وهو الأمر الذى لا يمكن أن يتوفر فى ظل عدم إذاعة الجلسات على الهواء. وعلى البرلمان أن يدرك خطورة موقفه، خاصة أن القرض لن يتم منحه إلا بعد موافقة البرلمان؛ إذ يتعامل الصندوق، شأنه شأن جميع المؤسسات الدولية، مع الدولة ككيان كبير متماسك، بمؤسساته وسلطاته المتعددة، وليس مع الحكومة فحسب؛ ذلك أن الأخيرة ما هى إلا جهاز إدارى لإدارة شئون الدولة؛ وعليه فنحن إزاء موقف دولة، وليس قرارًا حكوميًا، أو حتى رئاسيًا.
هل بلغ الأمر حد اللجوء إلى القضاء، لإيقاف مسيرة قرض الصندوق؟، لا أدرى إجابة قاطعة، لكننى لا أستبعد ذلك، فهو أمر ليس بعيدًا عن ثقافتنا السياسية فى الآونة الأخيرة. والمدهش أن لجوءنا المتكرر إلى القضاء فى كثير من المواقف السياسية قد يشى بالخطأ ببلوغ القانون مرتبة عليا فى ثقافة المجتمع، غير أن الحال أن القضاء يسد فراغات معيبة وفاضحة فى ثوب العمل السياسى، فعسانا، بقرض الصندوق نصلح أكثر من مجرد أرقام تمثل عجز موازنة الدولة؛ فندرك وطأة الأقدار التى تحيط بتجربتنا الوطنية فى المرحلة الراهنة.
قرض صندوق النقد الدولى ليس حلًا سحريًا، وإنما مقدمة صعبة لخطة إصلاح اقتصادى حقيقى، أراها لا يُكتب لها النجاح بمعزل عن تطور إصلاحى مماثل على الصعيد السياسى، بموجبه نطرح رؤى وطنية واضحة لمفهوم التنمية الشاملة، بمضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
انطلاقًا من مستوى الأداء الحكومى، كنت أتمنى أن نخطو نحو الإصلاح الاقتصادى الجاد فى ظل حكومة سياسية تستند إلى قاعدتها الشعبية؛ ومن ثم حكومة تمتلك منهجًا فكريًا راسخًا مُدققًا، غير نهج المفاجأة، أما حكومة دأبت على أن تعيش فى كنف شعبية الرئيس فحسب، فلست أظنها قادرة على إنجاز برنامج إصلاحى طويل. 
وسط زخم التحديات والمخاطر المحيطة بالوطن، ما أجدرنا بقبول الآخر، لا تفصلنا إلا معايير وطنية بحتة؛ ومن ثم فمعارضة قرض الصندوق لا ينبغى أن ننزع بها عن البعض وطنيته، ودعم القرض قطعًا لا يبرر تقاربًا بين النظام وأصوات فقدت مصداقيتها لدى الرأى العام من كثرة سعيها لهثًا خلف كل نظام، وتعدد وجودها على كل الموائد.