الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ركام الخلافة العثمانية وانقلاب أردوغان

الرئيس رجب طيب أردوغان
الرئيس رجب طيب أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سقوط الدولة الإسلامية أو عاصمة الخلافة عام 1924 لا يختلف كثيرًا على انقلاب الرئيس رجب طيب أردوغان، فمرض كلاهما فرض الحالة التي تعيشها العاصمة أنقرة ، مرض ووهن أدى لتفكك الإمبراطورية الكبيرة التي ضمت من الشرق والغرب وضعف ووهن الرئيس التركي جعله ينتقم من معارضيه جميعًا، بحجة الانقلاب عليه والمثال في حركة الخدمة التي تنازعه الوجود الحقيقي في المشهد التركي.
الرئيس التركي لا يتمتع بأي درجة من درجات الديمقراطية، وإذا لنا أن نوصفه فهو الانقلابي الذي ضرب من نفسه مثالًا لمن انقلبوا عليه، انقلاب أردوغان كان على المبادئ والقيم الإنسانية الرفيعة، كما أنه سبق وانقلب على الدستور التركي حتى أنه انقلب على ذاته في سياسته الخارجية والداخلية، ونحاول في السطور التالية أن نكشف طبيعة السلطان الذي توحدت شخصية مع الذات الإلهية فبدا يتحدث باسم الله في الأرض معتبرًا نفسه ظلًا لله في أرضه!
انقلب أردوغان على القيم الديمقراطية في داخل تركيا، فحسب ما ينص الدستور التركي يمارس رئيس الوزراء صلاحيات إدارته للحكم، فالتف الرئيس الذي لم يتح له الدستور الترشح أكثر من دورتين على مقعد رئيس الوزراء ليتربع على مقعد الرئيس ويحكم، وهو ما يخالف الدستور الذي أقسم عليه وكأنه يُعيد إنتاج نفسه مرة ثانية في منصب جديد ويمارس صلاحيات لا يخولها الدستور وهو ما يُعد انقلابًا.
انقلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سياسته الخارجية التي حاول أن يكون زعيمًا بمواقفه فيها، فطبع علاقاته مع العدو الصهيوني بعد توقف التطبيع قرابة سبع سنوات وإدعائه البطولة على حياة الفلسطينيين متنازلًا عن ضحايا السفينة مرمره، كما أنه انقلب فجأة وبدون مقدمات واعتذر عن إسقاط الطائرة الروسية، وفعل نفس الشيء بعدما أبدى تفهمًا بقبول تسوية سياسية مع الرئيس السوري بشار الأسد، ولم يغب عنه المشهد ذاته في مصر، فبعد حرب طاحنة مع الدولة المصرية ونظامها السياسي أبدى استعداده التصالح مع النظام وأبدى انقلابه على جماعة الإخوان المسلمين المقيمين على أرضه، فعلى أي انقلاب نتحدث ومن الذي انقلب على نفسه!
يعتقد السلطان أنه توحد مع الذات الإلهية في قوته فظهر عصفه بكل معارضيه الأقوياء منذ اللحظة الأولى وهو يتحدث مع الشعب على القناة التليفزيونية على شبكة الإنترنت واتهامه لحركة الخدمة التي كشف منتسبوها واقعة فساد تورط فيها أردوغان وأنصاره قبل سنوات، إصرار الخليفة على الاتهام رغم المطالب بإيضاحات تخص الاتهام تؤكد ما يعيشه معتقدًا المعرفة عبر إشارات قرآنية وإيمانية وتواصل مع السماء أتاح له المعرفة بعد كشف الحجب، وأصبحنا نجده يتحدث واصفًا جيشه بأنه جيش محمد صلى الله علية وسلم.
خروج رجب طيب أردوغان وإعلانه بوضوح بأنه زعيم مشروع الشرق الأوسط الجديد وأنه جزء من هذا المشروع يدل على انقلابه على القيم الإنسانية التي تدعو للوحدة، فعلى قدر إيمان أنصاره بأنه خليفة للمسلمين لتجميع شتاتهم ولو على مستوى الذهنية على قدر عمل الآخر على التفرقة من خلال إيمانه بمشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على فكرة التقسيم والتفرقة، وهو شاهد جديد على تناقضات الشخصية وتناقضات مناصريه، وقدرته على لبس أثوابه وقتما يريد وحسب المناسبة التي يستدعيها الثوب.
هناك إشكالية في العقل العربي تدفعه دائمًا للبحث عن خليفة للخليفة، ربما تعززت هذه الصورة بعد إعلان أبو بكر البغدادي تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، خاصة أن كثيرًا من المسلمين ما زالوا يبحثون عن الشكل القديم في الحكم باعتباره أصلًا من أصوله لا يكون الدين إلا من خلاله فأضفوا الوصف على رجب طيب أردوغان رغم أنه دائم الحديث عن علمانيته، وهو ما يجرنا إلى إشكالية أخرى تتعلق بالتناقض الذي يتمتع بها مناصروه فضلًا عن انعكاسات هذه التوصيفات على أردوغان ذاته.
اجتهادات بعض المسلمين في تسمية شخصية بخليفة أو على الأقل التعامل معها على هذا الأساس يعود لإيمان البعض بلزوم إقامة هذه الخلافة حتى ولو كان على رأسها علماني، فهؤلاء يبحثون عن حل للمسألة الفقهية التي تحتاج إلى إجابة، كيف نعيد الخلافة الإسلامية؟، هؤلاء ظنوا أن الأئمة الأربعة اجتهدوا في مسائل فقهية متخيلة ولم يتطرق لأذهانهم سقوط الخلافة وإمكانية التحرك لعودتها ولو من باب التصور فقط، مما جعلهم يعملون لعودتها رغم أنهم يدّعون غلق باب الاجتهاد بعد الأئمة الأربعة.
نسائم المجتمع العثماني تتجه ناحية الأفول على عكس ما يتوقعه البعض، فسياسات أردوغان باتت أكثر وضوحًا للجميع، وبات خصومه أكثر حضورًا عند الجميع أيضًا، فقد كان سببًا في تعرف المجتمع الدولي عليهم، وأقصد هنا حركة الخدمة التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة خدمة الإنسانية عبر إعلاء القيم الإنسانية الرفيعة بمحددات الفهم القرآني الحقيقي.
بقت كلمة واحدة نريد أن نهمس بها في أذن العالم أجمع لا تفتروا على الحقيقة ولا تخالفوها انتصارًا للشيطان الذي يسكن بداخلكم، فقد تستجيبون له بحكم طبيعتكم الإنسانية ولكن استغراق الانصياع إليه وله يهددكم ويهدد هذه الحقيقة التي نبحث جميعًا عنها في ظل الحياة الجافة التي نعيشها.