الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خيال الإرهاب والعصا السحرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الإرهاب بات يمتلك عصا سحرية يستطيع من خلالها تحقيق ما يريد من نشر الرعب والفوضى والفزع في قلوب خصومه في أنحاء العالم، فضلًا عن الأسلحة التقليدية التي يستخدمها في نحر وجز رقاب أعدائه شرقًا وغربًا، وما لا يمكن إنكاره أن تنظيمات العنف الديني في العالم سبق خيالها خيال أجهزة الأمن في تنفيذ الجريمة السياسية، بل وفي التخطيط لها.
من المسلمات المستقرة أن العالم يخوض حربًا ضد الإرهاب تستلزم درجة عالية من الاصطفاف والجندية للمواجهة على الصعيدين العسكري والفكري معًا، وقد يكون الأهم المواجهة الفكرية لأنها قادرة على فك الارتباط وإنهاء عبثية التمرد الديني من كونه فكرة تعلقت برءوس المقتنعين والمؤمنين بها إلى سلوك يُحرك صاحبه نحو ممارسة الإرهاب الجنائي بصوره المختلفة.
نجح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مواجهة جديدة مع الأنظمة ولكنها هذه المرة حصدت أعدادًا من الأبرياء في أوروبا تخطت المتوقع ولم تقتصر في تنفيذها على الحدود الجغرافية لموطن النشأة في المنطقة العربية، خاصة أن طريقة تنفيذ العملية الأخيرة في جنوب فرنسا كانت بدائية وغير متوقعة ولم تكن فرنسا بأجهزتها الأمنية قادرة ولا مستعدة لهذا النوع من الإرهاب المختلف الذي أزهق كبرياء أجهزة الأمن قبل أن يدهس هؤلاء الأبرياء في الشوارع.
كان واضحًا منذ اللحظة الأولى وجود خيارات وبدائل أمام منفذ عملية دهس المحتفلين في نيس الفرنسية، نجح في التعامل مع الخيارات التي رسمها من أجل تنفيذ عمليته واختار أصعبها وهو تفجير الشاحنة كهدف ثانٍ وليس هدف أول لم يتحقق، ولكننا في المقابل نستطيع أن نقول إنه نجح في تحقيق هدفه من خلال قتل 84 محتفلًا بطريقة أدمت قلوب من شاهد تنفيذ هذه العلمية، فنجح في الفوز بوصف المعركة على أنها نوعية من حيث التخطيط والتنفيذ.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى نجاح الإرهاب في استخدام العصا السحرية ممثلًا في الخيال كأحد أهم أدوات تنظيم الدولة الإسلامية في مواجهة الخصوم؟، وهل يمكن أن نُسمي ذلك نجاحًا للإرهاب أم إخفاقًا لشرطة الاتحاد الإوروبي وشرطة فرنسا على وجة التحديد الذي وقعت في محطيه تلك الأحداث.
خيال أجهزة الأمن كان أضعف من مواجهة الإرهاب سواء على مسرح باتكلان قبل ثمانية أشهر داخل العاصمة الفرنسية باريس والذي راح ضحيته مائة وثلاثون فرنسيًا أو حتى العملية الأخيرة التي دهس فيها الإرهاب الأمن فحصد أبرياء بصورة مزرية، وباتت الصورة أكثر إيلامًا هي صورة الجثث التي قطعت تحت عجلات الإرهاب.
فشلت أجهزة الأمن الدولية والمحلية في فرنسا مرتين إحداهما بسبب ضعف الجانب المعلوماتي الذي لم يكشف عن حقيقة محمد بوهلال منفذ العملية ومجموعته التي ينتمي إليها فكريًا وليس تنظيميًا، فلم تراقب أجهزة الأمن الجاني وخلت سجلات المراقبة من وجود معلومات تدل ولو من بعيد على احتمال أن يكون هؤلاء أو غيرهم يستعدون لتنفيذ عملية إرهابية بهذه الصورة.
الفشل الأمني لم يكن على المستوى المعلوماتي والأمني فيما يتعلق بخضوع الجاني للمراقبة والخضوع للتحقيق، وإنما للتقصير الأمني خاصة أن فرنسا تعيش حالة استثنائية وطوارئ قبل عام، فسمحت أجهزة الأمن لشاحنة أن تعبر الطريق لوسط الاحتفال رغم أنه ممنوع مثل هذا السلوك وهو ما يجعل الخطأ مركبًا، فضلًا عن أن عملية التفتيش واحدة وسط احتفالات بهذه الصورة وقد كان كفيلًا بإحباط العملية وتدبير الجاني لعملية الدهس وإن كان قد خطط لتفجير الشاحنة، ولكن قصرت أجهزة الأمن بالشكل الذي يجعلنا نقول إن التنظيمات نجحت فيما فشل فيه أجهزة الأمن مجتمعة، فتفكير هذه التنظيمات فاق خيال أجهزة الأمن.
الحديث عن مواجهة الإرهاب تتطلب عقولًا أكثر نضجًا للمواجهة بل تتطلب عقولًا أكثر وعيًا لفهم التنظيمات الدينية والتكفيرية على وجه التحديد، ففهم هذه التنظيمات ينبئ بمواجهتها بطريقة صحيحة وواضحة وعميقة، تراجعت أجهزة الأمن في مواجهة تيارات العنف في أوروبا، فضلًا عن فشل هذه الأجهزة ودولها في مواجهة الإرهاب خارج أراضيها، والأصعب أن هذه الدول تتواطأ بشكل كبير مع تنظيمات العنف الديني.
العصا السحرية التي أخرجتها تنظيمات العنف الديني وبخاصة عابرة الحدود في العملية الأخيرة في نيس أبدت وجهًا جديدًا قد يغيير موازين القوى في الحرب الدائرة بين الإرهاب والأنظمة، وهو ما يتطلب إعادة التفكير مرة جديدة في شكل المواجهة وإبداع وسائل جديدة لهذه المواجهة، وألا يقتصر الطموح على مجرد فهم أدمغة هذه التنظيمات التي تمارس الإرهاب.