الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأحلام المسروقة في مستشفى 57357

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرفع مستشفى 57357 شعار "رحلة علم هدفها الحياة" ولكنه في المقابل يقوم بسرقة أحلام النبت الصغير من الأطفال رغم كثرة آلام هؤلاء الأطفال الذين يعانون وجع المرض وقسوته، فرغم طموح هؤلاء الأطفال في الشفاء يغيب المستشفى عن إيجاد بدائل حقيقية لتوفير هذا الشفاء أو حتى الراحة للأطفال الذين تختلط صرخاتهم بأنين ووجع أسر كاملة ينتمي إليها هؤلاء الأطفال، وأحلام ترتسم على وجوههم أملًا في علاج يرجونه من الخالق فيُقصر فيه الخلق.
ترفع إدارة المستشفى شعارها في وسائل الإعلام من أجل استجداء وابتزاز المتبرعين والوصول إلى جيوبهم بأي صورة، ولكنها في حقيقة الأمر لا توفر رعاية كاملة تهدف إلى توفير أمل يُضاف إلى حياة هؤلاء الأطفال أو إلى رصيد المستشفى الأول في علاج أمراض سرطان الأطفال.
يغلق مستشفى 57357 أبوابه أمام الأطفال أكثر من 48 ساعة بما يعادل يومين في الأسبوع، فيتحول من مستشفى عالمي ومتخصص يقدم الخدمة لهؤلاء الأطفال أشبه بالمستشفى المركزي بلا أي قيمة مضافة للعلاج، فقط يقوم بمتابعة الحالات الموجودة بداخله، تتوقف أقسام المستشفى الحيوية وتتحول إلى مجرد خدمة فندقية فقط لمن يتلقون العلاج داخل غرفهم، فلا عيادات خارجية تعمل ولا أقسام حيوية تُخدم على هؤلاء الأطفال إلا القليل.
من عجائب هذا المستشفى أنه يُعطي إجازة رسمية لأقسامه وكل العاملين فيه يومين كاملين لا يمكن أن يتلقى فيهما الطفل أي مساعدة قد تُساعد في توفير فرص الشفاء أو تخفيف المعاناة، خاصة إذا كان هذا الطفل في مرحلة التشخيص الأولى، فيصبح مجرد جثة ملقاة على سرير داخل غرفة يُعبئ الصرح الطبي العظيم المحاليل والمضادات الحيوية خلال أوردته انتظارًا لعمل المستشفى بكامل قوته مع بداية الأسبوع.
ينتظر الطفل عودة الاستشاري من إجازته التي تبدأ صباح يوم الجمعة وتنتهي يوم الأحد من كل أسبوع وقد تزيد لثلاثة أو أربعة أيام، فقد يُصادف بيوم إجازة رسمية قبل الـ weekend وبعده، فيغيب الطفل وأمله في الشفاء 96 ساعة وقد تتدهور حالته الصحية ويُصبح مجرد حالة من آلاف الحالات التي تمر على المستشفى، يدخل من بابها الرئيسي ويخرج من دورها الأرضي ملفوفًا بكفنه.
يلف مستشفى 57357 كفنه حول خصر الأطفال، فتغلق أقسام المستشفى تمامًا في فترة الويك إند، فلا يوجد استشاري لمتابعة الحالات غير المستقرة، اللهم إلا من خلال طبيب واحد قد يمر على كل المستشفى وقد يقيم في الطوارئ نظرًا للحالات غير المستقرة، ودوره بعيد عن التشخيص، فالطبيب المعني بمتابعة الحالات والذي يستعين بباقي أقسام المستشفى لتحديد المرض ومن ثم البدء في إجراءات العلاج من خلال بعض التحليلات خارج نطاق الخدمة هذه المدة الطويلة والتي تُعتبر خصمًا من رصيد حياة هؤلاء الأطفال وقد تتأخر حالاتهم انتظارًا لوصول الطبيب وعمل هذه الأقسام في أوقات العمل التي حددها المستشفى بخمسة أيام.
والمثال يبدو حيًا في طفل قد يعاني أعراض عودة المرض الـ relapse ولكنه يحتاج لإجراء تحاليل بعد أخذ عينة من نخاعه العظمي لبعض الحالات المرضية، فيصادف عدم وجود استشاري في دومة العلاج التي يتم حجزه في إحدى الغرف، وبالتالي يتوقف المعمل الذي يقوم على أخذ العينة، وحتى لو حدث استثناء وتم أخذ العينة من خلال طبيب داخل المعمل بخلاف أوقات العمل الرسمية لهذا المعمل الذي يتوقف عن الحياة يومين كاملين، وقد يكون أكثر حسب عطلات العمل الرسمية للدولة وما أكثرها، فلا أحد يتعامل مع هذه العينة ولن تخضع للفحص إلا بعد عودة الحياة مرة أخرى للمستشفى بعد انتهاء إجازة الويك إند.
لا حيلة للطفل المريض بوجعه وألمه فهو مضطر للانتظار، وبعد أخذ العينة في أوقات العمل الرسمية للدولة قد يحدث للعينة مشكلة فيعاد التحليل أو لا تظهر نتيجة دقيقة للتحليل فيضطر لإعادتها بشكل مختلف وقد يمر أسبوع كامل ويُصادف بدخول إجازة الاستشاري مرة أخرى، فينتظر الطفل بداية أسبوع جديد حتى يأخذ الطبيب قرارًا بإعادة التحاليل مرة ثانية ولكن بصورة مختلفة في محاولة للوصول للتشخيص المرضي، ومضطر الطفل هنا للانتظار لعمل الاستشاري في أوقات العمل الرسمية والمعمل الذي يُجري التحليل والذي يأخذ العاملون فيه إجازة رسمية مع إجازات الدولة سواء في المولد النبوي أو عيد الفلاح أو غيرها من إجازات.
المشكلة التي يُعاني منها الأطفال تبدو في إجراءات التشخيص المتأخرة، فقد يدخل الطفل بمرض يُعرف أعراضه وأوجاعه فتزداد معاناته مع تأخر تشخيصه فيؤثر المرض وتبعاته على أجهزة الجسم الحيوية نظرًا لتأخر إجراءات بدء العلاج أو الوقاية من الآثار السلبية لتفاقم المرض، وهو ما يتعرض له عشرات الأطفال على مدار الأيام ولا حصر، سواء الذين تم حجزهم للعلاج داخل المستشفى أو الذين ينتظرون تشخيصهم للحجز بعد توقيع الكشف الطبي عليهم في العيادة لأول مرة.
الاستشاري هو نصف إله داخل مستشفى 57357 لا يمكن الاعتراض على قراراته ولا يخضع للمحاسبة في ظل إدارة للمستشفى مكونة من مجموعة من الأطباء ليس لهم علاقة بالإدارة وليسوا محترفين لهذه الإدارة، فقط هم ينحازون للطبيب بحكم المهنة التي تجمعهم وخشية أن يفتح باب المحاسبة نار جهنم على المستشفى؛ فقد يموت عشرات ومئات الأطفال تحت وطأة الإهمال دون محاسبة، وهنا أقصد بالإهمال التأخر في التشخيص أو تلقي العلاج، فلا يوجد إهمال أكثر من ذلك ولا فساد أعظم من التقصير في حق أحلام الأطفال الذين دخلوا لمشفاهم وهم يحملون أحلامًا أبعد من القمر وإرادة أقوى من الجبال الرواسي ولكنها تتكسر تحت أقدام إدارة مستشفى 57357 التي انشغلت بترتيب الموائد التي يُصرف عليها عشرات الآلاف من الجنيهات من تبرعات الطيبين من أبناء المجتمع المصري والزكاوات والصدقات التي يُخرجها الناس على أحلام أطفال تموت كل يوم ألف مرة.. وللحديث بقية.