الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

شَوق الدراويش

زيارة خاصة إلى أضرحة أتباع النبيّ

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أن تعبد الله بالرقص.. هذه مسألة أخرى. فى القاهرة كل شىء مباح.. حلقات الذكر وبارات وسط البلد.. الموالد وصالات القمار.. بيوت الدعارة وبيوت الله.. المساجد والمعابد وكباريهات شارع الهرم.. الشيخ ياسين التهامى وهيفاء وهبى. 
نعبد الله بكل الطرق ولا نريد سواه. 
نزور مقام السيدة العذراء ونقرأ الفاتحة ليلة المولد.. أو الليلة الكبيرة.. ونشدّ الرحال إلى ضريح سيدنا الحسين حين تضيق الدنيا بالهموم والكرب وقلة الحيلة. 
حالة جديدة سادت فى القاهرة.. الدوران حول الأضرحة لله. 
هذا صوفى يجد فى الرقص ما لا يجده فى عبادة الله ٣٠ سنة.. يميل يمينًا ويسارًا حبًا للرب الذى لا يترك قلوب عباده ضائعة بين السماء والأرض.. وكل قلوب العاشقين تميل.. «معى بذلك شاهدٌ ودليل.. أمّا الدليل إذا ذكرت حبيبه نزلت دموع العاشقين تسيل». 
يصلِّى القلب، وتخشع الروح، تصعد إلى السماوات العلى، تخاطب الملائكة، تهزّ عرش الرحمن أن ينصت.. تنشد فى سره وملكه وعظمته وحبه الذى ترك نوره: 
«عرفت الهوى مذ عرفت هواك.. وأغْلَقْتُ قَلْبى عَلىٰ مَنْ عَاداكْ»
يرتدى الدرويش التنورة، يهيم فى الملكوت، يتحرر من الدنيا، شوقًا إلى الحبيب.. ومن غيره؟.. من يفهم دقائق الحب غير الراقصين، العابدين، الزاهدين؟
تقف الغواية مع أهل الهوى على خط واحد.. تميل القلوب إلى «دين الحب» ولو كان الحب مكروهًا فى بلاد لا تعشق الكراهية، تحب أن تسحب نفسك منها، تسافر إلى عالم آخر، وإلى وجه آخر تبتغى حنانه وطبطبة لن تنتظر منك شيئًا.. إنما ستضيف إليك.. سترفق بك.. ستتوه كأنها كأس رحمة. 
هناك من أحب حب الله فى ذاته، وأحب الله، إلى درجة التوحد معه، وآمن به، فكان الرقص رحلة ورغبة فى الوصول إليه بطرق أخرى.. لا تشبه طرق كل الناس.. فالحب الذى فى قلبه المملوء بالخطيئة ومملوء بالله أيضًا يسع الجميع، يحب الناس ليس لأنهم أقرب إليه من حبل الوريد، ولكن خيطًا صوفيًا يمسك به كان يؤكد أن الحقيقة تختبئ وراء محبة الناس، بها تصل إلى الملكوت، فلا تدين بشيء، وتصاب بلا مبالاة، وعدم انتباه إلى ما يجرى على الأرض. 
نسيان النفس والوصال مع الله.. الغفلة عن الوجود.. وتذوق البقاء فى الفانى.
رقصة العاشقين سرٌ لا يدركه إلا أهل الهوى.. ترتفع قدماك من على الأرض، تحبّ المولى إلى درجة التوحد معه، تناجيه فى ساعة ليل حلّ فيها شيء من الوحشة، والقلق، والوجد.. وتصل روحك السماء وحدها.. ستكون – ببساطة – هائما، و«لا تبحث عن ضريحك فى الأرض بعد وفاتك.. فضريحك قلوب العارفين».. تطبيقًا لما جاء فى سورة «الأعراف»: 
«وَاذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ».
العشق الإلهى مشروط بحب الذات.. ابتعد عن الناس.. لا تدع قلبك عرضة لعمل الشيطان.. ولا رجس الضَّالين.. فالله يسكن التفاصيل.. والشيطان أيضًا. 
قلبك مثل القاهرة.. كل شيء هنا مباح.. إبليس يرتِّل آياته، ونبيٌّ يقرأ وردًا مُنزّلا من السماوات العلا.
«صار بيتًا لأوثانٍ وكعبة طائف.. وألواح توراة ومصحف قرآن».
المريد يحب الله على طريقته الخاصة، يرقص مصليًا، ويصلى راقصًا.. يدور بـ«التنورة» سارحًا فى دنيا الله.. كأنه واحد من الملائكة التى تطوف حول عرش الرحمن. 
يذكر الله فى مذهبه.. يكلمه طالبًا المدد.. يمد له يديه حين يشعر بحصار الدنيا يخنقه، ويلفّ حبل المشنقة حول رقبته.. يستمع له حين ترهقه دموع الحسرة.. مثل الراهب.. لا يتحرج من استحضار روح الله حتى لو كان عاصيًا.. ويخرج من مولد سبَّح فيه باسم الرسول وأحفاد الرسول وأصحابه إلى جلسة فجور.. يطلب فيها الصلاة على النبي، وزد النبى صلاة.. وقوموا بنا نركع ركعتين لله يأخذ بها أيادينا إلى الجنة. فى القاهرة.. لا فرق بين قعدة سكر وعربدة تحرسها الشياطين، وحلقة ذكر تحفها الملائكة.. كلها تنتهى إلى الله، وتسبح باسمه.. كم من درويش أغواه جمال صنعه المولى – عز وجلّ – فى جسد امرأة.. ثم خرج لصلاة الفجر.. مرددًا: «الحب منك وإليك أنت خلقته.. ووهبت لى قلبًا يحسّ ويخفق.. أهوى الوجود جميعه أرنو له.. فيهزنى حسن بديع مشرق.. هذا الجمال بصمته وجلاله.. ببديع حسنك يا إلهى ينطق.. هذا الجمال وهبتنا إياه».