رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الديمقراطية والإسلام "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وها نحن نعود مرة أخرى إلى كتاب الناقد «العنف الأصولي» لنواصل مطالعتنا الممتعة فى كتابات جديدة ومتجددة لمفكرين عرب خاضوا معركة التجديد، ليس فقط من منطلق البحث المتقن فى العلاقات بين صحيح الإسلام وبين التأسلم، وإنما بحثًا عن مخرج آمن لأوطاننا العربية من وهدة التقسيم والتدمير والإرهاب المجنون. وفى القسم الثانى من هذا الكتاب الرائع تدور الحوارات والكتابات فى مجملها حول موضوع «الديمقراطية والإسلام». ونقرأ كتمهيد «بين انقلاب السودان والانتخابات الجزائرية واللبنانية والأردنية، والعنف المسلح فى مصر واليمن والثورة الإيرانية والحروب الأفغانية، ثمة علاقة واحدة تجمع ما لا يجمع هى الديمقراطية. ومن هذه العلاقة يقترب الإسلام السياسى ويبتعد، يهادن ويعادى، يقبل ويرفض. يدخلها باسم الشورى، ويغادرها باسم الشريعة.. وهذه المقالات عبارة عن مقاربة لأزمة الديمقراطية فى طروحات الأصولية الإسلامية». 
ونبدأ أولى مقارباتنا مع الكاتب اللبنانى الشهير أحمد بيضون صاحب الكتاب الأكثر شهرة «الصراع على تاريخ لبنان - ما علمتم وذقتم» ودراسته التى هو موضع دراستنا الآن بعنوان صارخ «الديمقراطية النجسة، بين الجسد فى الإسلام والفساد الإدارى فى لبنان»، ويبدأ بيضون كتابته قائلًا : «تبدأ مقالتنا هذه من التسليم بفرضية هى أن كل الطرق تؤدى إلى روما، وهذا تسليم يزيد فى خطره أن المسالك المستكشفة لا تتجاوز الاثنين عددًا، وهما «الجسم فى الفقه الإسلامى والفساد الإدارى فى لبنان». [صـ١٧٧] ويقول: «المرحلة الأولى من مسيرتنا هى أن نلخص الخلاصات التى كانت ساقتنا إليها قراءة بعيدة عن السذاجة لكتاب «النهاية» للفقيه الشيعى العظيم أبو جعفر الطوسى مؤسس جامعة النجف قبل ألف من السنين، وهو ذروة معترف بفضله وعلمه بين أصحاب المذهب الاثنى عشرى. وقد استرعى انتباهنا مركزية جسم الإنسان فى النظام الفقهى الإسلامى عامة.. فتسعة أجزاء من كتاب «النهاية» مكرسة لشعائر الجسد: الطهارة - الصلاة - الحج - النكاح - الطعام - الشراب. [١٧٨].. ونجتاز مساحة عدد من الصفحات مرغمين بضغط من ضيق المساحة لنقرأ «فالحديث الذى يقرر فيه الرسول «إنما الأعمال بالنيات» ينظر إليه على أنه حكم شرعى أساسى فمختلف شعائر العبارة وخاصة الصلاة تعتبر باطلة ما لم يسبقها التصريح بالنية» [صـ١٨٤] وتوجيه الجسم نحو قطب متعال تمثله القبلة تمثيلًا رمزيًا هى علامات تتضافر دلالاتها فى التشكيل المتكرر أبدًا لأمة تتكون من أفراد متشابهين. فهو جسد أخ وتنطلق الأمة من تهيئة الأجساد. ولكن هناك علامات قد يجدها البعض ذات أهمية رمزية لتدل على مزيد من الانتماء الدينى مثل إطالة اللحية وحجاب النساء» ويقول مستخلصًا نتيجة مهمة «لهذا الضبط الشعائرى لأجساد المؤمنين إذ تحقق تضامنًا آليًا. وهو تضامن قد ينقلب إلى موجات جماعية فيكون تضامنًا ملاحقًا للجسد ذاته، ويكاد يظهر على جلود المؤمنين فى أسلوب حركاتهم وفى مفاصل كلامهم» [صـ١٨٦]. 
وبعد هذا ينتقل بنا بيضون إلى لبنان ليقول «يعزى الفساد الإدارى فى لبنان إلى مكونين وثيقى الصلة بمكونات النظام اللبنانى وهما التوزيع الطائفى للمناصب والولاء لأشخاص سياسيين. وهذا بديهى. فحين يكون الموظف مدينًا بمركزه لانتمائه السياسى فإن ذلك يسوقه وبقدر ما فى يده من صلاحيات إلى تفضيل هؤلاء الذين يمثلون قاعدته الخاصة والبيئة التى تحميه كبارًا كانوا أم صغارًا. وهكذا يصبح من لحظة تعيينه تابعًا لولى نعمة واحد أو لعدد من الأولياء. وبمقابل الخدمات التى يقدمها الموظف إلى أولياء الموظفين، ويفضى هذا الاستتباع إلى توجه شبه حتمى للفساد. [صـ١٨٧] 
ويطمس مبدأ المواطنة عبر هذه العلاقات الطائفية المعقدة. ثم يمضى بنا بيضون إلى قضية الديمقراطية مؤكدًا «أن المجتمع الديمقراطى تنشأ فيه تقاليد وأعراف ملزمة إلى هذا الحد أو ذاك، تنحو نحو تعزيز التشابه بين الأحداث ذات الوظيفة الواحدة، كما أن القانون الوضعى قد يفرض سلطانه على حياة الجماعات الخاصة وأحوالها لحمايتها مثل حقوق الطفل وحقوق المرأة بما يعمل على حماية هذه الجماعات من إساءات محتملة قد ترتكبها السلطة. والديمقراطية تستهدف مبدئيًا تحقيق زيادة مطردة فى الحقوق المقررة للإفراد ليصبح كل فرد قادرًا على أن يحدد مدى انتمائه إلى الجماعة التى ولد فيها أو تلك التى يتطوع للانتماء إليها. محققًا بذلك إرادته فى أن يعترض على القوانين، وهو حق ملازم للاعتراف الصريح بسيادة المجتمع على القانون السائد.[صـ١٩٣]. وهكذا فإن لبنان يتواجه بتعبئة أجساد [مواطنين] متشبعين بالشريعة وطوائف تخشى على سلامتها ومصالحها. فالطوائف المسيحية الشرقية [فى لبنان خاصة] ليست أقل توجسًا من الطوائف الإسلامية إزاء احتمالات إرساء قواعد ديمقراطية فعلية. فهذه الطوائف تستهدف من تسابقها فى تقبل قيم الحداثة أن تستخدم هذه القيم فى حفظ هويتها، وليس فى تسهيل اندماجها فى مجتمع المواطنة. ولهذا فإن هذه الطوائف قد تمضى لعدة خطوات فقط باتجاه الديمقراطية بهدف حفظ مصالحها الاستراتيجية وأولها وأهمها حفظ مصلحتها كطائفة فى البقاء. 
ونواصل مع نواب الأرض والسماء.