رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الأزهر الشريف "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى إلى بحث جديد لشيخ مستنير وصديق شخصى عزيز زاملته طويلًا فى مجلس الشورى فكان يشع على الجميع فكرًا تجديديًا مستنيرًا هو الشيخ إسماعيل الدفتار وبحثه بعنوان «الخطاب الدينى بين الواقع والمأمول»، ونبدأ معه «الخطاب إفصاح من المتكلم عما يريده، وعما يدور فى نفسه وعما يريد توصيله إلى السامعين، فاللفظ كلام يعقل بالسمع، والمعنى المتضمن فيه يفهم بالقلب»، وينقل لنا عن الماوردى «قد قال بعض الحكماء، والعلوم مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور» (ص١٠٧).
ويسأل الشيخ الدفتار «فما الذى يدعو الإنسان إلى الكلام؟ ويجيب يدعوه إليه الرغبة فى إيصال نفع أو ضرر، ويدفعه لذلك حب أو كره، ومن ثم يجب أن يكون الكلام محمودًا واضح القصد يجمع ولا يفرق ويجذب ولا ينفر»، ثم هو يحذرنا «أن اللغة تتطور كالكائن الحى فقد تدخلها كلمات ويكثر استعمالها، وقد تهجر كلمات فتتوغل فى الإهمال حتى لا تجرى على الألسنة، ومن ثم يجب على المتكلم أن يراعى العرف والاستعمال بين من يوجه إليهم الخطاب» (ص١١٣) ثم يأتى بنا إلى التجديد ويتحدث عنه بالنسبة لمرويات الحديث الشريف فيحدثنا عن أهمية ربط الحديث بالواقع الحياتى وتفعيل مدلولاته للإصلاح ولبناء المستقبل. ويرى ضرورة تبويب الأحاديث على حسب المسائل التى تحتاجها الحياة الإنسانية فى المجالات المتعددة عقيدية وعبادية واقتصادية واجتماعية بحيث يوضح من بينها الأحاديث المقبولة والأحاديث التى يبدو من ظاهرها التعارض مع أمر مقرر والتوفيق بينها، وبيان حال ما لا يمكن التوفيق منها، ثم بيان الأحاديث المنسوخة ثم الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويتعين الأخذ بمبدأ أن يجمع الطالب ما استطاع ثم عندما يسعى لنشر ما علمه يتخير وينتخب ما يلقيه على الناس مما ينفعهم ويرفع من وعيهم، ولو أدى الأمر إلى كتمان أمر حتى يكون السامعون أهله.
ولذلك شواهد وأمثلة عن أصحاب الرسول الكريم، ويؤكد ذلك القاضى عياض إذ قال «ورحم الله أسلافنا المتقين المتحرزين لدينهم فقد أسقطوا من أحاديث المغازى والسير ما كان فيه هجاء للرسول. ثم يدعو إلى جمع الأحاديث التى يوجه إليها الطعن فى البخارى ومسلم على وجه الخصوص وموقف العلماء منها، وتوضيح كيف نفهمها ثم تحديد نوع الحكم الفقهى فى المسألة» (ص١٢٢). ثم ينتقل الشيخ الدفتار إلى مسألة التجديد فى الفقه فيقول إنه مطلوب لأنه المنهج الذى يلتزمه الباحث فى حركته الحياتية فى كل المجالات». ويقول «والفقهاء منذ قديم الزمان كانت لهم لمحات فى التوجيه إلى هذا التجديد فقالوا ويكفى المفتى غلبة الظن بأن هذه مسألة مستحدثة، وليس لأهل العصور السابقة كلام فيها» (ص١٢٤). ويقول «ووجهة القول بالتجديد أن اختلاف الزمن من شأنه تغيير الرأى والاجتهاد، فقد يظهر له فى الزمن الثانى ما لم يظهر له فى الزمن الأول، فوجب عليه تجديد الاجتهاد». ثم يلجأ إلى الإمام الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين إذ يقول «والحقيقة أن حكم الواقعة إنما يتجرد عندما تتغير طبيعة الواقعة.. فقد يعرض لها من الأحوال ما يستدعى تفصيل حكم غير ما شرع لها أولا، وإذ وجد العالم الراسخ فى فهم مقاصد الشريعة واقعة علق عليها الشارع حكمًا، ثم تغير حالها إلى حال تقتضى تغيير الحكم اقتضاء ظاهرًا كان له أن يقتبس من الأصول حكمًا يطابقها»، ومثال ذلك خروج النساء لصلاة الجماعة فى المسجد، فإذا جاء عهد يكثر فيه تعرض السفلة من الرجال للنساء وحدثت وقائع تدل على أن سلطان الدين أصبح ضعيف الأثر فى نفوس هؤلاء، فقد انضم إلى مسألة خروجهن للمساجد مفسدة، فللمجتهد أن ينظر إلى مصلحة خروجها ويقيسها بالمفسدة ليعلم أيهما أرجح وزنًا، ويستنبط لها حكمًا يراعى فيه الحالة الطارئة»: ثم يقول الشيخ الدفتار وبوضوح تام «ولاشك أن الناس اختلفوا اختلافًا كبيرًا فى أحوالهم ومعايشهم وأخلاقهم وسلوكهم ومعرفتهم ومعظم شئونها مما يتطلب نظرة جديدة إلى ما تضمنته كتب الفقه فتتم مراجعتها علميًا لتبلغ الناس ما هم بحاجة إليه وما ليس إليه حاجة» (ص١٢٧) ثم يلقننا «ينبغى فى كل الأحوال ألا يلقى الاتهام على أى طرف دون تفكير وتعقل، فإن الله عز وجل قد بين لنا أن القرآن هداية ولم يذكر أنه يدفع بالإنسان كرها إلى الالتزام به، فالناس فى موقفهم من القرآن بحسب استعدادهم» ثم هو يحذرنا مؤكدًا أن الانحرافات فى المجتمع الإسلامى هى ثمرة للابتعاد عن التربية الإسلامية الصحيحة، وترويج ما يخالفها والاستناد إلى ما تشابه من الآيات ابتغاء الفتنة، كما أن هؤلاء المنحرفين يدفعون إلى الانحراف، أما وجود بعض الأفكار موضع مؤاخذة عند الأسوياء فلا تأثير لها (ص١٢٩) ومن ثم فهو يرى أن واجب العلماء» القيام بتنقية تلك المفاسد مما يكون طابعه الغموض أو ما يؤدى إلى اضطراب الفهم وبلبلة الفكر وتبديد الخواطر مع إيضاح قوة الحجة وإغلاق باب التشكيك على المعاندين، وطمأنة قلوب المنصفين والمؤمنين (ص١٣٣).
وفى ختام هذه الدراسة المتقنة والممتعة يقترح الشيخ «تأليف كتيبات أو مقالات بصفة دورية تتناول موضوعًا من موضوعات القرآن الكريم لإبراز مزايا الأسلوب القرآني، وبيان ثمرات التدبر وتحصيل الفوائد والعبرة وفق منهج التفسير الموضوعي».
شكرًا يا مولانا ألف شكر وإلى مزيد. ونواصل.