السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

علي التركي يكتب: «صفقة الدخيلة».. إبراهيم محمدين المُذنِب والبطل «1»

الصحفي علي التركي
الصحفي علي التركي مدير تحرير البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«كثير من حالات الفشل في الحياة هم أشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من تحقيق النجاح عندما استسلموا»، هذه مقولة تنطبق تمامًا على وزير الصناعة الأسبق «المهندس إبراهيم سالم محمدين»، الذي استسلم لعصابة «جمال مبارك»، ووافق على بيع شركة الإسكندرية للحديد والصلب «عز الدخيلة حاليًا»، في وقتٍ كانت مصر تحتاج منه أن يظل واقفًا كالأسد أمام «مافيا» الفساد المُنظم، برعاية «مباركيّة - أمريكيّة» لنهب ثروات أرض الكنانة، إلا أنه اختار أن يكون كالنعامة، التي تدفن رأسها في الرمال. 

«محمدين»، تلميذ الشيخ عامر السيد عثمان، شيخ عُموم المقارئ المصرية الراحل، الذي حفظ على يديه القرآن الكريم، تناسى ما تعلمه من أستاذه، أن مُحاربة الفساد ضرورة وفريضة، واختار أن يُشارك عصابة «سرقة مصر»، برعاية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمركز المصري للدراسات الاقتصادية برئاسة «طاهر حلمي»، «الصندوق الأسود» لكل صفقات الخصخصة التي كبّدت البلاد، خسائر ما يقارب من 110 مليارات جنيه. 

الحديث عن صفقة بيع شركة «الإسكندرية للحديد والصلب»، لرجل الأعمال أحمد عز، لن يضيف جديدًا، فأطفالنا يعلمون جيدًا مدى القذارة التي تمت بها الصفقة على مرأى ومسمع من «جيل بلا نخوة»، كان يكتفي بالتضرع إلى الله لمواجهة الفساد، رافضًا مواجهة طغاة استباحوا أموال الشعب، لكن فتح هذا الملف سيكشف كيف صنع جمال مبارك وأعوانه الفساد في مصر؟. 

انفراد

الخميس الماضي 31 مارس، انفرد موقع «البوابة نيوز»، بكواليس اللقاء السري بين «إبراهيم محمدين»، وزير الصناعة الأسبق، ورئيس شركة «حديد الدخيلة» الأسبق، مع رجل الأعمال «أحمد عز»؛ للتنسيق بخصوص القضية المنظورة أمام محكمة الجنايات حاليًا، وسبق الحُكم عليهما وآخرين فيها بالسجن والغرامة، وقبلت محكمة النقض طعون المتهمين، وتم إعادة المحاكمة.

كواليس الزيارة التي تحدث عنها باستفاضة الكاتب الصحفي «محمد الباز»، في عدد جريدة «البوابة» الصادر اليوم الثلاثاء، أرى إنها كفيلةٍ بأن تكون دافعًا للحديث باستفاضة عن أطراف متعددة في هذه القضية، التي قد تكون بداية حقيقية لكشف «مافيا»، انتشرت كالسرطان في الجسد المصري، آخر 25 عامًا، احتلت السلطة عنوة برعاية أمريكية لتخريب مقدرات شعب يحلم بالنهضة، ليس لديه مانع للتضحية بروحه من أجل أن يرى راية بلده ترفرف عالية بين الدول.

سنتحدث في حلقات مُتتابعة عن الأطراف التي تحالفت فيما بينها لتسليم شركة «الإسكندرية للحديد والصلب»، إلى يد قرصان نظام مبارك «أحمد عز»، سنبدأ برجل لوثته تلك الصفقة القذرة، فأضاعت تاريخه الناصع البياض، وهدمت كل ما بذل فيه، الغالي والنفيس من أجل خدمة وطنه، إنه «إبراهيم سالم محمدين». 

اللغز الغامض

في فبراير 2008، كلفني مدير تحرير الصحيفة التي كنت أعمل بها، بإجراء حوارٍ مع وزير الصناعة الأسبق، «إبراهيم سالم محمدين»، وذلك في أعقاب الصرخة التي أطلقها المناضل الراحل «أبو العز الحريري»، على هامش المحكمة الشعبيّة التي نظمتها حركة «مواطنون ضد الغلاء» لأحمد عز، بمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، احتجاجًا على الارتفاع الجنوني لأسعار الحديد، الذي وصل حينها إلى ما يقارب من 4 آلاف جنيه؛ بسب احتكار رجل الأعمال «القزم»، كما كان يُقال عليه في مقاهي وسط القاهرة في ذلك الوقت. 

أبو العز «صديق الصحفيين» - كما أحب أن أسميه - أشهر سيفه في وجه الجميع، وقال لهم وقتها: «القضية ليست قضية شخص فاسد، بل قضية نظام مُفسد خلق المشكلة، ويريد أن يحلها لصالح شخص معين»، كل ذلك في وقت انبطح فيه رجال السياسية الأشاوس، الذين ركعوا لنظام أهدر كرامتنا قبل ثرواتنا. 

لم يكن «أبو العز»، البطل الوحيد للمحاكمة التي أحدثت رعبًا داخل نظام مبارك ولاقت تأييدًا شعبيًا وحضورًا طاغيًا، وذلك بعد النجاح الكبير للمحاكمة الشعبية لصناع الأسمنت الذي انخفض سعره بعدها مباشرة، خوفًا من إثارة المصريين، بل تهافت الكثير من الشرفاء للمشاركة فيها وسط ضجيج إعلامي.

وبعيدا عن تفاصيل تلك الفاعلية السياسية، بدأت أبحث وأُنقب عن وسيلة تساعدني للوصول إلى إبراهيم محمدين أهم مصدر في هذا الملف، إلا أني قد فشلت في الوصول إليه، لكن أثناء استرجاعي للمعلومات لتجهيز الحوار الذي كنت أنتظر إجراءه في أي وقت، اصطدمت بلغزٍ لم أعرف جوابًا له، مُتعلق بالاستقالة التي نشرها محمدين في صحيفة «الأهرام»، يوم 9 مارس 2000، فوجدت سؤالًا، لماذا يقدم استقالته من الأساس؟!، وهل هي محاولة منه لإبراء نفسه من تلك الجريمة؟!، وإذا كانت كذلك لماذا ظل رئيسًا للشركة بعد أشهر قليلة من دخول أحمد عز شريكًا فيها في أغسطس 1999. 

لم أجد مبررًا واحدًا، لنشر استقالة «إبراهيم محمدين» في جريدة «الأهرام»، في مساحة إعلانية مدفوعة الأجر، وكنت عازمًا النية لسؤاله عن هذا، فهو شخصية عامة، واستقالته أحدث جللًا، ويمكنه أن يصدر بيانًا وستتسابق كل الصحف في نشره، ولا يحتاج لأن يدفع أموالًا للإعلان عن ذلك.

لكن السؤال ظل في ذهني، ولم أتمكن من استكمال الملف، لفشلي في إجراء حوار معه، وأصبح يُطاردني بين الحين والآخر، كلما سمعت عن الارتفاع الجنوني للحديد، أو رأيت «عز» في البرلمان، فالفضول الصحفي يكاد يقتلني من كثرة التفكير، سنوات تمر ولا أجد سوى إجابة واحدة لا غير، إنها كانت إقالة فاجأ بها النظام وأعوانه رئيس الشركة والوزير المخضرم، بعد أن انتهى دوره، وسلّم لهم الصرح العملاق «تسليم أهالي»، وما يؤكد تلك الاحتمالية هي الزيارة التي قام بها وفد رئاسي رفيع المستوى لمنزله ليبلغه أن دوره انتهى، وأيضًا ما صرح به هو نفسه عن العروض التي قُدّمت له من «أحمد عز» للعمل مستشارًا أو تخصيص حصة من إنتاج المصنع له ليُتاجر فيها ويتربح منها. 

وما أن قامت ثورة 25 يناير، حتى خرج «محمدين» عن صمته، وبدأ يشن الهجوم على نظام مبارك وأعوانه، ويبرئ نفسه من تسهيل عملية الاستيلاء على شركة الدخيلة، وكان ملفتًا ذلك للنظر بشكلٍ كبيرٍ، فقد أجرى عشرات الحوارات تباعًا، لم أرغب في إجراء واحدة منها، رغم أن «السؤال لا يزال في عقلي»، ولم أعرف هل هذا تكاسل أم ماذا؟. 

العقل يحكم

الاحتمالية الوحيدة التي يصدّقها العقل حول دور «إبراهيم محمدين»، إنها تقف عند دور البطولة التي أظهرها على مدى 18 عامًا، أشرف خلالها على صرح عظيم، تحمل كل الضغوط التي مارستها ضده الحكومة، والحصار الذي فرضه عليه رجال النظام فتسبب في إيقاف مشروعات التوسعات التي كان يُريد القيام بها، وأدت إلى تعديل قروض كانت كفيلة بإبقاء الشركة بعيدة عن يد «عز» وأعوانه. 

أحد العاملين القدامى في الشركة، قال لي: (إن إبراهيم محمدين يتألم بسبب الضغوط الهائلة من رجال نظام مبارك ضده، ويده أصبحت مغلولة تمامًا، وأكد له أنه مُستعد للتعاون مع (الشيطان)، من أجل هذه الشركة التي يعتبرها «مولوده»)، لكن يظل دور النعامة الذي لعبه يُطارد تاريخه الحافل بالإنجازات، وموافقته على رئاسة الشركة، وصمته الذي امتد طويلًا يجعله مُذنِبًا، فهل كان يريد أن يحتفظ بتماسك الشركة؟ أم كان طامعًا في الحفاظ على منصبه فغدروا به؟!. 

مُذنِب أم بطل؟

الحقيقة الماثلة أمامنا تشير إلى أن «محمدين» بطل خدم الوطن، ومُذنِب لعب دور المُحلل؛ لتمرير تلك الصفقة، ثم اختفى، كم أتمنى أن يخرج ليعترف أنه أخطأ؟ ليُنحي نفسه جانبًا، ويُحافظ على تاريخه الذي لطخه بكامل إرادته، يكفيه فقط أن يكتب اسمه على محركات البحث، ستكون النتيجة أمامه صادمة، فلا شيء يذكر فيه اسمه، سوى حكم إدانته في صفقة بيع «حديد الدخيلة»، كان يمكنه أن يتحدث أو يستقيل من الوهلة الأولى، كان يستطيع أن يقيم الدنيا عليهم، كان يمتلك القدرة والشعب مؤكد سيثور من أجله. 

في الحلقات القادمة، سنتكلم عن الأدوار التي لعبتها بعض الشخصيات في هذا الملف، خصوصًا «طاهر حلمي»، والدور الذي لعبته بعض المراكز الاقتصادية بـ«رعاية أمريكية».


للتواصل:

علي التركي

مدير عام تحرير موقع "البوابة نيوز"

Ali_turkey2005@yahoo.com

 

مقالات تهمك:-

«صفقة الدخيلة».. إبراهيم محمدين المُذنِب والبطل «1»

«صفقة الدخيلة».. الدور الأمريكي في الفساد «2»

«صفقة الدخيلة».. طاهر حلمي «الصندوق الأسود» «3»