الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مشروع "تشويه الأدب" للناشئين

الرافضون يرونه تسطيحًا والمؤيدون يرونه مشجعًا على القراءة

صورةأرشيفية
صورةأرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة العديد من السلاسل الأدبية والفكرية المهمة التى تعمل جاهدة على نشر الثقافة والوصول بها إلى جميع ربوع مصر مهما كان بعدها عن العاصمة المركزية، ولعل هذا الدور الذى تقوم به هيئة قصور الثقافة من الأدوار المهمة التى تتولاها الدولة لدعم القراءة والثقافة، بل تتحمل الكثير من المال من أجل دعم هذه السلاسل ماديا وطرحها بأسعار زهيدة أقل كثيرا من تكلفتها المادية الحقيقية، وتحرص على وصول جميع هذه المطبوعات إلى معظم الأقاليم لخدمة أبناء هذه الأقاليم البعيدين عن المركز المستمتع بكافة الخدمات؛ من أجل بناء قارئ حقيقى مهتم بالثقافة والقراءة.
منذ فترة أصدرت الهيئة سلسلة جديدة من سلاسلها المختلفة، وهى سلسلة «تبسيط الأدب» التى تصدر بشكل شهرى، والمعنية بنشر تبسيط الأدب العربى للناشئين، ورغم أن موضوع تبسيط الأدب ليس بالمشروع الجديد فى عالم الثقافة، إذ إن هناك الكثير من هذه المشروعات التى تصدر فى أوروبا من أجل تشجيع النشء على القراءة والتثقيف، أو تقديم بعض الأعمال الأدبية الضخمة لهم فى صورة بسيطة، أو إعطاء فكرة ما عن الأعمال الأدبية المهمة، ورغم أننا نشأنا على بعض هذه الترجمات المبسطة مثل سلسلة «كتابى» التى كان يصدرها حلمى مراد وترجم من خلالها رواية «البؤساء» للروائى الفرنسى فيكتور هوجو وغيرها من الأعمال مثل «الحرب والسلام» للروائى الروسى ليو تولستوى، إلا أن فكرة تبسيط الأدب يشوبها بعض الرفض من العديد من المثقفين المصريين الذين يرون فى هذا التبسيط تشويها للأدب وسبيلا إلى نشأة جيل يتميز بالضحالة الثقافية، إذ إن هناك من النشء الذين قد لا يهمهم الاطلاع على أصول هذه الأعمال الأدبية فى صورتها الكاملة، ومن ثم يكتفون بمطالعة هذه الأعمال فى شكلها المبسط فقط، وبذلك يكون قد اكتسب معرفة شائهة وناقصة، ويفوته الكثير من جماليات النص الكامل والأصلى، كما أن هناك فريقا يرى وجود أعمال بسيطة فى الأساس وبالتالى فهى ليست فى حاجة إلى تبسيط؛ لأن تبسيطها سيجعلها شديدة التسطيح مثل أعمال إحسان عبدالقدوس التى هى ليست فى حاجة إلى ذلك؛ نظرا لبساطتها فى الأساس ومن ثم يكون تبسيط أعماله بمثابة تشويه حقيقى لما يكتبه.
فى المقابل هناك فريق يرى أهمية تبسيط الأعمال الأدبية للصغار، وأنها من المشاريع المهمة التى لابد منها لتشجيع صغارنا على القراءة والاهتمام بالكتاب بشكل يتناسب مع أعمارهم وقدرتهم على الإدراك، ومن ثم فهذا المشروع من الأهمية بمكان؛ لأنه يجعل الطفل على معرفة بهذه الأعمال لحين إدراكه لها فيما بعد والاطلاع عليها بشكل كامل.
هنا كان لابد من طرح التساؤل عن هذه الفكرة فى تبسيط الأعمال الأدبية التى يختلف حولها الكثيرون من المثقفين ما بين مؤيد لها ومعارض يرى أنها تسطيح للأعمال الأدبية ولثقافة المجتمع بشكل عام.
يقول الروائى إبراهيم فرغلى صاحب «أبناء الجبلاوى»: «أنا أبويا راجل ليبرالى جدا، وعمره ما تدخل فيما أقرأ منذ نعومة أظفارى، أيا كان ما أقرؤه، لكن ذات مرة وحيدة حدث بيننا مشادة كبيرة بسبب كتاب كنت أظنه أهم كتاب اشتريته فى حياتى، ففوجئت بغضب أبى العاصف، على غير عادته- وهو رقيق جدا ودمث فى تعامله معنا- الكتاب كان ملخصا أو مُختصرا أو تبسيطا لعشرين مسرحية من مسرحيات شكسبير، كان رأى والدى أن هذا الكتاب لا هو عشرين ولا حتى مسرحية واحدة لشكسبير، وقال: لو عايز تقرأ شكسبير لابد أن تقرأه كاملا كما هو.
طبعا آنذاك أخذت الموضوع على أعصابى، وعاندت، وجادلت كالعادة، مندهشا من منطق السيد الوالد، لكن فى الحقيقة لاحقا بعدما قرأت المسرحيات الأربع الكبرى بترجمة جبرا إبراهيم جبرا أدركت ما فاتنى، مع ذلك قرأت مختصرات لأعمال معينة اكتشفت أنها كانت مجرد ملخص فكرة، لا تعرف لغة ولا أسلوبا، ولا أى شيء.
أظن أن الفكرة الخاصة بالتبسيط مُخلة بالأعمال الأدبية فعلا، لكن يمكن لها ملء فراغ الرواية الموجهة لهذه السن أولا، وحين يمكن لهم قراءة محفوظ أو جين إير، أو دوستويفسكى فليقرأوه حينها، وكما هى تُؤلف لهم أعمالا ذات قيمة أدبية رفيعة وفيها عوامل التشويق والمعرفة، وحين يتدرجون فى القراءة سيصلون للأعمال الأدبية الرفيعة باختيارهم ويقرأونها كما ينبغى أن تُقرأ، فعلت هذا مع ابنتى حينما قرأت «موبى ديك» للروائى الأمريكى هيرمان ميلفيل مُختصرا، قلت لها: هذا لا علاقة له بهذا العمل العظيم، ولا تعتقدى أنك قرأت «موبى ديك» بالفعل.
بينما يرى الكاتب عادل أسعد الميرى أن تبسيط الأعمال الإبداعية للناشئة يُشجّع على القراءة ولقد عرف الغرب هذا الأسلوب ويستعمله منذ ١٠٠ عام، حيث يمكن اختصار العمل الإبداعى فى شكل مختصر abridged أو تبسيطه فى شكل مبسّط simplified وتُكتب هاتان الكلمتان على الغلاف بحيث يمكن تجنّب استعمال الكلمات الصعبة فى الشكل المبسّط أو الفقرات صعبة الفهم فى الشكل المختصر، كذلك يمكن اختيار أسهل الفقرات فى الفهم مع استعمال المفردات الأصلية للمؤلف ويُسمّى العمل فى هذه الحالة مقتطفات extract وهى طريقة تتجنّب الفقرات الأصعب على الفهم وفقا لسن المتلقى، كما أن هناك سلاسل تُسمى the ladder series ومعناها سلسلة السلالم، أو المستويات، بحيث يتم طباعة رواية مثل «البؤساء» للقارئ الأجنبى الذى يدرس الفرنسية وليس لديه إلا ١٠٠٠ كلمة أو ٢٠٠٠ كلمة أو ٣٠٠٠ كلمة، وقد تُستعمل نفس هذه الطبعات ذات القاموس المحدود لأطفال المدارس.
وإن كان الروائى إبراهيم عبدالمجيد صاحب «لا أحد ينام فى الإسكندرية» يختلف معهما قليلا؛ فهو ليس لديه اعتراض على الفكرة، ويرى أنها فكرة جيدة معمول بها فى كل دول العالم، مُشيرا إلى أن هذه السلاسل تستهدف الناشئين من أعمار الثالثة عشرة حتى السادسة عشرة لكن يجب على من يقوم بتبسيطها أو تلخيصها أن يراعى الأسلوب واللغة الأصلية للعمل المبسط، مؤكدا على أهمية أن يأخذ مؤلف ومبدع العمل الأصلى حقوقه المادية كاملة كما هو معمول به فى الدول الخارجية.
هنا يقول الروائى مكاوى سعيد صاحب «تغريدة البجعة»: فى الماضى كان هناك أعمال كثيرة وضخمة جدا، وهذه الأعمال كانت بالنسبة لنا كأطفال صغار صعبة وكنا نقرؤها فى طبعات مُبسطة ومختصرة، كما أذكر أننا كنا نقرأ ترجمات لأشهر الأعمال الأدبية والفكرية المترجمة وحينما كبرنا وقرأناها اكتشفنا أنها كانت مُختصرة جدا عن الأعمال الأصلية، وأن المترجم حذف كما يحلو له، لكننا قرأنا وأحببنا الكتاب بفضل هذه الكتب المبسطة أو المترجمة، لكن أن تكون الأعمال المبسطة مجرد فكرة فلا أرى فيها أى مشكلة بشرط أن تكون مُوجهة للأطفال؛ كى تُقرب لهم الفكرة وتحببهم فى القراءة وتجذبهم للكتاب، وهنا تكون الاختيارات شيئا مهما جدا فى هذه المسألة، وجميل أن يُقبل عليها الأطفال فى صورتها المبسطة لأعمال أو كتب حينما يرونها فى المكتبات بحجمها الحقيقى الضخم ربما لن يُقبلوا عليها أو على شرائها وقراءتها.
فى هذا الإطار يقول الروائى فتحى سليمان: لو كان التبسيط على غرار «تأييف» التأليف بمعنى أنه يُعيد الكتابة مرة أخرى بشكل ساذج فلا وألف لا، وأنا هنا أُعارض هذا الشكل من التبسيط؛ لأنه لا يمكن إعادة كتابة نص المؤلف مرة أخرى من قبل غيره، ولكن لو كان فى نطاق ورشة عمل تقوم على حذف الإسهاب والإطناب، وتصغير الحجم والبحث عن تكلفة مُيسّرة وإشراك رعاة تجاريين فى المصاريف، ومُشاركة الدولة والجهات المعنية بالثقافة والأدب، فأنا من هذا المنطلق أوافق على الفكرة.
بينما يقول الروائى محمد العون صاحب «سجن الطاووس»، إنه يرى فى هذا المشروع تشجيعا على القراءة بالنسبة للأطفال، بل يُسهل عليهم التعرف على الأعمال الإبداعية، كما يُسهم بشكل فعال فى تقديم الثقافة للصغار، ويُعوض مشكلة نقص الكتب المخصصة للأطفال، وطالما أن العمل الأصلى موجود ومتاح فلا توجد مشكلة.
من خلال هذه الآراء المختلفة للعديد من الروائيين رأى معظمهم أن تبسيط الأعمال الأدبية قد يكون مفيدا من أجل تعريف الشباب فى بداية عهدهم بالقراءة والأدب، ومن ثم الإقبال على الثقافة شريطة أن تكون هذه الأعمال مُقتصرة على فئة عمرية معينة فقط، ومهتمة بهم وألا يكون هذا التبسيط سببا فى تشويه النص الأصلى أو إعادة كتابته مرة أخرى، وأن يتم توعية الشباب بأن ما يقرأونه لا يمكن أن يُغنيهم عن قراءة النص الأصلي؛ لأن الاعتماد على هذا التبسيط سيؤدى فى النهاية إلى ثقافة مسطحة غير مكتملة.