رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"باستيل" مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأسبوع الماضى كتبت مقالا تناول أزمة الأطباء مع أمناء الشرطة، ووضحت أن ثورة الأطباء تحمل للوطن وصفة العلاج، للتخلص من الجزء العطن الذى أصاب البلد كلها فى مقتل، ولم يلبث الأسبوع أن ينتهى إلا ووجدنا أنفسنا أمام كارثة أخرى من أمناء الشرطة أكبر مما حدث مع الأطباء، لقد تكرر السيناريو بصورة أبشع هذه المرة، ليس ضربا وسحلا، بل دماء وقتل وثورة غضب حاصرت مديرية الأمن وأقسامها يومين متتاليين.
أهالى منطقة «الدرب الأحمر» الذين قتل منهم شاب بثلاث رصاصات من رقيب أمين شرطة تشاجر معه، وكان الشاب على وشك الاحتفال بعرسه بعد شهر، حاصروا مديرية أمن القاهرة وكانوا بصدد اقتحامها، مما دعا وزارة الداخلية لإغلاق ثلاثة أقسام شرطة فى وسط المدينة خوفًا من اقتحام الأهالى لها على غرار ما حدث فى ثورة يناير، التى لم يمر عليها سوى ٥ أعوام فقط، وفى عمر الشعوب يعنى أنها حدثت «أمس» فإن الأذهان مازالت عالقة بما حدث يوم ٢٨ يناير، وهو ما أطلق عليه «جمعة الغضب»، عندما انطلق الأهالى بثورة نابعة من قهر سنوات طويلة واقتحموا أقسام الشرطة وأحرقوها، وهاجموا سيارات الأمن المركزى فى الشوارع دون ذعر أو خوف. 
لقد أوضحت مرارًا، أن الإخوان لم يكن لهم أى دور فى هذا اليوم، وأن الشعب المصرى هو الفاعل، رغم محاولات البعض إلصاق ما حدث بتنظيم الإخوان لتشويهه والتقليل منه، ولكن الحقيقة تفرض نفسها وفى النهاية لا يصح إلا الصحيح، ومن يريد الاستمرار فى تناسى ما حدث يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ أو الاستمرار فى الحدوتة السخيفة والكاذبة، التى تقول إن الإخوان وراء ما حدث فى ذلك اليوم، فعليه فقط مراجعة مشاهد يوم الخميس الماضى أمام مديرية أمن القاهرة، وكيف أجبر الأهالى الغاضبون الشرطة على إغلاق الأقسام، والقبض على المتهم وإحالته للنيابة التى وجهت له تهمة القتل العمد، وطبعًا واضح للجميع دون تفسير أن توجيه التهمة للقاتل بهذا التوصيف، وهذه السرعة لم يحدث إلا عندما غضب الناس لأن غضبهم كاد أن يحرق كل ما يقف أمامه. 
يقول دائمًا ضباط الشرطة عبر الأحاديث الخاصة، إن الدولة لا تستطيع الوقوف ضدهم، لأنه ببساطة من الممكن أن يجلسوا فى بيوتهم ولا يعملون! أى أنهم يهددون الدولة بالانسحاب وبالبلدى «ماسكينها من إيدها اللى بتوجعها»، قد يكون ذلك صحيحًا ولكن ماذا عن الناس؟!
الناس هم فقط من يستطيع الوقوف أمام الشرطة وأمام الدولة كلها، لا أحد يعمل له النظام ألف حساب غير غضب الناس، قبل ٢٥ يناير كانت مؤسسات الدولة كلها متماسكة وتقف بجانب النظام، تحميه وتدافع عنه ومع ذلك عندما غضب الناس، لم يستطع هذا النظام الصمود سوى ١٨ يومًا فقط، ومؤسسات الدولة كلها فى ذلك الحين انسحبت واستجابت لرغبات الشعب، بل إنها كانت تتسابق لنيل رضاه، ما حدث فى جمعة الغضب ويوم الخميس الماضى فى واقعة الدرب الأحمر، يثبت أن للشعب دائمًا الكلمة العليا والأخيرة، وأنه دون غيره يستطيع أن يقف فى وجه الشرطة، وأنه هو فقط من يمنحها هيبتها ويسلبها منها أيضًا وقتما يريد وكيفما يريد. 
منذ عدة أعوام كتبت موضوعًا بعنوان «الداخلية باستيل مصر»، فى إشارة إلى ما حدث فى الثورة الفرنسية، عندما اقتحم الشعب الفرنسى سجن الباستيل المنيع فى وسط باريس، والذى كان حصنًا يرمز للقهر والظلم والبؤس، وكان ذلك فى ١٤ يوليو من عام ١٧٨٩، وأخرجوا السجناء والمعتقلين وحصلوا على حريتهم بأنفسهم، وكان شرارة لاندلاع الثورة الفرنسية، وما تبع ذلك لإعلان حقوق الإنسان، لم تستطع فرنسا كلها أن تقف ضدهم أو تمنعهم، وأصبح يوم سقوط الباستيل ١٤ يوليو اليوم الوطنى لفرنسا تحتفل به حتى الآن من كل عام، وعطلة رسمية للبلاد، وقلت إن الكراهية التى تحصدها وزارة الداخلية من الشعب المصرى، فى تزايد مستمر والاحتقان من تجاوزات أفرادها يرتفع كل يوم عن الآخر، مما يرشحها لأن يحدث معها مثلما حدث مع الباستيل، والآن وبعد عدة سنوات، فإن الداخلية مازالت مرشحة لذلك، ولم يشفع لها شهداؤها الأبرار الذين يتساقطون يوميًا بنيران الإرهاب ولهم كل المجد، لأنهم فى الأصل أبناء هذا الشعب المقهور والمقتول بنيران رصاص الشرطة أو بوسائل تعذيبها فى الأقسام والسجون.
وقد تبين تمامًا أن الداخلية لا تتغير بتغير الوزراء، ولا الحكام، فهى تعمل وفق عقيدة يتم غرسها فى طلاب كلية الشرطة، حتى قبل أن يصبحوا ضباطًا، بأنهم أسياد الشعب، وأن الضابط الناجح الذى يصل إلى أعلى المناصب هو «المفترى» الذى لا يرحم أحدًا، من أول العساكر إلى المواطنين، وفكرة الإهانة راسخة فى عقولهم، لأن الطلاب يتعرضون للإهانة منذ أول يوم دراسة فى الكلية، ويتم سبهم ولعنهم والتعامل معهم يكون قاسيًا جدًا، حتى تتمكن هذه القسوة والإهانة من نفوسهم وقلوبهم، وعندما يتخرج الطالب يكون متشبعًا بذلك، ويمارس ما تعرض له هو شخصيًا على ما يتصور أنه أدنى منه مثل العساكر، وعلى المواطن اعتقادًا منه أيضًا، أن المواطن أدنى منه كما علموه. 
إن المشكلة تبدأ من كلية الشرطة، وتكمن فى العقيدة التى تحكم نفوس وعقليات ضباط الشرطة، صحيح أن الرئيس «السيسى» منزعج تمامًا مما حدث فى الفترة الأخيرة، من تجاوزات واعتداءات رجال الأمن على المواطنين، وقد بدا ذلك واضحًا فى الاجتماع الذى جمعه مع وزير الداخلية «مجدى عبدالغفار» فى اليوم التالى لموقعة الدرب الأحمر، والذى انفعل فيه الرئيس على الوزير بشدة، بسبب الأزمات التى تحدث بين الشرطة والمواطنين، وكان آخرها ما حدث فى الدرب الأحمر، كما أن الرئيس وجه تعليمات صارمة إلى الوزير، بأن ذلك يجب أن ينتهى بطريقة عادلة ترضى المواطنين، وتحافظ على كرامتهم، وكان الرئيس مستاء بشدة مما حدث واحتد أكثر من مرة على الوزير، ولكن الرئيس «أى رئيس» لن يتخلص من هَم تجاوزات رجال الشرطة ضد المواطنين وضد نظامه إلا إذا أعاد النظر فيما يحدث داخل أكاديمية الشرطة مع الطلاب الذين هم ضباط المستقبل، فإن هيكلة الوزارة تبدأ من الدراسة وليس العمل، عليه أن يصلح الأساس الخرب أولًا، وبعد ذلك سوف تتغير الشرطة كلها إلى الأفضل فى كل شيء، ونتفادى جميعًا ما يحدث بسببهم من مصائب لا نلاحق عليها.