الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

كيف يرى "هيكل" الجنة والنار ولماذا أوصى بخروج جثمانه من "الحسين"؟

يعتبر الله فى عقله وقلبه ويعتقد أن الآخرة «رمز»

 محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان ذلك فى عام ١٩٧٥ حينما أصدر «هيكل» كتابه «الطريق إلى رمضان» بالإنجليزية، وهو الوحيد الذى صدر له بدون مقدمة.
يروى «هيكل» فى كتابه تفاصيل مشهد جمعه مع «عبدالناصر» بفندق «النيل هيلتون»: «كان فندق النيل هيلتون قد حجز كله للمؤتمر وخصص لكل رئيس وفد ومستشاريه ورجال حرسه وغيرهم طابقا بأكمله، وكان عبدالناصر ينزل فى الطابق الحادى عشر، وكنت ظهر أحد الأيام، وكانت فترة نسبيا من فترات المؤتمر، حيث كان غيرى فى عمان وليس أمامنا الكثير نفعله إلى حين عودته، أجلس معه نتبادل الحديث، وقلت له إنه لجميل أن يقيم الإنسان فى الفندق بين الحين والحين كنوع من التغيير».
فقال: «أنا لا أجد ذلك جميلا»، إنه كالقشلاق، ثم قال: «إنه جائع»، وسأل: «هيكل أتظن أن الطعام هنا فى الهيلتون مختلف عن الطعام الذى آكله فى البيت؟».
قلت: «المسألة تتوقف.. ما الذى ستطلبه؟»، قال: إنه يريد بعض السندويتشات، وأرسل فى استدعاء سفرجى، عاد بنوع من سندويتشات الجبن الأبيض نفسه الموجود دائما فى بيت عبدالناصر، وكان التفسير لذلك أن دواعى الأمن استدعت إحلال طهاة الرؤساء الخصوصيين محل طهاة فندق هيلتون وعمال مطبخه، وقلت لعبدالناصر إن هذا ليس نوع الطلب الذى يجب أن يطلب فى فندق كالهيلتون، فقال: «وماذا يطلب الناس فى الهيلتون عادة»؟
فقلت: «عادة فى منتصف النهار لا يطلبون سندويتشات جبن ربما طلبوا كانابيه (قطع صغيرة من الخبز المستطيل بالسالمون المدخن).. وأضفت ضاحكا ومداعبا: وربما بعض المارتينى».
فقال: «المارتينى؟... ألا يخشون أن يكون ذلك سببا فى تصرفات الإنسان وسلوكه»، وسكت «عبدالناصر» لحظة ثم سأل فجأة سؤالا غريبا، عدت إلى تذكره كثيرا فيما بعد: «هل أنت مؤمن؟»، فقلت: «أجل.. وبالقطع أنا مؤمن».
فسأل: «إذن قل لى ماذا بعد الموت؟»، فقلت: «ذلك سؤال بالغ الصعوبة، وأعتقد أن الجنة والنار هما هنا فوق هذه الأرض، وربما كان القصد من ذكرهما هو الرمز للخير والشر، وفى إمكاننا نحن أنفسنا أن نجعل من حياتنا جنة أو نارا بعد الموت، فربما كانت النهاية».
فقال «عبد الناصر»: «أتعنى أن من يفعل خيرا على هذه الأرض لا يدخل الجنة؟»
قلت: «لا أدرى وإنما أظن أن الجنة والنار رمزان»، قال: «ذلك يعنى أننا بالموت ننتهى، وهذا كل شىء»، قلت: «هذا كل شىء»، فقال: «هذا ليس مطمئنًا».
من هذه الكلمات كان التشكيك فى إيمان «هيكل»، فالرجل يؤمن بـ«رمزية الجنة والنار»، وأنه بالموت ينتهى كل شيء فلا حياة أخرى.
على أن «هيكل» تطرق إلى مسألة الجنة والنار فى حوار أجراه مع الأديب الفرنسى أندريه مالرو، فى عيد الميلاد الأول لجمال عبدالناصر بعد وفاته «١٥ يناير ١٩٧١».
لثلاث ساعات استمر الحوار بين «هيكل» و«مالرو» عن الموت والمجد.
ألقى «مالرو» بكلماته إلى «هيكل»: «الموت هو الحقيقة النهائية».
فقال «هيكل»: قد أختلف معك.
قال «مالرو»: «أعرف... لأنك مسلم فأنت تعتقد أن هناك عالمًا آخر بعد الموت تمتد إليه حياتنا فى الدنيا».
قلت: «لأسباب أخرى.. ما يمكن أن تتركه حياة أى إنسان منا على هذه الأرض بعد أن يذهب من أثر، ثم تراكم هذه الآثار وما نقدر على صنعه من قيم إنسانية.. ثم استمرار هذه القيم وتطورها وامتدادها مع امتداد الحياة نفسها».
لم يقتنع «مالرو» فأعاد عبارة للزعيم السوفيتى ستالين: «مهما فعلنا فإن الموت هو المنتصر الأعظم فى النهاية».
على طول كتابته لم يدخل محمد حسنين هيكل إلى «مساحة الدين» ربما فقط هذه الإشارة فى «الطريق إلى رمضان».
فى طريق بحثى عن «الله فى حياة هيكل» عثرت على حوار أجرته معه الأستاذة سناء البيسى وقت توليها رئاسة تحرير مجلة «نصف الدنيا».
كان السؤال الموجه إليه: «كيف تنظر إلى الله من خلال الاكتشافات العلمية؟».
وكانت إجابته: «أعتبر الله فى قلبى وفى عقلى، وكثيرًا ما تكلمت عن الفكرة المادية والإنسانية والعقلانية، وأن الأفكار الثلاث تترابط مع بعضها، لأن الإنسان لديه احتياجات مادية ولكن لديه عقلانية الحياة تفقد كل قيمتها إذا تكلم المرء فقط عن المادة، ولا يعود هناك معنى للحياة، ضرورة الحياة أن يبقى عندك البعد العقلى والبعد الإنسانى والبعد الإيمانى، لأن الإنسان فى النهاية كائن واحد».
تحدث الرجل عن نشأته الدينية بشكل واضح فى حوار طويل مع محمد الشافعى، رئيس تحرير مجلة «الهلال» السابق: «فى منزل جدى لوالدتى وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم لكل أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم، فأحفاد عبدالله سلام لا بد أن يحفظوا القرآن، وكان فى بيت جدى مندرة مليئة بالكتب جمعها جدى وخالى من مكتبة صبيح بالأزهر، وبيت جدى كان موجودًا فى المنطقة التى بها مشيخة الأزهر الجديدة، وكان بجوارنا بيت الرافعى وبيت الرزاز، وهذه المنطقة كانت مقراً للتجارة الوطنية فى مصر، وتمتد إلى ميدان الأوبرا، والسكة الحديد حتى ميدان عابدين، وهو الخط الفاصل بين قاهرة التجارة الوطنية، وقاهرة التجارة الأجنبية، كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة التى كان بها بيت جدى وهى المنطقة التى يطلقون عليها الآن السكة الجديدة والأزهر والغورية، فالتجارة الوطنية كما ذكرت كانت فى هذه المنطقة، وفى الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية».
ساهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم دينى فى تشكيل ملامح شخصية هيكل الأولى: «كنت أذهب يوم الجمعة مع جدى إلى مقصورة سيدنا الحسين فى وقت مبكر وأجلس لأستمع إلى القرآن الكريم بأصوات المقرئين العظام: الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى والشيخ محمد رفعت، هذا إضافة إلى البيت الذى يحمل استعداداً ثقافياً كبيراً، وفى هذا الإطار أؤكد أننى ولدت بمنطقة الحسين وليس فى قرية باسوس فى القليوبية كما يكتب الكثيرون، وأذكر أن أول كتاب قرأته كان (أدب الدنيا والدين) - وعانيت كثيراً فى فهمه - وقرأت بعد ذلك فى دواوين الشعر وفى كتاب «الأغانى» للأصفهانى وفى كتاب «ألف ليلة وليلة»، ثم جذبتنى كثيراً كتب السير الشعبية مثل «ذات الهمة» و«الظاهر بيبرس»، وهو واحد من الشخصيات التى تأثرت بها كثيراً؛ لأنى رأيت فيه صورة البطل».
فى الحوار نفسه سئل «هيكل» عن الروافد الثقافية فى حياته، فأجاب: «القرآن الكريم هو الرافد الأول بعد أن تحول إلى واجب عائلى، فقد كان علىّ وكل أطفال العائلة أن نتعلم القرآن على يد الشيخ قاسم، ثم الافتتان بالسير الشعبية، ومنها إلى المجالات الأدبية المختلفة، والفضاءات الثقافية المفتوحة، والثقافة بشكل عام عملية مستمرة تعيش مع الإنسان من ساعة مولده إلى ساعة موته، وتحتاج إلى المعايشة، فليس من المعقول أن أطلب منك أن تتصور معرضاً أو مكتبة أو مرسماً، إلخ؛ لأن عليك أن تتعايش مع هذه الأنشطة لأن الثقافة حياة بالدرجة الأولى، تدفعك إلى امتلاك النظرة الكلية إزاء الزمن والعصور والتطورات والتاريخ، والثقافة هى الوعى بعالمك والحياة فيه وتصور تقدمه، بعد أن تقترب منه ثم تلامسه ثم تعيش فيه ومعه، وكل هذا تعايشت معه من خلال قراءة القرآن ثم الكتب المختلفة ثم التعليم الأساسى، وأعتقد أنى مدين بشدة لمدرسة خليل أغا الابتدائية والتى كانت تابعة للخاصة الملكية، فالتعليم بهذه المدرسة كان شديد الرقى والتميز، وحتى الآن ما زلت أتذكر معامل المدرسة وملاعبها وخلايا تربية النحل والزراعة، ومثل هذا التعليم الراقى هو الذى يستطيع أن يعطيك المفاتيح التى يمكنك أن تصل من خلالها إلى العلم الحقيقى والآفاق الأوسع».