السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مستقبل المنطقة بعد انهيار أسعار النفط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ بداية القرن العشرين وقبل مرحلة اكتشاف النفط، كان اقتصاد الجزيرة العربية، يمثل شكلًا من الاقتصاد المغلق، الذى يقوم على المجهود الشخصى غير المنظم، غايته تأمين متطلبات الحياة اليومية بحدها الأدنى. ومنذ تولى الملك عبد العزيز بن فيصل بن سعود الحكم عام ١٩٣٢، بدأ الملك يفكر فى موارد جديدة لمنظومة اقتصادية حديثة، وعندما رفضت بريطانيا العظمى مساعدة الملك فى التنقيب عن النفط لجأ إلى شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» الأمريكية ليتم اكتشاف أول بئر نفطية فى الدمام وقد واصلت الشركة نشاطها بحفر حوالى ٧ آبار جديدة على عمق ١٤٤١ مترًا وذلك فى مارس ١٩٣٨، ومنذ ذلك التاريخ ارتبطت السياسات العالمية بالمنطقة بمصالحها النفطية خاصة أمريكا، وعندما اكتشف العرب إبان حرب ١٩٧٣ قوة سلاح البترول فى مواجهة أعداء الأمة العربية، تصاعدت أطماع الغرب فى المنطقة العربية، وقد ساعد هذا على ارتفاع سعر النفط وإقبال السوق العالمية على استيعاب كميات هائلة، ساعد ذلك دول الخليج فى تدشين خططها التنموية، وفقًا لنظرية النفط قادر على توفير جميع الاحتياجات بدءًا من السلاح وانتهاء بالمواد الغذائية الأساسية، ومع نهاية حقبة السبعينيات وحيث وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد برعاية أمريكية مع إسرائيل، استطاعت أمريكا أن تجنب مصر الدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل حليفها الأول فى المنطقة. وبدأت أمريكا فى تنفيذ مخططاتها الرامية إلى إدخال المنطقة فى حالة حرب دائمة. فجاءت الحرب الإيرانية ـ العراقية، التى استمرت قرابة الـ٨ سنوات وتم استنزاف جزء كبير من فائض إنتاج النفط فى تمويل هذه الحرب، ومن بعدها جاء غزو العراق للكويت، ثم غزو أمريكا للعراق حتى وصلنا للمخطط الأمريكى الذى تواكب مع انهيار مشروع الربيع العربى فى معظم البلدان، باستثناء مصر وتونس، وظلت عوائد النفط العربى تقوم بسداد فواتير كل هذه الحروب وما زالت. واستمر نمط الاقتصاد فى معظم الدول العربية يقوم على تصدير النفط والغاز الطبيعى والمعادن.. إلخ. ومع اكتشاف النفط الصخرى فى أمريكا وحيث يتوقع الاقتصاديون أن تصبح أمريكا هى المصدر الأول للنفط بحلول عام ٢٠١٧، على الرغم من التكلفة الباهظة لإنتاج النفط الصخرى التى تتراوح ما بين ٤٤ و٦٦ دولارًا للبرميل الواحد.
إن التوسع الأمريكى فى إنتاج النفط الصخرى، زاد من مخزونها الاستراتيجى إلى ٤٠٠ مليون برميل، وتأتى حالة الانكماش فى السوق العالمية، خاصة فى الصين وزيادة المعروض من النفط فى البورصات العالمية، كأهم عاملين مؤثرين فى انخفاض سعر البترول إلى ما دون ٣٠ دولارًا للبرميل، بداية من عام ٢٠١٦ وعند هذا الحد ستضطر الكثير من الدول لبيع برميل النفط بأقل من التكلفة الفعلية لإنتاجه. فقد أظهر تقرير من شركة «ريستارد إنيرجى» الدولية لأبحاث واستشارات الطاقة أن أكثر من ٨ دول تبيع برميل النفط حاليًا بأقل من تكلفة إنتاجه وذلك عند مقارنة أسعار النفط بالأسواق العالمية للتكلفة الفعلية لإنتاج البرميل. وأشار التقرير إلي أن بريطانيا تأتى على رأس المتضررين عالميًا من أسعار النفط الحالية، حيث يصل متوسط تكلفة إنتاج البرميل إلى ٢٥.٥ دولار بفارق نحو ٢٢ دولارًا أعلى من سعر البيع، تليها البرازيل بنحو ٤٩ دولارًا ثم كندا بتكلفة ٤١ دولارًا لكل برميل وأقل من سعر البيع بدولار واحد وتتكلف الولايات المتحدة حوالى ٣٦ دولارًا للبرميل، بينما تتراوح تكلفة إنتاج البرميل الصخرى الذى تنتجه الولايات المتحدة ما بين ٣٠: ٧٠ دولارًا لكل برميل. أما فى نيجيريا والصين فتصل تكلفة البرميل إلى نحو ٣١.٦ و٢٩.٣ دولار على الترتيب وتتحمل روسيا ١٧ دولارًا تقريبا لكل برميل، أما فيما يخص الجزائر فإن تكلفة إنتاج برميل النفط إجماليًا حوالى ٢٠.٤ دولار وبالتالى فإنها غير بعيدة عن أسعار النفط الحالية التى تهاوت إلى ما دون ٣٠ دولارًا للبرميل. وقد لا يكون تراجع سعر النفط إلى ما دون ٣٠ دولارًا نهاية المطاف، إذ ثمة تقديرات أن يصل سعر البرميل إلى عشرة دولارات حسبما أفادت صحيفة «التلغراف» البريطانية منذ أسبوعين وحسب تحذيرات عدة صدرت عن بنوك، فإن أسعار البنزين ستشهد أدنى سعر لها منذ عام ٢٠٠٩، ولن يصل سعر البرميل إلى ١٠ دولارات دون المرور بمرحلة الانخفاض بمستوى ٢٠ دولارًا أولًا. عموما كلما انخفض سعر البرميل فى بورصة النفط، ستضطر دول كثيرة لخفض حجم إنتاجها وسيصاحب ذلك توقف فى نشاط الشركات المستثمرة فى مجال البحث والتنقيب والاستخراج. وإذا أضفنا إلى هذه العوامل عامل الحرب والنزاع فى منطقتنا العربية، ستضطر السعودية ودول الخليج للحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية وذلك لارتفاع فواتير الحرب فى سوريا واليمن والعراق، وستلجأ حكومات دول الخليج والسعودية لتقليص الإنفاق الداخلى، خاصة تقليص الدعم فى أسعار الطاقة، التى تعتبر أرخص أسعار للطاقة للمستهلك فى العالم والتى تعد كمنح وجوائز حكومات السعودية والخليج لتأمين السلام الاجتماعى مع شعوبها، وهذا ما يفسر أن معظم دول الخليج والسعودية رفعت أسعار المحروقات بنسبة تصل إلى ٣٠٪، مع رفع العقوبات الدولية عن إيران ستصبح بإمكانها زيادة إنتاجها اليومى من النفط، بل التوسع فى زيادة حجم الصادرات التى كانت تواجه بالعقوبات الدولية، وبالتالى تستطيع إيران زيادة نفوذها فى المنطقة العربية بدعم وكلائها فى الحرب تحت شعار الدفاع عن حقوق الأقليات الشيعية فى اليمن والبحرين والعراق.. إلخ. وهناك عامل آخر يعبث بسعر البترول فى المنطقة العربية وهو استيلاء داعش على حقول البترول فى العراق وسوريا وليبيا، حيث تبيع إنتاجها عبر السوق السوداء لتستفيد منه تركيا وقطر، حيث يقوم داعش ببيع برميل البترول من ١٠: ١٥ دولارًا للبرميل. إن غياب الحل السياسى للصراع فى المنطقة، وعدم قدرة المجتمع الدولى علي إيقاف عجلة هذه الحرب ومع تراجع أسعار النفط عالميًا والإصرار الأمريكى على مشروعها الرامى إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة. كل هذه العوامل ستمثل تحديات حقيقية لحكومات وشعوب المنطقة العربية.