الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

البركة في الشباب.. فعلًا لا قولًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


 

كم هي كثيرة تلك الفعاليات التي ترفع شعارات جذابة من عينة «الاهتمام بالشباب» أو تنميتهم أو تطويرهم أو حتى الاستفادة من طاقاتهم من أجل نهضة الوطن العربي انطلاقاً من حقيقة مؤكدة هي أن الأمم تبنى بسواعد هذه الفئة التي من المفترض أنها القوة الضاربة والمؤثرة في المجتمع.. لكننا وبكل أسف سرعان ما نكتشف أن هذه المؤتمرات واللقاءات لا تسمن ولا تغنى من جوع.

ومنذ قديم الأزل يواجه الشباب في وطننا العربي عدة تحديات مزمنة يمكن إجمالها في الفقر والبطالة وارتفاع معدلات العنوسة بين الجنسين والإدمان وانعدام الرؤية المستقبلية وكلها تؤدى إلى نتيجة واحدة عنوانها اليأس والإحباط والانعزال وفقد الوازع الوطني والانتماء وجميعها بمثابة عوامل هدم خطيرة لأجيال كاملة.

وبفضل انتشار تقنيات الاتصال الحديثة طفا على السطح اسم جديد للتحديات التي تواجه الشباب العربي عنوانه «التهميش»، حيث نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في اجتذاب الملايين من هذه الفئة كبديل للمشاركة الحقيقية للشباب وراحوا يعبرون عن الأزمات التي يمرون بها وتشير كل التقارير إلى أنهم يقعون فريسة للتجاهل الاجتماعي والوظيفي، حيث إنهم لا تتاح لهم أي فرصة في الإبداع أو المناصب القيادية أو حتى إبداء الرأي.. والحجة جاهزة «نقص الخبرة وعدم الدراية» وكأن من يتولون هذه المناصب ولدوا عباقرة وقياديين.. ونسى هؤلاء أو تناسوا أن عمر الوزير في دولة متقدمة مثل النمسا يبدأ من ٢٧ عامًا.

كل هذه التحديات والأزمات أوصلتنا للواقع الذى استيقظ عليه المشهد العربي خلال الأعوام الأخيرة، حيث دخل متغير خطير على مسرح الأحداث يتمثل في اندلاع ثورات «الربيع العربي» والتي كان وقودها الشباب القابع أمام مواقع الإنترنت على النحو الذى شهدته تونس ومصر كمحطتين أساسيتين شاهدتين على التغيير السياسي بأيدي الشباب.

كما عصفت هذه الأحداث بصورة أكثر دموية بالمشهد الأمني برمته في عدة بلدان أخرى كما جرى في سوريا وليبيا واليمن.. حيث نجحت قوى الظلام والإرهاب في استقطاب فئة الشباب وقامت بتجنيدهم تحت مفاهيم دينية خاطئة وإغراءات مادية للسقوط في هوة الإرهاب السحيقة وأصبح الانضمام تحت لواء تنظيم إرهابي أو جماعة تكفيرية هو مفتاح الحل لكثير من الشباب فاقد العقل والهدف والأمل.

وجاء ذلك كله نتيجة أن هذا الشباب عانى من الاغتراب في وطنه بسبب تهميش دوره في المجتمع لسنوات طويلة.. ولكن قراءة الواقع تؤدى بنا إلى نتيجة أخرى، مفادها أن الشباب وبعد هذه السنوات التي مرت لا يزال يرى أنه بعيد عن التمكين الذى سعى إليه بالدرجة نفسها التي يرى فيها أن الآمال التي كان يسعى لتحقيقها لأوطانه يواجه تحقيقها مصاعب جدية.

الأمر الذى وضع أغلب بلدان الوطن العربي أمام تحد خطير من نوع جديد من أجل إصلاح ما أفسدته الأوضاع المؤدية لهذه النتائج الخطيرة وبات لزاماً على كل مسئول الاضطلاع بمسئولياته أولاً لإدراك حجم ونتائج هذه التحديات ومن ثم اتخاذ الخطوات العملية لإيجاد حلول جذرية لها.

وتستلزم هذه الخطوة ضرورة التعرف على تركيبة وخصائص هذا الجيل الشاب واستقراء أنماطه الجديدة في المشاركة المجتمعية والوقوف على نمط تفاعل المجتمع معه، بعدما فرض نفسه هذا الجيل وحراكه السياسي كفاعل أساسي في عملية التغيير مع ضرورة إدراك قدرة الشباب العربي هذا على فرض نفسه وأفكاره وقيمه وآلياته على الواقع.

وهنا تبدو مهمة تقديم نموذج بديل، أو نماذج متعددة بديلة لهؤلاء الشباب أمراً لا يعتبر من قبيل الترف أو الرفاهية أو حتى الاختيار أمام الحكومات والنخب والمجتمعات في الدول العربية، بقدر ما يدخل في عداد الضرورة الحتمية التي لا يوجد بديل عنها في المواجهة الفكرية والصراع العقائدي، وكلاهما أمران طويلا المدى مع التنظيمات الإرهابية والقوى الداعمة لها أو تلك التي توفر لها أرضية فكرية وغطاء سياسياً.

ويرتبط هذا بحقيقة مفادها أن الشباب يمثلون أكثر من ٥٠ في المائة من المواطنين في كل المجتمعات العربية، وبالتالي فهم من يضخون كل عام أعدادًا جديدة إلى سوق العمل ويتوقعون وظائف وأعمالاً تلبى طموحاتهم وتطلعاتهم، كما أنهم بالمقابل هم من أكثر فئات المجتمع معاناةً من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة للبطالة، سواء بعد انتهاء فترات دراستهم أو تدريبهم أو من خلال الانتقال لاحقاً من سوق العمل إلى البطالة.

فلم تعد مهمة تمكين الشباب العربي نوعًا من الرفاهية الاجتماعية بل هي في واقع الأمر مهمة إنقاذ عاجلة وتحتاج إلى منحها الأولوية من قبل الحكومات والنخب والمجتمعات العربية، ليس فقط لأن ذلك هو المتوقع والطبيعي في كل المجتمعات الإنسانية، بل لأنه أمر أكثر إلحاحاً في ظل المخاطر والتحديات التي تواجهها المجتمعات العربية اليوم وفى الغد القريب، ما بين مواجهة الإرهاب والحرب عليه سعياً للقضاء عليه من جهة، وتحقيق الاستقرار القائم على التوازن الإيجابي لبنية المجتمعات التي يشكل الشباب أغلبيتها من جهة ثانية.. والخُلاصة أننا إن أردنا خيرًا بوطننا فعلينا بإعلاء مبدأ «البركة في الشباب» قولاً وفعلاً.