الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية.. نظرة موضوعية "8"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ممكن جدًا حل كثير من المعضلات التى تواجه الدولة المصرية على الساحة الدولية، إذا ما كانت قدرتنا أكبر، وأكثر جرأة، على إجراء مصارحات شتى مع النفس، بموجبها تلين رؤى جامدة فتصبح أكثر ميلًا إلى إعادة تشكيلها وفق ما هو سائد بالفعل على الأرض من حقائق، لم تعد محل جدل مقبول فى المجتمعات المتقدمة على طريق الديمقراطية.
على خلفية ما سبق، يمكن الإشارة إلى جملة من تعقيدات وتشابكات المشهد الإقليمى، لا يمكن تجاوز ما بها من تحديات ومخاطر على أمننا القومي، إذ فى ظل ثبات الرؤى الجامدة، تقل وربما تنعدم، إمكانية اقتناص ما بها من فرص تدعم القوة الشاملة للدولة المصرية.
بداية، دعنا نتفق أن «تعقيدات» المشهد الإقليمى، تعبر عن عمق زمنى تاريخى لا بد من رصد مكوناته وأبعاده وتداعياته على كل ملف إقليمى. كذلك فإن «تشابكات» المشهد الإقليمى تؤكد تعدد مفرداته، وتشعب أصدائه، ووفرة امتداداته الدولية، خروجًا من الحيز الإقليمى الضيق. وتوصيف كذلك لا شك يعبر عن إحدى صور العولمة، نضيف إليها بُعدًا تاريخيًا، يمكن أن نطلق عليه «تراكمًا متتابعًا لحركة العلاقات الدولية فى تمثيلها لتطور المجتمعات، ونمو أدواتها، خدمة لمصالحها المتجددة».
ولعل فى شيوع الاهتمام الإقليمى والدولى بالنزاع الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران، ما يمنح ذلك الملف أولوية منطقية، عسى أن يقدم لنا نموذجًا لغيره من الملفات الملتهبة فى المنطقة الأكثر توترًا فى العالم، على أثره تتجسد رؤيتنا نحو معالجات مصرية جديدة، أكثر تقدمًا على طريق إجراء مصارحات واضحة، تنال من جمود عاب بعض نقاط مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية.
فى هذا السياق، لا ينبغى أن يغيب عنا ما يمثله الامتداد التاريخى من تعقد وتشابك ملف الأزمة السعودية، الإيرانية، وشدة التنافس بينهما، مع تنوع تطبيقاته، الدينية والسياسية والاقتصادية. ولو أن انحسارًا داخل «منظمة الأوبك» يمكن أن نحتجز داخله معظم التنافس الاقتصادى بين البلدين، فإن التنافس فى الشق الدينى أعلاها رتبة، وأكثرها عمقًا فى التاريخ. حتى أن نقصًا معيبًا يطال كل رؤية تختزل الأمر فى تنافس ذاع بين البلدين منذ اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩، بين نظام إيرانى ثورى إسلامى شيعى، يرى أن من واجبه تصدير أفكاره تصحيحًا لمسار الآخرين، ونظام سعودى ملكى إسلامى سُنى، حمل طويلًا مسئولية الدفاع عن «السُنة» كقطاع أوسع بين المسلمين، بموجب ما تمتلكه المملكة من رمزية دينية، جغرافية وتاريخية، لا منافس لها فى الأمة الإسلامية، ناهيك عن قناعات مشتركة بين النظامين الحاكمين فى البلدين، مفادها أن بقاء كل نظام منهما يرتكز على قوته فى مواجهة الآخر، ونجاحه فى الاستمرار فى الحكم، على أقل تقدير، قيد المنافسة مع القطب الإسلامى الآخر؛ وعليه فهزيمة قاسية تلحق بأى منهما تعنى قطعًا زوال النظام الحاكم.
والحال كذلك؛ فإن مسارًا للدولة المصرية داخل نفق الأزمة السعودية، الإيرانية، ينبغى أن يتحدد وفق ضرورات وحقائق العلاقات الدولية، وذلك على النحو التالي:
وحدة المصير العربى ليست مجالًا قابلًا للتشكيك أو المزايدة. كذلك فإن منافسة على «زعامة» الأمة العربية، لا تدفع بنا إلى مواقع حقيقية متقدمة على طريق تحقيق الأمن القومى العربى، راجع فى ذلك العقبات التى واجهت، وما زالت تعرقل فكرة إنشاء «قوة عربية مشتركة»؛ إذ اندفعت رؤى عربية من مواقع بعيدة تتخوف من عودة الهيمنة المصرية «الناصرية» على حركة الأمة العربية، وبالتالى فإن البعد التاريخى قائم، والتشابك والتعقيد واضح، والامتدادات الدولية للملف لا يمكن إنكارها؛ إذ اتفقت تلك الرؤى مع مواقف دولية تفضل «إسلامية» التحالف لا «عروبته»، لاحظ هنا أن على عكس ما لقيته فكرة القوة العربية المشتركة من فتور غربي؛ فإن مباركة واضحة حازها التحالف «الإسلامى» الذى أعلنته السعودية «فجأة» لمحاربة الإرهاب، فيما يعد اعترافًا، لم نكن فى حاجة إلى تقديمه، بدور الدين الإسلامى ومسئوليته تجاه الظاهرة الإرهابية.
تطبيقًا لميثاق الأمم المتحدة، فقرة «٣» من المادة «٢» المعنية بالتأكيد على ضرورة فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، «على وجه لا يجعل السلم والأمن الدولى عُرضة للخطر»، وفيما يعبر عن حجم البلدين المتنازعين، وثقلهما فى التوازنات الإقليمية والدولية، توالت عروض الوساطة، إحدى الوسائل السلمية، من جانب عدد من الدول، أبرزها روسيا وتركيا، وبعض الدول العربية، لم تغب عنها العراق المشتعلة، أكثرها واقعية جاء من سلطنة عمان «سويسرا العرب». فيما يُعد محاولات «مقبولة» فى إطار سعى كل دولة إلى اقتناص الفرص من رحم الأزمة.
لا يغيب هنا دلالة «استبعاد» الخارجية الأمريكية وساطة أمريكية بين البلدين المتنازعين، مشفوعة كذبًا بالشائع من خلافاتها الراسخة مع طهران، مدفوعة حقيقة بالرغبة فى «إنجاح» مخططها الكامن وراء الاتفاق النووى الشهير مع إيران فى إطار مجموعة «٥+١»، إذ رأت الولايات المتحدة أن تحالفًا قديمًا مع دول الخليج، واشتراكًا طويلًا فى الرؤية معهم تجاه ضرورة رحيل بشار الأسد، فرأت القوة العظمى أن تعود إيران إلى الأسرة الدولية، وتغرق الأسواق بنفطها لتنهار اقتصاديات الخليج وروسيا، ويغض الغرب كل طرف عن طموحاتها فى المنطقة، ففى ذلك تهذيب وإصلاح لسياسات الدب الروسى المتطلع إلى العودة قوة عالمية عظمى، وللقوى العربية «غير المجدية» للسياسات التوسعية التى تنتهجها الولايات المتحدة فى المنطقة.
وعلى حين لم تتأثر العلاقات الإيرانية بمجموعة كبيرة من الدول العربية، بلغ التجاوب العربى أشده فى قطع العلاقات مع طهران من جانب عدة دول، خليجية وغير خليجية، واللافت أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد احتلت إيران جزرها الثلاث «طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى» فى الثلاثين من نوفمبر عام ١٩٧١، قد اكتفت بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران إلى مستوى «قائم بالأعمال»، وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين فى دولة الإمارات، فيما يعبر عن تفرد الرؤية السياسية لدولة الإمارات، تتناسب قطعًا والتفرد الاقتصادى والاجتماعى المميز للمجتمع الإماراتى.
على هذا النحو تتوجه السياسة الخارجية متى أدركت حدودًا يمتد إليها أمنها القومي؛ ومن ثم ننتظر خطوات تجسد رؤية وطنية واضحة تمتد لأبعد من تصريح وزير الخارجية سامح شكرى «مصر كانت قد سبقت السعودية إلى قطع العلاقات مع إيران منذ ٢٧ عامًا»، فإيران قوة إقليمية لا يمكن إلغاؤها، وقطع للعلاقات الدبلوماسية لا يُنشئ انسحابًا من دور مؤثر على الساحة الدولية؛ إذ كانت الولايات المتحدة قد «سبقتنا» إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران فى أعقاب أزمة رهائن السفارة الأمريكية فى طهران عام ١٩٧٩.