الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بعضهم أفسد من أحمد عز!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فارق كبير بين أن تمارس الفساد من خلف شعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك من لافتات مشابهة وبين أن تمارسه دون أن تتخفى داخل تلك العباءة.. هذا بالضبط هو الفارق ذاته بين رجل الأعمال المهندس أحمد عز وبعض رؤساء ومؤسسى الأحزاب السياسية لاسيما التى نشأت بعد يناير ٢٠١١.
فالأول لم يدع تبنيه أى مبادئ تتعلق بالنزاهة أو الشفافية أو حتى احترام الرأى العام بينما كان يمارس الفساد السياسى ويعلن ضرورة أن يكتسح الحزب الوطنى برلمان ٢٠١٠ بأغلبية ساحقة أى أنه كان واضحا فى إصراره على إفساد الحياة السياسية ولم يزيف وعى الجمهور بالإعلان عن إيمانه بشيء مختلف ومع ذلك اعترف المهندس أحمد عز بما ارتكبه من فساد سياسى واعتذر عنه وقال بالفم المليان كنت مخطئا.
فى المقابل يمارس بعض رؤساء الأحزاب والسياسيين الفساد السياسى بأشكال أكثر مراوغة وهم يرتدون عباءة الثورة وقد طرزت بأقوى شعاراتها «عيش حرية عدالة اجتماعية».
فإذا كان الحزب الوطنى قد لجأ فى الماضى إلى شراء أصوات الناخبين بالخدمات أو حتى بالرشوة الانتخابية المباشرة فإن عددا لا بأس به من الأحزاب الجديدة ذاهب إلى شراء مرشحين إما كانوا نوابا عن الحزب الوطنى أو أبناء وإخوة لنواب سابقين، أى أنهم استعادوا الحزب الوطنى مرة أخرى ليضمنوا الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان وكان لحزبى المصريين الأحرار ومستقبل وطن نصيب الأسد فى بورصة شراء نواب الحزب الوطنى المنحل مع ملاحظة أن حزب المصريين الأحرار يزخر بالقيادات التى تدعى رفضها للحزب المنحل وسياساته.
لذلك يخطئ خطأ فادحا من يعتبر أن المقاعد الـ(٢٣٩) التى فازت بها الأحزاب السياسية فى مجلس النواب قد جاءت نتيجة لاختيار الناخبين برامج تلك الأحزاب ومن ثم قاموا بالتصويت لصالح مرشحيها.
فأغلب الناخبين صوتوا لمرشحى الأحزاب والمستقلين بمعيار واحد، إما بسبب الانتماء العائلى والقبلى والمنطقى داخل المحافظات الحضارية، وإما بسبب المعرفة الشخصية وهناك أسباب أخرى حسمت المعركة الانتخابية لمرشحين جدد تتعلق بوعى الناخب المصرى الذى أثبت كراهيته للمال السياسى والرشوة الانتخابية باختياره أسماء جديدة من الشباب والمرأة والمسيحيين أو بعض المرشحين الذين لم يعرف عنهم انتماء سابقا للحزب الوطنى المنحل ولم يلاحظ قيامهم بدفع رشاوى انتخابية أو إعطاء وعود مبالغ فى حجمها.
نجاح بعض الأسماء يدلل على صحة هذا المنطق مثل سمير غطاس وحمدى بخيت وتامر الشهاوى فى مدينة نصر والدكتور محمود بسيونى فى الباجور، وإيهاب الطماوى وجون طلعت فى شبرا ومدحت الشريف فى مصر الجديدة ويسرى نجيب فى عين شمس ومنى جاب الله فى منشأة ناصر ونشوى الديب فى إمبابة وثرية الشيخ فى شبرا الخيمة ودينا عبدالعزيز فى حلوان، هذه الأسماء وغيرها تؤكد أن الناخب المصرى أكثر وعيا من أحزابه لأنه وببساطة فاق كل التوقعات وجاء بمرشحين مسيحيين دون أن يكون للتحايز الدينى تدخل فى عملية الاختيار وجاء بالشباب والمرأة دون أن يشكك فى قدرتهم، أى أن الناخب حقق الفلسفة التى من أجلها جعلت الكوتة فى القوائم قبل أن تقدم نموذجا عمليا لقدرة هذه الفئات على تمثيل مصالح الأمة وربما كان سيتكرر الأمر مع ذوى الإعاقة لو ترشح من بينهم أشخاص فى المقاعد الفردية.
أظن أن الصفر الكبير هو المحصلة النهائية لدور الأحزاب فى الانتخابات البرلمانية كعملية سياسية لأنها فشلت فى الحصول على مقاعد بسبب التصويت لبرامجها السياسية علاوة على عدم وجود تمايز حقيقى بين برامج معظم الأحزاب، ويمكن القول بارتياح أنها أدارت لعبة الانتخابات بنفس قوانين لعب القمار والمراهنة على الخيول فى ساحة السباق، والنتيجة أن السياسة غائبة عن معظم الأحزاب لذلك لجأت إلى أحط أنواع الفساد السياسى شراء المرشحين والناخبين فى وقت واحد وربما يكون على الدولة أن تذهب إلى التفكير بجدية فى خلق مناخ يساعد على وجود حزب كبير له برنامج سياسى واقتصادى واجتماعى واضح وهيكل داخلى يتشكل على أسس ديمقراطية حقيقية ويتمتع بقدرة وخبرة فى توجيه خطاب سياسى للمجتمع، وأعتقد أن الأفكار فى هذا الاتجاه كثيرة ومتنوعة، ورغم كل الانتقادات للواقع السياسى المصرى إلا أنه أيضا واقع ثرى بسياسيين ومفكرين قادرين على طرح المزيد من التصورات الأكثر عمقا.