رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ماذا بعد مذابح باريس؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت باريس سلسلة من هجمات وعمليات قتل جماعى وقعت فى مساء يوم ١٣ نوفمبر ٢٠١٥ تحديدا فى الدائرة العاشرة والحادية عشرة فى مسرح (باتا كلان) وشارع بيتا وشارع دى شارون، ودوت عدة انفجارات فى محيط ملعب فرنسا فى ضواحى العاصمة تحديدا سان دونى.
وقالت شرطه باريس إن عدد العمليات الهجومية فى هذه الليلة كانت سبع هجمات فى وقت متزامن، وإنها تمت على يد ثماني انتحاريين ينتمون إلى تنظيم جهادى ونفذت على ثلاثة محاور.
حيث اقتحم مسلحون مسرح (باتا كلان) وهو مسرح للرقص والغناء كان مكتظا بحوالى ١٥٠٠ شخص. وقام المسلحون بإطلاق النار بشكل عشوائى واحتجزوا رهائن.
ومن ثم داهمت الشرطة المسرح، وأنهت عملية الاحتجاز وقتل فى المسرح أكثر من ١٠٠ شخص بعد تفجير ثلاثة من المهاجمين أنفسهم وقتل الرابع.
وأطلق النار فى باريس على مطاعم ومقاهٍ خلفت العشرات من الجرحى، وفى نفس الوقت وقعت ثلاثة انفجارات خارج ملعب فرنسا خلفت ثلاثة قتلى عندما كانت تقام مباراة ودية بين منتخبى ألمانيا وفرنسا بحضور الرئيس الفرنسى فرنسوا أولاند وزير الداخلية الفرنسى، وتم إجلاء فرانسوا بأمان حيث توجه إلى وزارة الداخلية، وقام بإعلان حالة الطوارئ فى كامل أجزاء فرنسا وإغلاق الحدود بشكل مؤقت ونشر قوات الجيش فى باريس.
وكانت المحصلة النهائية للهجمات ١٢٩ قتيلًا وإصابة ٣٠٠ شخص بينهم ٩٩ فى حالة حرجة وقتل ثمانية مهاجمين سبعة منهم قاموا بتفجير أنفسهم. وقد اعتبرت هذه الهجمات فى فرنسا هى الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية، وفى منتصف يوم ١٤ نوفمبر أعلن تنظيم الدولة الإسلامية تبنيه الهجوم، وفيما بعد قام بنشر صور لاثنين من عناصره المشاركة فى الهجوم.
وحسب بيان تنظيم الدولة الإسلامية، فقد جاءت الهجمات على فرنسا عقابًا لمشاركتها مع قوات التحالف فى قصف مواقع للتنظيم، تواجدت فيه عناصر جهادية فرنسية. وتأتى هذه الهجمات بعد حوالى عشرة شهور من هجمات يناير ٢٠١٥ فى فرنسا، وهو الهجوم على صحيفة شارلى إبيدو والتى ارتكبها شريف قواتسى وسعيد قواتسى وأميدى كولوبالى المنتمون لتنظيم القاعدة، وكانت فرنسا قد شاركت فى عملية الشمال فى سوريا ضد داعش بداية من ٢٠ سبتمبر ٢٠١٥ وتبعتها ضربات جوية استهدفت تنظيم الدولة الإسلامية ٢٧ سبتمبر، علمًا بأن فرنسا لا تؤيد التدخل البرى فى سوريا وترفض أى حل سياسى يكون بشار الأسد أحد مكوناته. ولم تكن الضربات الجوية الفرنسية مؤثرة بدرجة قوية.
لكن لماذا اختارت داعش فرنسا مسرحًا لتنفيذ عملية نوعية بهذا الحجم وفى هذا التوقيت؟. على الرغم من أن فرنسا تتبع نظامًا أمنيًا صارمًا خاصة فى عمليات مراقبة الدخول إلى الحدود أو الخروج منها، إلا أن قصور قوانين الأمن الداخلى التى تمنع وزارة الداخلية من تنفيذ قواعد الاشتباه والاحتجاز والمراقبة... إلخ يسمح للخلايا النائمة فى فرنسا بالتحرك بحرية أكبر فضلا عن القصور فى التعاون المخابراتى مع دول الاتحاد الأوروبى.
وقد أظهرت التحقيقات الأولية أن هناك عناصر من منفذى العملية مدرجين على قوائم الأمن، لقد أصبح تاريخ ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ تاريخًا فاصلًا بالنسبة لفرنسا ودول العالم التى تنوى مكافحة الإرهاب بجدية، أما بالنسبة لفرنسا فإن إعلان حالة الطوارئ والتجديد لها لمدة ثلاثة شهور وترحيب الفرنسيين بهذا القرار سيدعم موقف الحكومة فى معالجة جميع أوجه القصور الأمنية، حتى ولو جاءت على حساب الحريات ولو مؤقتًا.
وبالتأكيد ستكون هناك معارضة من بعض المنظمات الحقوقية والمدنية، لكن أغلبية الشعب ستكون مع البحث عن الأمن والاستقرار.
وتأتى هذه الهجمات لتدعم موقف اليمين الفرنسى الذى يتبنى فكرة أن الجاليات والأقليات غير الفرنسية هى جزء من مشاكل فرنسا، ومن المعروف أن هناك استحقاقًا انتخابيًا بعد ثلاثة أسابيع فى فرنسا وهى فترة الصمت الانتخابى، لكن الهجمات الأخيرة قد تدعم موقف اليمين الفرنسى فى الانتخابات، خاصة أن اليمين الفرنسى له موقف واضح من اللاجئين السوريين وغيرهم، وهو يطالب بتحجيم مستوى اللاجئين.
إن وجود عناصر فرنسية، وهى التى نفذت عمليات باريس يدل على عدم قدرة المجتمع الفرنسى علي استيعاب الجاليات الإسلامية والافتقار إلى خطاب موجه إلى هذه الأقليات.
وبالتأكيد فإن هناك المئات وقد يكون الآلاف من العناصر الجهادية يعيش بحرية على الأراضى الفرنسية، وفى نفس الوقت فإن الجاليات الإسلامية فى فرنسا ليست لديها منظومة واحدة مثل الأقليات اليهودية.
وهناك العديد من المسميات الإسلامية من الصعب أن تكون منظومة واحدة نظرًا لشدة الخلافات فيما بينها، ونعود مرة أخرى إلى التأكيد على أن الإرهاب هو بالأساس فكرة، عندما تجد حاضنة آمنة لها، فإنها تنمو وتترعرع، وتنظيم الدولة الإسلامية حاليا يسيطر على مساحة من الأرض تفوق مساحة إنجلترا، وقد استفاد من كل أشكال الدعم مقدمة من أمريكا والعراق وسوريا وتركيا وإسرائيل، وكل هذه الدول استفادت بشكل أو بآخر من ظهور داعش فى الصراع الإقليمى، والآن تدخل فى تحالفات لمواجهة التنظيم الذى أنشأته ولكنها للأسف تستخدم آليات عاجزة عن حسم المعارك، فمهما كانت قوة الغارات الجوية لكنها تظل محدودة فى تغيير الموقف على الأرض، ومن هنا ستضطر دول التحالف ومعها روسيا وإيران فى تغيير استراتيجيتها العسكرية، واللجوء إلى الحرب البرية، حيث إنه الحل الوحيد القادر على حسم المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى بعض الدول أن تعيد حساباتها فى علاقاتها مع داعش، مثل تركيا حيث تستفيد الشركات التركية من عملية بيع النفط الداعشى، وتحقق أرباحا خيالية من وراء ذلك، فهى تشترى البرميل بسعر ١٥ دولارا وتبيعه بسعر ٢٥ دولارا، كما أن الشركات التركية تورد كل احتياجات الدولة الإسلامية من سلع وسلاح عن طريق الحدود المفتوحة، ويجب على روسيا وإيران التخلى عن دعمهما لنظام بشار الذى ساهم بشكل مباشر فى دعم داعش بالتعاون مع النظام العراقى لمواجهة المعارضة السورية، ومتى تكف الدول العظمى ومؤتمرات فيينا وغيرها عن الحديث عن الحل السلمى فى سوريا فى بلد ١٠ ملايين سورى لاجئ خارج البلاد، وثلثا مساحته محتلة وعلى أرضه ميليشيات من كل أنحاء العالم وأخيرا فإن مذبحة ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ فى باريس جاءت لتدق جرس إنذار أن جميع المسارات السابقة لم تعد تجدى وأن داعش ارتكبت هذه المذبحة لرفع الروح المعنوية لعناصرها، لإظهار قوتها بأنها قادرة على مواجهة مع أعدائها خارج حدودها، وأن عقيدة داعش وأدبياتها تنطلق من أن أوروبا ستصبح ساحة قتال فى المستقبل للقضاء على دول الكفر أو الإذعان ودفع الجزية لدولة الخلافة الإسلامية.